خطبة مع قوله تعالى (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ)
فبراير 23, 2019خطبة عن حديث (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
فبراير 23, 2019الخطبة الأولى ( فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ . إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل (73) ،(74)
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- ، مع هذه الآية الكريمة المباركة من كتاب الله العزيز ، نتدبر معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونقطف من ثمار رياضها الغناء ، ونرتشف من سلسبيل رحيقها المختوم ، ومما جاء في كتب التفسير حول قوله تعالى : (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل ،(74) ،جاء في (الوجيز للواحدي) : ﴿ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ﴾ أي : لا تشبِّهوه بخلقه ،وذلك أنَّ ضرب المثل ،إنَّما هو تشبيه ذاتٍ بذاتٍ ،أو وصفٍ بوصفٍ ، والله تعالى منزَّه عن ذلك ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ﴾ ما يكون قبل أن يكون ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ أي : قدر عظمته حيث أشركتم به. وفي تفسير البغوي “معالم التنزيل”:﴿ فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ ﴾، يَعْنِي الْأَشْبَاهَ فَتُشَبِّهُونَهُ بِخَلْقِهِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ شركاء فَإِنَّهُ وَاحِدٌ لَا مِثْلَ لَهُ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾، خَطَأَ مَا تَضْرِبُونَ مِنَ الأمثال. وجاء في الوسيط لطنطاوي : وقوله – سبحانه – ( فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال . . ) نهى منه – سبحانه – عن أن يُشبه في ذاته أو صفاته بغيره ، وقد جاء هذا النهي في صورة الالتفات من الغائب إلى المخاطب للاهتمام بشأن هذا النهي ، والأمثال : جمع مثل ، وهو النظير والشبيه لغيره ، ثم أطلق على القول السائر المعروف ، لمماثلة مضربه – وتضرب الأمثال : لتوضيح الشيء الغريب ، وتقريب المعنى المعقول ،من المعنى المحسوس ، وعرض ما هو غائب في صورة ما هو مشاهد ، فيكون المعنى الذى ضرب له المثل أوقع في القلوب ، وأثبت في النفوس . فلا تتجاسروا ، وتتطاولوا ، وتضربوا لله – تعالى – الأمثال ، كما يضرب بعضكم لبعض ، فإن الله – تعالى – هو الذى يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك .
أيها المسلمون
وقوله تعالى : (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (74) النحل ، ففي الآية نهي عن أن نشبه الله سبحانه بشيء آخر؛ لأن الحق تبارك وتعالى واحد في ذاته، واحد في صفاته، واحد في أفعاله . فإياك أن تقول عن ذات: إنها تشبه ذاته سبحانه، أو صفات تشبه صفاته سبحانه، فإن وجدت صفة لله تعالى يوجد مثلها في البشر، فاعلم أنها على مقياس قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ( 11: الشورى) ، فالحق سبحانه ينهانا أن نضرب له الأمثال، وإنما هو سبحانه من يضرب الأمثال؛ لأنه حكيم ، يضرب المثل في محله ،ليوضح القضية الغامضة بالقضية المشاهدة؛ ولذلك يقول تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ) (60 : النحل) أي: الصفة العليا في كل شيء، فإذا وجدتم صفات مشتركة بينكم وبين الحق سبحانه فنزهوا الله عن الشبيه والنظير والند والمثيل وقل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ( 11: الشورى) ، فأنت موجود والله موجود، ولكن وجودك مسبوق بعدم ويلحقه العدم، ووجوده سبحانه لا يسبقه عدم ولا يلحقه العدم. ويخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم أنهم يعبدون من دونه آلهة اتخذوها شركاء لله، والحال أنهم لا يملكون لهم رزقا من السماوات والأرض، فلا ينـزلون مطرا، ولا رزقا ولا ينبتون من نبات الأرض شيئا، ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والأرض ،ولا يستطيعون لو أرادوا، فإن غير المالك للشيء ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به، وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون ، فهذه صفة آلهتهم ، فكيف جعلوها مع الله، وشبهوها بمالك الأرض والسماوات ،الذي له الملك كله ، والحمد كله ، والحول والقوة كلها؟ ولهذا قال تعالى : { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فعلينا أن لا نقول عليه بلا علم ، وأن نسمع ما ضربه العليم من الأمثال . وعن ابن عباس: ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ ) ، يعني اتخاذهم الأصنام، يقول: لا تجعلوا معي إلهًا غيري، فإنه لا إله غيري.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ . إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقوله تعالى : (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل (74) فلا تضربوا لله أمثالا خاطئة، قياسا على أفكاركم البشرية، فالله ليس له مثيل، كما فعل مشركو العرب وغيرهم إذ كانوا يضعون له أصناما بحجة أنها تقربهم إليه زلفى، على طريقة الواسطة عند البشر، بما أنه ملكٌ و بعيدٌ عنهم . واللا دينيون أيضا يقولون أن الله أكبر من أن يهتم بأوضاعنا ،وبما نفعل وما لا نفعل ، لأنه هو خالق الكون، ونحن أجرام صغيرة جدا ، لا تقارن بالمجرات العظيمة، وهكذا كلٌ يقول ويتخرص ، ولكن هي في النهاية أمثال قياسا على أفكار بشرية، وبالتالي فهي بلا علم، (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) . ومن أمثلة ضلال البشر: من يشبه الله بالبشر، بالجسم والحركات، ومنهم من يشبهه بحيوانات قوية، ومنهم من يتصور أنه إله متعصب لشعب معين، ومنهم من يتخيله كأنه محاسب أو رئيس شركة كبرى، على طريقة خذ وهات ،ولا يبالي بالنية. ومنهم من يتخيل أنه وزّع مهمات على آلهة أصغر منه، فيعبدونها لكي تقرّبهم إليه، ومنهم من يتصوره محتاجا لعملنا، ومنهم من يتصوره جلادا مولعا بتعذيب البشر ، ومنهم من يتصوره رحيما متسامحا حتى مع الظالمين مهما ظلموا . والعجيب أنها تصورات متناقضة، كأن يأخذ واحد منهم (الغفور الرحيم) ويستمر بها ، وآخر يأخذ (شديد العقاب) ويستمر بها.
فلا يعلم الله إلا الله ، والله تعالى هو من يعرّف بنفسه، لا أن نعرفه نحن البشر بالمماثلة مع ما نراه عظيما في عالم الشهادة، ومن هنا حصل الضلال الكبير في أكثر الديانات والمذاهب إلا من رحم الله. فالله تعالى غيب ، وليس من عالم الشهادة، وأي جرأة على الغيب ستحمل نفس الطابع البشري، مثل الخلل الذي أصاب المسيحية، واضح أنه بطابع بشري، اذ جعلوا لله ولدا ، مثل ما لهم من أولاد ، وينتحر لكي يحمل ذنوبهم ، وجعلوا له أمّا ، وهو إله. فنحن لا نستطيع كبشر أن نتخيل شيئا خارج نطاق معرفتنا، وقدرات عقولنا ، ولهذا جاء القرآن لإنقاذ البشر من الضلالات البشرية التي لحقت الاديان السابقة، فمن تقيد بالقرآن نجا، ومن تركه وبحث عن غيره، فسيذهب الى الهاوية . وحقا ما قال ربنا : (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل ،(74)
الدعاء