خطبة حول العفو والحلم والصفح (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
أغسطس 22, 2020خطبة عن حرمة قتل النفس وحديث (مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ)
أغسطس 29, 2020الخطبة الأولى ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (92) ،(93) الحجر
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (92) ،(93) الحجر، قال القرطبي في تفسيرها : أي : لنسألن هؤلاء الذين جرى ذكرهم عما عملوا في الدنيا . وفي البخاري : (وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) عَنْ قَوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . وَقَالَ ( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ) . وفي تفسير ابن كثير : قال عبد الله هو ابن مسعود : والذي لا إله غيره ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر فيقول : ابن آدم ماذا غرك منى بي؟ ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟. وفي تفسير البغوي : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ طويل فيه مواقف مختلفة يُسْأَلُونَ فِي بَعْضِ الْمَوَاقِفِ وَلَا يسألون في بعضها، نظير ذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ ﴾ [الْمُرْسَلَاتِ: 35]، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾ [الزمر: 31].فالآيات بعمومها تدل على سؤال الجميع ومحاسبتهم ،كافرهم ومؤمنهم ، إلا من دخل الجنة بغير حساب
أيها المسلمون
فيوم القيامة يوم طويل أمده ، عظيم هوله وخطبه ، مقداره خمسون ألف سنة، كما قال الله تعالى : (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (4) المعارج، ويوم القيامة له شئون وفيه أحوال، والناس فيه مختلفة أحوالهم ، ففي وقت يسألون، وفي وقت لا يسألون، في وقت يسألهم الله عن أعمالهم، كما قال عز وجل : (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فيسألهم ويجازيهم، وتعرض عليهم صحائفهم ، وفي وقت آخر من هذا اليوم الطويل لا يسألون، كما في قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) الرحمن (39)، وقد فسرها العلماء بتفاسير عدة ، ومنها : الأول : أن الإنس والجان لا يُسأَلون يوم القيامة سؤال استفهام واستعلام عن ذنوبهم ، فالله عز وجل أعلم بها ، ولكنه سبحانه يسألهم سؤال تقرير أو توبيخ أو تقريع ، وهذا فيه مزيد تخويف وتهويل لما يحدث يوم القيامة . والثاني : أن من الأحداث الهائلة التي تكون في ذلك اليوم أن الله عز وجل يختم على قلوب الكافرين والمنافقين ، وتتكلم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون ، فلا يسألون في ذلك الموقف ، وإنما تسأل أبدانهم لتشهد عليهم بذنوبهم . والثالث : أن الكفار لهول ما يلاقون يوم القيامة يعرفون باسوداد وجوههم ، وزرقة أعينهم ، فلا حاجة لسؤالهم عن ذنوبهم وقد بدت عليهم علامات الخزي فيهم ، وفي هذا أيضا هول شديد وموقف عصيب يوم القيامة ، ولا ينفي ذلك وقوع السؤال الحقيقي في موقف آخر ، فالقيامة يوم طويل ، ومراحل ومواقف مختلفة . ويقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله : في قوله تعالى : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (6) الأعراف ، قال : هذه الآية الكريمة تدل على أن الله يسأل جميع الناس يوم القيامة ،
أيها المسلمون
أما عن قضية المسؤولية الشخصية أمام الله عز وجل , حيث نقف جميعا كبارا وصغارا , قادة وشعوبا أمام الله عز وجل ، لنسال عن ضياع هذه الأمة ،وانحطاطها وتقزمها ،وتردي حالها وقوتها بين الأمم , فماذا سيكون رد من سيقف أمام الله عز وجل فردا , كل في مجال عمله واختصاصه ومسؤولياته , قادة وقياديين ،وعلماء ومثقفين ،وكتاب وشعراء 000 الخ , عما تعانيه الأمة الإسلامية وأبناءها في مختلف أرجاء المعمورة ؟
لذا فانه لابد للمسلم أن لا يغمض عينيه عما يقع ويجري حوله , بسبب يأسه من الإصلاح , او أن يقف حائد منعزلا منشغلا بخاصة نفسه بعيدا عن هموم هذه الأمة وتحدياتها ومشاكلها ،فمسؤولية وضع الأمة اليوم , لا يتحمله فرد دون مشاركة البقية بشكل من الأشكال فيه , لذا فان ما يحدث اليوم لهذه الأمة العظيمة , هو مسؤولية الجميع بدون استثناء ,فوربك ليسألون عن ذلك جميعا , كبارا وصغارا , حكاما ومحكومين , فلكل منهم دوره ومسؤوليته الملقاة على عاتقه , فماذا سيكون الرد ؟ وكيف سنجيب الله عز وجل عن ذلك يوم القيامة ؟ ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ »، فينبغي على المتطلع لنصرة هذا الدين أن يستشعر المسؤولية الفردية التي كلَّفه الله بها ، فإنَّه محاسب على كل تقصير اقترفه في حق نفسه وأمته. فلماذا لا نستشعر روح المسؤولية ونعلم أننا جميعاً محاسبون لدى الله ـ سبحانه ـ؟ فالمسؤولية لا تخصُّ أناساً بعينهم ؛ وإن كان يشتد وجوبها على آخرين ويعظم في حقِّهم جرم التهاون بها، إلا أنَّها تعمُّ جميع أطياف المجتمع وأشكاله ؛ وإذا كانت هناك بقية باقية استعصت علينا ؛ لأن قدراتنا لا تسمح بمقاومتها؛ فإن الله سبحانه وتعالى سيتولى ذلك ، لأنه علم منا جميعاً أننا بذلنا الجهد ،قال الله تعالى: (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) (21) الفتح ، فلا بد من استشعار المسؤولية الفردية التي كلفه الله بها؛ قال تعالى : {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 – 93]،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما دمنا قد علمنا أننا مسئولون ومحاسبون ، فلا بد أن نحاسب أنفسنا اليوم قبل الغد ، فالأعمال محصاة في سجلات محكمة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة، قال الله تعالى : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة:6]، وقال الله تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْس شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء:47] ، فمن العقل أن نحاسب أنفسنا في الرخاء قبل الشدة؛ ليعود أمرنا إلى الرضا والغبطة؛ لأن من حاسب نفسه علم عيوبها وزلاَّتها، ومواطن الضعف فيها، فالمحاسبة تروِّض النفس وتهذبها، وتزيد العمل الصالح، وتولِّد الحياء من الله، وتُلزم خشية الله، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوها قبل أن توزنوا؛ فإنه أهون في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتَزَيَّنوا للعرض الأكبر ، قال الله تعالى : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ } [الحاقة:18] .
الدعاء