خطبة حول (فضائل لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ)
مارس 4, 2020خطبة عن حديث (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا)
مارس 7, 2020الخطبة الأولى ( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ،وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ ،فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه (81) ،(82)
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه (81) ،(82) ،قال ابن كثير : أي : كلوا من هذا [ الرزق ] الذي رزقتكم ، ولا تطغوا في رزقي ، فتأخذوه من غير حاجة ، وتخالفوا ما آمركم به ، ( فيحل عليكم غضبي ) أي : أغضب عليكم ، ( ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أي : فقد شقي .وقال شفي بن ماتع : إن في جهنم قصرا يرمى الكافر من أعلاه ، فيهوي في جهنم أربعين خريفا قبل أن يبلغ الصلصال ، وذلك قوله : ( ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ) رواه ابن أبي حاتم . ويقول الطبري : قوله تعالى ذكره لهم: كلوا يا بني إسرائيل من شهيات رزقنا الذي رزقناكم، وحلاله الذي طيبناه لكم ( وَلا تَطْغَوْا فِيهِ ) يقول: ولا تعتدوا فيه، ولا يظلم فيه بعضكم بعضا. وعن ابن عباس 🙁 وَلا تَطْغَوْا فِيهِ ) يقول: ولا تظلموا.( فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ) أي: فتنـزل عليكم عقوبتي. ومن يجب عليه غضبي، فينـزل به، فقد هوى، وتردى فيشقى . وفي تفسير القرطبي : كلوا من طيبات ما رزقناكم ،ومن لذيذ الرزق وحلاله ،إذ لا صنع فيه لآدمي فتدخله شبهة ، ولا تطغوا فيه ،فتحملنكم السعة والعافية أن تعصوا ؛ولا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكر المنعم بها عليكم . وعن شفي الأصبحي قال : إن في جهنم جبلا يدعى صعودا يطلع فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يرقاه ؛ قال الله تعالى : (سأرهقه صعودا) وإن في جهنم قصرا يقال له هوى يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفا قبل أن يبلغ أصله
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : ((كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ ) فهذا نهي صريح بعدم تناول طعام فوق احتياجاتنا حتى ولو كان طيبا ، فيكون الطغيان في تناول الطعام ،والإفراط فيه ،عندما نأكل ما يزيد عن حاجتنا ،وأن نأكل لمجرد أن طعم الأكل مستساغ ، ولدينا منه الكثير ، وليس لسد الحاجة بالشعور بالجوع. فالطغيان في الأكل شأنه شأن الطغيان في كل شيء ،وهو تجاوز الحد والقـدر عندما لا يردع الإنســان نفسه، وفي سنن ابن ماجة : (أن الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِيكَرِبَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ ». ولضرورة الالتـزام بهذا النهي ففد أخبرنا – سبحانه وتعالى- بأنه لو غفلنا عن هذا النهي ، ونستمر في التمادي والإفـراط في تناول الطعام ، فإن النتيجة : ( فيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) وقد جمعت الآية الكريمة كل عواقــب الإفراط في تنــاول الطعام ، وعدم الطاعــة لأوامر الله ونهيه عن الطغيان في تناوله
أيها المسلمون
ولا بد أن نقف أمام هــذا الإعجاز العلمي الذي نزل به القرآن الكريم، حيــث حدثنا القرآن عن عواقب الإفراط في تناول الطعام قبل أن يدرك الطـب الحديث والأبحاث العلمية العلاقــة بين الإفراط في تناول الطعــام ،والعديــد من الأمراض التــي تهلك أجهزة الجســم ،وتهوي بها ، من الصحة إلى حفر المرض ، والتــأذي، وتؤدي إلى اعتلال الجسم ، والوفاة في كثير من الأحوال. فقد أثبت الطب الحديث أن الإفراط في تناول الطعام يؤدي إلى العديد من الأمراض منها : أولا : داء السكري، وهــو خلل في البنكرياس بحيث لا يسـتطيع أن يفــرز الكمية الكافية من هرمون الأنسولين ويتوقـف أحيانا عـن إفرازه نهائيا، ومن أهم أسـباب هذا الخلـل الإفراط في تناول الطعام فوق قدرة الجسم على التعامل معه. ثانيا : الأورام السـرطانية، حيث أثبتت الأبحاث أن السـمنة وراء ظهور أنواع كثيرة من الأورام ، وأن الاعتدال في تناول الطعام ، يساعد كثيرا في العلاج مـن الكثيـر من الأورام، حيث إن السمنة تعني إحاطة الخلايا الحيوية بخلايا دهنية تتسـبب في تقلقل تدفق الدم والأكسجين إلى الخلايا الحيوية مما يتسبب في اختناقها وتحورها. ثالثا : من نتائج الطغيان في تناول الطعام : أمراض القلب وخاصة قصور القلب الاحتقاني حيث لا يستطيع القلب ضخ الدم إلى كل أجزاء الجسم المضاف نتيجة السمنة. رابعا : تضخم القلب، نتيجة للجهد الزائد للقلب لمحاولاته ضخ الدم لكل أجزاء الجسم. خامسا : الجلطات الرئوية والتي تؤدي إلى انسداد بعـض الأوردة وذلــك نتيجة قلة الحركة نتيجة الوزن الزائد. سادسا : التأخر في الحمل نتيجة تكيسات المبايض. سابعا : ارتجاع المريء وزيادة الحموضة. ثامنا : الكبد الدهني نتيجة زيادة تكوين الدهون بالجسم فوق قدرة الجسم على التخلص منها نتيجة الإفراط في تناول الطعام. تاسعا : الفتق سواء في جدار البطن ، أوفي الحجاب الحاجز. عاشرا : ضعف القدرة الجنسية ، وسلس البول والذي ينتـج كمضاعفات لزيادة الوزن نتيجة ضعـف المثانـة وعضلات الحوض، والفشل الكلوي المزمن ، فأكثــر من يصاب به هم من يعانون من السمنة. الحادي عشر : التهاب الجهاز اللمفاوي حيث إن السمنة المفرطة تؤدي إلى انسداد وتلف القنوات الليمفاوية والتي تعد جهاز صرف المخلفات من الجســم مما يؤدي إلى التورم وظهور أنواع عديدة من الأورام.
أيها المسلمون
ولتجنب الوقوع ضحية طغيان أنفسنا على أجسادنا ، وعدم الالتزام بنواهي االله- تعالى- مما يعرضنا لغضب الله علينا ، والوقوع فريسة للمرض والمعاناة، فعلينا أن نتدبر أوامـر الله ونواهيه ، وأن نعمـل على إلزام أنفسـنا ببعـض القواعد ،التي تسـاعدنا على نيـل رضا الله، والحفاظ على نعمة الله علينا ، بالجسم الصحيح ، ولا نؤذيه، ومن أهم تلك القواعد: أولا : تحـري الطيـب مـن الطعام . ثانيا : ألا نأكل إلا إذا شـعرنا بالجوع ؛فنحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع. ثالثا : مضغ الطعام بمهل وبطء، فمضغ الطعام جيدا له فوائد عديدة ، رابعا : الاعتدال في تناول طعام مـن كل المجموعات الغذائية. خامسا : الاهتمام بتناول الفواكه والخضروات. سادسا : اتباع سنة الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) وعــدم ملء المعدة ، والاهتمام بتناول الماء ، كما أمرنا الرســول الكريــم، ففي سنن الترمذي : (عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ،وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ ،فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما قوله تعالى : (فيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) طه (81) ، فأهل السنة والجماعــة يثبتون صـفة الغضب لله عزَّ وجلَّ ،بوجـه يليق بجلالـه وعظمته، وهم لا يكيفون ، ولا يشبهون ، ولا يؤولون؛ ومن الأدلة الواردة في السنة حديث الشفاعة الطويل، وفيه قول الأنبياء والرسل : (إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ) ، فمذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب والرضا والعداوة والولاية والحب والبغض ونحو ذلك من الصفات التي وردت في الكتاب والسنة) ، وأما قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه (82) ، قال السعدي في تفسيره : ومع هذا، فالتوبة معروضة، ولو عمل العبد ما عمل من المعاصي، فلهذا قال الله عقبها : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ } أي: كثير المغفرة والرحمة، لمن تاب من الكفر والبدعة والفسوق، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعمل صالحا من أعمال القلب والبدن، وأقوال اللسان. { ثُمَّ اهْتَدَى } أي: سلك الصراط المستقيم، وتابع الرسول الكريم، واقتدى بالدين القويم، فهذا يغفر الله أوزاره، ويعفو عما تقدم من ذنبه وإصراره، لأنه أتى بالسبب الأكبر، للمغفرة والرحمة، بل الأسباب كلها منحصرة في هذه الأشياء فإن التوبة تجب ما قبلها، والإيمان والإسلام يهدم ما قبله، والعمل الصالح الذي هو الحسنات، يذهب السيئات، وسلوك طرق الهداية بجميع أنواعها، من تعلم علم، وتدبر آية أو حديث، حتى يتبين له معنى من المعاني يهتدي به، ودعوة إلى دين الحق، ورد بدعة أو كفر أو ضلالة، وجهاد، وهجرة، وغير ذلك من جزئيات الهداية، كلها مكفرات للذنوب محصلات لغاية المطلوب.
الدعاء