خطبة حول حديث (أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ)
يوليو 16, 2022خطبة حول قوله تعالى (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا)
يوليو 17, 2022الخطبة الأولى ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته على لسان نبيه موسى (عليه السلام ) : (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (25)، (26) طه
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (25)، (26) طه ، فالدعاء مخّ العبادة، بل هو العبادة؛ لما فيه من توجّه العبد لمولاه بالتضرّع والخشوع والإنابة.. ولمّا كان الدعاء هو تحقيق العبودية المحضة للربّ الجليل، كان على العبد أن يلوذ به استجلاباً لمواهب الكريم.. وهذا الدعاء الذي جاء على لسان نبي الله موسى (عليه السلام) لهو من أعظم الأدعية التي يلهج بها كل لسان ، ويتوجه بها كل انسان إلى ربه الكريم المنان ، فقوله : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ) : أي وسعه ونوره بالإيمان واجعله يتقبل تكاليفك بسرور وارتياح ،فانشراح الصدر يحول مشقة التكليف إلى متعة ، ويحيل عناءه لذة؛ ويجعله دافعاً للحياة لا عبئاً يثقل خطى الحياة .وتيسير الله لعباده هو ضمان النجاح . وإلا فماذا يملك الإنسان بدون هذا التيسير؟ ماذا يملك وقواه محدودة وعلمه قاصر والطريق طويل وشائك ومجهول؟! . وقوله تعالى : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ) : فهذه الدعوة لنبي اللَّه موسى (عليه السلام) سألها اللَّه تعالى، لأمر عظيم وكبير، حين أمره اللَّه تعالى، بدعوة أعْتَى أهل الأرض كفراً، وطغياناً، وأكثر جنوداً وعتاداً، ادّعى الألوهية كذباً وزوراً؛ ولما كان هذا الأمر الخطب في غاية الأهمية والخطورة ، سأل اللَّه تعالى التوفيق إلى بعض المطالب والمقاصد ، والتي تكون له عوناً لدعوته؛ فإن الدعاء هو سلاح المؤمن، والذي يستنصر به، وبه تُستجلب الخيرات، وتُدفع به الشرور، والعبد يسأل ربه محسناً الظن به، فإن الداعي يُعطَى طلبه على قدر ظنه بربه الكريم، فقد روى الامام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي » ، وقال العلامة ابن سعدي رحمه اللَّه: (ومن تيسير الأمر أن ييسّر للداعي أن يأتي جميع الأمور من أبوابها، ويخاطب كل أحد بما يناسب له، ويدعوه بأقرب الطرق الموصلة إلى قبول قوله) ، فتضمّنت هذه الدعوة المباركة سؤال اللَّه تعالى الإعانة على أمور الدين من العبادة، والطاعة، والذكر، والتسبيح؛ لهذا يندب للداعي ذكر علة دعائه خاصة إذا كان من أمور الدين ، وعلى كل مسلم ألا يغيب هذا الدعاء عن ذهنه ، ولا ينقطع عن لسانه : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) فإن البحار عميقة ، والظلمات متكاثفة ، وفي الطريق قطاع من الأعداء الداخلة والخارجة ، وشياطين الإنس والجن كثيرة ، فإن لم تشرح يا رب لي صدري ، ولم تكن لي عونا في كل الأمور ؛ خبت وخسرت ، وقوله: (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ) ، فيه التنبيه على أنه سبحانه وتعالى هو الذي يعطي القابل قابليته ،والفاعل فاعليته ؛ ولهذا كان السلف رضي الله عنهم يقولون : يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها ، فجميع الحوادث في هذا العالم واقعة بقضائه وقدره وحكمته وقدرته ، ومن هنا يتضح لنا مدى الفائدة التي يحققها انشراح صدرك بنور ربك، لما يعطيك إياه من الهداية، ومعرفة الله على بصيرة، وهذا ما طلبه سيدنا موسى عليه السلام، حتى لا يضلّ الطريق، لأنّ الضلال يورث ضيق الصدر ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ) الانعام 125، هذا ومن الملاحظ أنّ المولى الكريم قرن انشراح الصدر بتيسير الأمر، فكأنّه سبحانه وتعالى يخبرنا أن من فوائد انشراح الصدر بنور الإيمان، تيسير الأمور وتذليل العسير، وها هو المولى يخاطب حبيبه صلى الله عليه وسلّم بقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) الشرح (1)، إلى أن قال تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) الشرح (5) (6) ،وفي هذا بيان على أن انشراح الصدر سبب في تيسير الأمر، وأعظم ما يشرح الصدر هو حلاوة الذكر، مع حضور القلب ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد (28) ، واطمئنانها يشرح صدر الذاكر ويشهده عظمة وقدرة مولاه، وأنه جار من جاوره، وأنيس من استأنس به، وعون من استعانه، وغياث من استغاثه، ولذلك كان المنشغل بذكر الرحمن تسهل بانشغاله في مولاه جميع الصعوبات ،ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِى عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِى السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلاَمِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلاَمِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ». وفي سنن ابن ماجه : (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ الْمَعَادِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ ».
أيها المسلمون
وإذا كان المؤمن يدعو ربه أن يشرح له صدره ، وأن ييسر له أمره ، فلا بد أن يعمل بالأسباب ، لينال المطلوب ، فمن أعظم الأسبابِ لشرح الصدر، وبه تطرد الأحزان والهموم، وتزال بسببه الوحشة والغموم : توحيد الله تعالى ، فلابد أن تعمُر قلبك ثقة بالله، فلا مانع لما أعطاه، ولا معطي لما منعه، ولا رادَ لما قضاه، ولا معقب لحكمه ، قال الله تعالى : (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ) [يونس: 107]، وحينئذ تطيبُ نفسُ العَبْدِ بما قُدِّر له، وتَنْقَشِعُ عن عَيْنَيه غشاوة الهمِّ والحزْنِ، وينشرحُ صدرُ المسلم بمثل هذه الاعتقادات، توحيدٌ وتسليم، وإذعانٌ وتعظيم، فتوحيد الله، ومعرفته، وتفويض الأمر إليه، هو جنَّة الدُّنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيمٌ، وهو قُرَّةُ عين المحبينَ، ولذَّةُ حياةِ المؤمنين ، ومن فاته شيء من توحيد الله، أو خَلَطَه بشيء مما يغضب الله ضاق صدره، واستوحش في قلبه ، قال الله تعالى : (وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) [الأنعام: 125]. ومن أسبابِ انشراح الصدر أيضا : ترك المعاصي والموبقات ، والهروب إلى الله، ومحاسبة النفس، فغالبا ما تكون الهموم والأحْزَان عقوبات عاجلة، فكيف يطلب انشراح الصدر من ضيَّع صلاته، ومنع زكاته، وحارب الله ورسوله ؟ ، أو كيف يَطْلب انشراح الصدر من كان من الظالمين والمفسدين في الأرض ؟ ، أو كيف يطلبُ انشراحَ الصَّدْرِ مَن كان كسبه حرام ؟ ، أو كيف يطلب انشراح الصدر مَن عقَّ والديه، وقطع الأرحام ؟ ، أو كيف يطلب انشراح الصدر من ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكرٍ؟ ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومِن أسباب انشراح الصدر : التزود من الطاعات، والإقبالُ على ربِّ الأرض والسمواتِ، فالطاعات زادُك إلى الدار الآخرة، والإكثار منها سببٌ في محبَّة الله ، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ) ، ومن أسباب انشراح الصدر : نفعُ المؤمنين، وإعانة المحتاجين ، فهو باذل نفسه وماله ووقته لقضاء حوائجهم، وتنفيس كرباتهم، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ )، ومن أسباب انشراح الصدر : الدعاء والإلحاح على الله بأن يشرح صدرك، وييسرك أمرك، فيا من ضاق صدره، وتكدر أمره ، ارفع يديك إلى ربك، وبث شكواك إلى خالقك، واذرف دموعك عينك، علَّ الله أن يجيب دعوتك، ويزيل كربك ، وفي مسند أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّى. إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً ». قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ « بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا »
الدعاء