خطبة حول معنى حديث ( مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ )
يوليو 4, 2020خطبة عن آداب الاستئذان وحديث (الاِسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ)
أغسطس 1, 2020الخطبة الأولى ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (15) ،(16) المائدة
إخوة الإسلام
اليوم -إن شاء الله- موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (15) ،(16) المائدة ،والمعنى العام للآيات : أي: قد جاءَكم- يا أهلَ التَّوراةِ والإنجيلِ- مِنَ اللهِ تعالى القرآنُ العظيمُ، الذي نزَل على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ نورٌ يُستضاءُ به في ظُلماتِ الجَهالة، وعَمَايَةِ الضَّلالة، ويُنيرُ لكم به معالمَ الهِدايَةِ، وهو نورٌ في قلوبِ أَهْلِه المتَّبِعِينَ له، ونورٌ في وُجُوههم، ونورٌ في قُبُورِهم، ونورٌ لهم يومَ القيامَةِ، وهو كتابٌ يُبيِّنُ للخَلْقِ كلَّ ما يحتاجونَ إليه من أُمُورِ دِينِهم ودُنياهم (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) : أي: يُرشِدُ اللهُ عزَّ وجلَّ ويُسدِّدُ بهذا القرآنِ العظيمِ، مَن ابتغى بلوغَ مَرْضاةِ الله تعالى فأَقْبَل عليه، وأسلمَ وآمَنَ بالله ربًّا، وبمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ نبيًّا، فيُرْشِدُه ويوفِّقُه إلى اتِّباع شرائعِ الإسلامِ، التي فيها النَّجاةُ والأمنُ والسَّلامةُ في الدُّنيا والآخِرة، حتى يَستقرَّ في الجَنَّةِ؛ دارِ السَّلامِ، المنزَّهةِ عن كلِّ آفةٍ، والمُؤمَّنَةِ مِن كلِّ مَخافةٍ (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ) : أي: ويُخْرِجُ مَن اتَّبَعَ رِضوانَه، وهَدَاه سُبُلَ السَّلامِ، مِن ظُلُماتِ الكُفرِ والشِّركِ والمعاصِي، إلى نورِ الإيمانِ واليقينِ والطَّاعَةِ بمشيئةِ الله عزَّ وجلَّ (وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.) أي: ويُرشِدُهم ويُسدِّدُهم إلى طريقٍ لا اعوجاجَ فيه، وهو دِينُ اللهِ القَويمُ
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ )، فيه أقوال: الأول : أن المراد بالنور محمد، وبالكتاب القرآن، والثاني : أن المراد بالنور الإسلام، وبالكتاب القرآن. الثالث : النور هو الاسلام والكتاب هو القرآن وفي تفسير الامام الطبري : يا أهل التوراة والإنجيل( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ )، ويعني بالنور، محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبيِّن الحق. ومن إنارته الحق، تبيينُه لليهود كثيرًا مما كانوا يخفون من الكتاب. وقد سماه الله تعالى سراجا منيرا؛ تشبيها لما أتاه من العلم والهدى بالنور؛ وتشبيها لظلمات الكفر والجهل بالظلمة الحسية فكما أن السراج يبين للناس الطريق المستقيم الذي يسلكونه آمنين مستبصرين لا يخافون ويوصلهم إلى غايتهم المرغوبة ، فكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بتعليمه وإرشاده وتزكيته لمن اتبعه شُبِّه بالسراج وبالنور الذي يحفظ متبعه من مهاوي الهلاك ،ولذا كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم : كما في الصحيحين : « اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِى سَمْعِي نُورًا وَفِى بَصَرِى نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ شِمَالِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا أَوْ قَالَ وَاجْعَلْنِي نُورًا ». وفي سنن الترمذي بسند حسن (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَإِلَى الْقَمَرِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ ) . فالله تبارك وتعالى قَدْ أَرْسَلَ رَسُوله مُحَمَّدًا بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ إِلَى جَمِيع أَهْل الْأَرْض عَرَبهمْ وَعَجَمهمْ أُمِّيِّهِمْ وَكِتَابِيِّهِمْ وَأَنَّهُ بَعَثَهُ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْفَرْقِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل ، وجاءنا نور الله عز وجل وكتابه من غير سعي منا ومن غير بحث ومن غير جهد بذلناه بل هي محض منة وفضل وكرم من الله تبارك وتعالى ،وهذا النور لا تقع معه ظلمة ولا التباس ولا اضطراب ولا اختلاط ولا غبش
أيها المسلمون
والقرآن الكريم هو أيضا نورُ الله ،الذي أشرق فجرُه على دُجَى الظُّلمات ،فأضحتْ سراجاً منيرا، وقد خاطب به عقول الناس وقلوبهم ،وجاء إليهم هادياً ومبشِّراً ونذيرا، فأنكر على مَنْ يتخذون مِنَ الآلهة مَنْ لا يملكون لأنفسهم موتاً ولا حياة ولا نشورا، وقص علينا من أخبار الأمم من كذبوا وعصوا ربَّهم ،فأهلكهم وتَبَّرهم تتبيراً، فكيف لعاقل بعد هذا أن يتخذ القرآن مهجورا.. وأينَ ضياءُ الشمس مِنْ نُور القرآن، وأين جمال القمر مِنْ جمال معناه وبديع وَصْفِه، وحُسن سَبْكه وانسجام رَصْفِه، فطوبى لمن اغترف من غرْفه، واستنشق من عبيره وطِيب عَرْفه، فهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأين فصاحة العرب وبلاغتهم مِنَ القدرة على الإتيان بأقصر سورة منه.. فالقرآن نور يضيء القلب حتى ينعكس ضوؤه على كلِّ تصرف يفعله، يميِّز بنوره ما يضره مما ينفعه، ويعرف به ما يخفضه وما يرفعه ،فلا ريبَ أنْ يموت قلب مَنْ لا ينهل مِنْ معينه، ولا يتعرض لشمسه وأنواره، ولا يستمسك بحبله المتين. إذن فلا عذر لنا إذا التبست علينا أمورنا، واضطربت ، وبين أيدينا هذا النور الإلهي ،الذي هو حُجة الله عز وجل على العالمين ، وليس لنا حجة ، وليس لنا عذر عند الله عز وجل ، بعدما أرسل الينا رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأنزل علينا كتابه الذي وصفه الله تعالى بقوله : { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } النحل 89، فالله عز وجل، جعل من مقاصد تنزيله، من حكم تنزيل هذا الكتاب العظيم المبارك تفصيل الآيات وتبيّنها واستبانة سبيل المجرمين، ففيه تبيان لسبيل أهل الحق وأهل الصلاح وأهل الخير وأهل البر ، من سبيل وطريق غيرهم ،بحيث يتميز ويتبين فتستبين حين إذن سبيل المجرمين في اضلالهم وفي تلبيسهم وفي حربهم لنور الله عز وجل. وإذن فنحن لا نحتاج إذا التبست علينا الأمور، وإذا اختلطت علينا المواقع واضطربت علينا الأحداث ، لا نحتاج إلا أن نرجع إلى كلام الله عز وجل واثقين بأن الله عز وجل هو الذي ضمن لهذا الكتاب اسباب النور واسباب الهداية ، وسوف يرشدنا ويهدينا إلى سبل السلام.
أيها المسلمون
وفي هذه الآيات : لفت الله تعالى انتباه أهل الكتاب ،إلى ضرورة اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الإيمان به شرط في دخولهم الإيمان ،وهو الذي يجدونه باسمه وصفته والتي من أعظمها وأجلها ما يدعو إليه وينهى عنه ، وأنه صلى الله عليه وسلم جاءهم وهم في ظلمات الشك والحيرة لما وقع ما وقع في كتبهم وعلومهم الشرعية من التحريفات والمبتدعات والتأويلات الفاسدة الضالة ، فجاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالصفة التي يعرفونها ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فهو صلى الله عليه وسلم يأمر بتوحيد الله عز وجل وترك ما يعبد سواه، ويحل لهم من الطيبات من المطاعم والمشارب والمناكح، ويحرم عليهم الخبائث من المطاعم والمشارب والمناكح والأقوال والأفعال. فهو نورٌ يُستضاءُ به في ظُلُماتِ الجَهْلِ والغَواية، ويبيِّن للخَلْقِ كلَّ ما يحتاجونَه من أمورِ دِينِهم ودُنياهم، ويُرشِدُ اللهُ به مَن أرادَ الوصولَ إلى رِضاه جلَّ وعلا، فيوفِّقُهم لسُلُوكِ طُرُقِ النَّجاةِ والأمْن والسَّلامَةِ في الدُّنيا والآخِرَةِ، حتى يَبلُغوا الجَنَّةَ؛ دارَ السَّلامِ، ويُخرجُهم من ظُلُماتِ الكُفْرِ والمعاصي إلى نورِ الإيمانِ والطَّاعة بمشيئَتِه سبحانه، ويَهديهم إلى الطَّريقِ القَويمِ، وهو دِينُه الحَنيفُ.
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (15) ،(16) المائدة ، بيان بأن القرآن الكريم دستور الحياة الذي يضع القواعد الأصيلة للحضارة السامية التي يريدها الإسلام الحنيف، ويحمل إلى البشر روحاً ربانية عظيمة تبغي صبغ الحياة بصبغة إيمانية، تتحقق بها مصالح الأفراد والجماعات والمجتمعات، وينتقل بها الناس إلى الحياة الأبدية آمنين سعداء، وفرحين مطمئنين. فماذا عسانا ان نفعله امام هذه المنة الكبرى وهذا الفضل الالهي العظيم ؟ 1 – علينا اولا: ان نقدر لهذا الكتاب العظيم قدره, فنستشعر ونستحضر انه كلام الخالق العظيم الذي ليس كمثله شيء, فنجعله حكما في ما بيننا, ومنهج حياة في شؤوننا, لا نحيد عنه ولا نعدل ولو قيد شعرة, لا في صغير ولا في كبير, ولا في عبادة ولا معاملة, ولا في دين ولا دنيا, ولا نتبع اهواء البشر وما تمليه عليهم عقولهم القاصرة, 2 – ثم علينا كذلك ان نجعل هذا الكتاب العظيم انيسنا وجليسنا, فنقراه آناء الليل واطراف النهار, لا تفتر السنتنا عن اللهج بحروفه وكلماته, ولا عن ترداد سوره وآياته؛ فان لذلك فضلا عظيما واي فضل؟ 3 – وحق علينا مع قراءته ان نتدبر آياته ونتأمل فيها؛ فان القرآن انما انزل من اجل التدبر والاتعاظ , فكم من مسلم يمر عليه وقت طويل ،وزمان مديد ،وهو لما يختم القرآن, وربما لم يقرأ منه شيئا,
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والمتدبر والمتأمل في هذه الآيات يجد أن من الفوائد التربوية التي اشتملت عليها هذه الآيات : أولا : أنَّه كلَّما اتَّبَعَ الإنسانُ ما يُرْضي اللهَ، ازدادَ معرفةً بشريعةِ اللهِ؛ لِقَوْلِه تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ)، وعلى العَكْسِ؛ فمَن أعْرَضَ عن رِضوانِ الله، فإنَّه لا يُهدَى سُبُلَ الله؛ لأنَّه ليس أهلًا للهِدايةِ ، ثانيا : يُستَفاد مِن قَوْلِه سبحانه: (سُبُلَ السَّلَامِ ) أنَّ مَن سلكَ سَبيلَ الشريعةِ فقد سَلِم سلامةً مُطلَقةً؛ في عقيدَتِه، وأعمالِه، وجزائِه؛ لأنَّ هذا المسلكَ سيؤدِّي به إلى دارِ السَّلامِ التي يدعو اللهُ تعالى إليها؛ كما قال عزَّ وجلَّ: (وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس: 25]. ثالثا : يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه تعالى: (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) : أنَّ الجاهليَّةَ كلَّها ظلماتٌ؛ ظُلمةُ الشُّبهاتِ والخُرافاتِ والأَساطيرِ والتصوُّراتِ، وظلمةُ الشَّهَواتِ والنَّزَعاتِ والاندفاعاتِ في التِّيه، وظلمةُ الحَيْرةِ والقَلقِ، والانقطاعِ عن الهُدى، والوَحْشَةِ ،من الجَنابِ الآمِنِ المأنوسِ، وظلمةُ اضطرابِ القِيَمِ، وتَخَلْخُل الأحكامِ والقِيَمِ والموازينِ ، رابعا : أنَّه كلَّما تمسَّكَ الإنسانُ بشريعةِ الله هداه اللهُ تعالى؛ لقوله : (وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ؛ فالمعاصي سببٌ للزَّيْغِ، والطَّاعةُ والامتثالُ سببٌ للهِدايَةِ والرَّشَد، وهذا له أمثلةٌ كثيرة في القرآنِ ،وفي قوله تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) : وهم اليهودُ والنَّصارى، فقد أضافَهم اللهُ تعالى إلى الكِتابِ، وسمَّاهم أهلًا له؛ لإقامةِ الحُجَّةِ عليهم ونَفْيِ العُذْرِ؛ فعندهم علمُ معرفةٍ؛ ويعرِفونَ الرسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم كما يعرِفون أبناءَهم ، خامسا : في الآيات إشارة إلى رِفْعةُ شأنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ وذلك لِقَوْلِه: (رَسُولُنَا) ، فإنَّ إضافةَ رِسالَتِه إلى الله لا شكَّ أنَّها شَرَفٌ، وكلُّ ما يُضافُ إلى الله فهو شَرَفٌ ، سادسا : في الآيات إشارة إلى أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ مُرسَلٌ إلى أهلِ الكتابِ؛ لِقَوْلِه: (قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا)، فهو مُرْسَلٌ إليهم بالقرآنِ والسُّنةِ ، سابعا : في الآيات إشارة إلى أنَّ أهلَ الكتابِ أهلُ كِتمانٍ للعِلم؛ لقوله تعالى : (كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ)، وأنَّ مَن كتَم العِلْمَ مِن هذه الأمَّة ففيه شَبَهٌ باليهودِ والنَّصارى؛ لأنَّ هذا هو دَأْبُهم؛ فمَن كتَم فقد شابَههم في أَقْبَحِ خَصلة- والعياذُ بالله- وهي كتمانُ ما جاءَهم مِنَ العِلْم ، ثامنا : في قوْلُه تعالى: (ممَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ)، ففي هذه الآيَةِ دلالةٌ على صِحَّةِ نُبوَّةِ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ إعلامَه بما يُخفونَ مِن كِتابِهم- وقد أخْفَى النَّصارى التوحيدَ، وأخفى اليهودُ كثيرًا من أحكامِ الشَّريعةِ كرَجْمِ الزَّاني، وتحريمِ الرِّبا كافَّةً، كما أَخْفَوا جميعًا خبرَ بَعْثةِ النبيِّ الأميِّ- وهو أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يَكتُب ولا يَصْحَبُ القرَّاءَ؛ دلالةٌ على أنَّه إنما يُعلِّمُه اللهُ تعالى ، تاسعا : في قوله تعالى: (سُبُلَ السَّلَامِ): فيه بيان لما يَسْكُبه هذا الدِّينُ في الحياةِ كلِّها؛ سلامُ الفَرْدِ، وسلامُ الجَماعَةِ، وسلامُ العالَم، سلامُ الضَّمير، وسلام العَقْلِ، وسلامُ الجوارح، سلام البيت والأُسرة، وسلامُ المجتمعِ والأُمَّة، وسلامُ البشر والإنسانيَّة، السَّلامُ مع الحياة، والسَّلام مع الكَونِ، والسَّلام مع اللهِ ربِّ الكونِ والحياةِ، السَّلام الذي لا تَجِدُه البشريَّة- ولم تجدْه يومًا- إلَّا في هذا الدِّينِ وإلَّا في منهجِه ونِظامه وشريعته، عاشرا : في الآيات : إثباتُ الرِّضا لله تعالى؛ لقوله تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) ، فالرِّضوانُ بمعنى الرِّضا أو الرِّضا الكثيرِ، والرِّضا: صِفةٌ فعليَّة من صِفاتِ الله عزَّ وجلَّ، تتعلَّق بمشيئته ولها سببٌ، وسببُها عملُ العبدِ بتوفيقِ الله
الدعاء