خطبة عن (لماذا أسلم هؤلاء لله رب العالمين)
يوليو 13, 2019خطبة عن (لا تُفتنوا بقوة الكافرين وانشغلوا بإصلاح المسلمين)
يوليو 13, 2019الخطبة الأولى ( مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى) (1): (3) طه
إخوة الإسلام
القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك ،وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى) (2) ،(3) طه ، فقد جاء في تفسير ابن كثير : عن الضحاك : لما أنزل الله القرآن على رسوله ، قام به هو وأصحابه ، فقال المشركون من قريش : ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى! فأنزل الله تعالى : (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى) (1): (3) طه فليس الأمر كما زعمه المبطلون ، بل من آتاه الله العلم فقد أراد به خيرا كثيرا ، كما ثبت في الصحيحين ،عن معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ” ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده : إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ، ولا أبالي ” رواه الطبراني ،وقال السعدي : { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } أي: ليس المقصود بالوحي، وإنزال القرآن عليك، وشرع الشريعة، لتشقى بذلك، ويكون في الشريعة تكليف يشق على المكلفين، وتعجز عنه قوى العاملين. وإنما الوحي والقرآن والشرع، شرعه الرحيم الرحمن، وجعله موصلا للسعادة والفلاح والفوز، وسهله غاية التسهيل، ويسر كل طرقه وأبوابه، وجعله غذاء للقلوب والأرواح، وراحة للأبدان، فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة بالقبول والإذعان، لعلمها بما احتوى عليه من الخير في الدنيا والآخرة . وقوله تعالى: { إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى }، فالمعنى : إلا ليتذكر به من يخشى الله تعالى، فيتذكر ما فيه من الترغيب إلى أجل المطالب، فيعمل بذلك، ومن الترهيب عن الشقاء والخسران، فيرهب منه، ويتذكر به الأحكام الحسنة الشرعية المفصلة، التي كان مستقرا في عقله حسنها مجملا، فوافق التفصيل ما يجده في فطرته وعقله، ولهذا سماه الله { تَذْكِرَةً } ، وقال الشعراوي في تفسيرها : {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}. ، فالشقاء: هو التعب والنَّصَب والكدّ، فالحق سبحانه ينفي عن رسوله صلى الله عليه وسلم التعب بسبب إنزال القرآن عليه، إذن: فما المقابل؟ المقابل: أنزلنا عليك القرآن لتسعد، تسعد أولًا بأن اصطفاك لأن تكون أَهْلًا لنزول القرآن عليك، وتسعد بأن تحمل نفسك أولًا على منهج الله وفِعْل الخير كل الخير. فلماذا إذن جاءتْ كلمة {لتشقى} [طه: 2]؟. هذا كلام الكفار أمثال أبي جهل، ومُطعِم بن عدي، والنضر بن الحارث، والوليد بن المغيرة حينما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له: لقد أشقيتَ نفسك بهذه الدعوة. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهَدًى لِلْعَالَمِينَ) رواه احمد ، فقد بُعث رسول الله ليسعد ،ويسعد معه قومه ،والناس أجمعين ،لا ليشقى ،ويُشقِي معه الناس. ولكن من أين جاء الكفار بمسألة الشقاء هذه؟ المؤمن لو نظر إلى منهج الله الذي نزل به القرآن لوجده يتدخل في إراداته واختياراته، ويقف أمام شهواته، فيأمره بما يكره وما يشقُّ على نفسه، ويمنعه مما يألَف ومما يحب. إذن: فمنهج الله ضد مرادات الاختيار، وهذا يُتعِب النفس ويشقُّ عليها إذا عُزِلَتْ الوسيلة عن غايتها، فنظرت إلى الدنيا والتكليف منفصلًا عن الآخرة والجزاء. أمّا المؤمن فيقرن بين الوسيلة والغاية، ويتعب في الدنيا على أمل الثواب في الآخرة، فيسعد بمنهج الله، لا يشقى به أبدًا. كالتلميذ الذي يتحمل مشقّة الدرس والتحصيل؛ لأنه يستحضر فَرْحة الفوز والنجاح آخر العام. من هنا رأى هؤلاء الكفار في منهج الله مشقة وتعبًا، لأنهم عزلوا الوسيلة عن غايتها؛ لذلك شعروا بالمشقة، في حين شعر المؤمنون بلذة العبادة ومتعة التكليف من الله، وهذه المسألة هي التي جعلتهم يتخذون آلهةً لا مطالبَ لها، ولا منهج، ولا تكليف، آلهة يعبدونها على هواهم، ويسيرون في ظلها على حَلِّ شعورهم. لذلك أوضح القرآن أنهم مغفلون في هذه المسألة، فقال: {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى} [طه: 2].
أيها المسلمون
وقوله تعالى : (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى) (1): (3) طه ، في الآيات أيضا ،تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ،أن لا يتعب نفسه الشريفة في حمل الناس على دعوته ،التي يتضمنها القرآن ،فهو لم ينزل ليتكلف به ،بل هو تنزيل إلهي ،يذكر الناس بالله وآياته، رجاء أن تستيقظ غريزة خشيتهم ،فيتذكروا فيؤمنوا به ،ويتقوا ،فليس عليه إلا التبليغ فحسب ،فإن خشوا ،وتذكروا ، وإلا غشيتهم غاشية العذاب أو ردوا إلى ربهم ،فأدركهم وبال ظلمهم ،وفسقهم ،ووفيت لهم أعمالهم من غير أن يكونوا معجزين لله سبحانه بطغيانهم ، وتكذيبهم. وتفيدنا الآيات بأنه بقدر تعلقنا بالقرآن، يكون خلاصنا من الشقاء، فالقرآن والشقاء لا يجتمعان ، فهو كتاب أنزله ربنا على نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم- ليسعد هو وأمته به. يقول محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله- عند قوله تعالى: (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى): «ويُفهم من قوله: لتشقى؛ أنه أنزل عليه ليسعد». فعندما يهطل الغيث تنتشي الأرض، وكأنما تهتز شوقاً له. وحتى النفوس يبهجها المطر ويسرها ،القرآن غيثٌ كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا ..) رواه البخاري ومسلم. فالقلوب التي استوطن فيها الحزن واستقر، وأصبحت بسببه مجدبة قاحلة، ففقدت معاني الحياة وبهجتها. وظهر أثر ذلك في وجوه أصحابها، ففيها حزنٌ لا تخطِئه العين ، ولن يعيد هذه القلوب للحياة إلا أن يهطل عليها كلام ربها، فهو أعلم بها، وهو القادر سبحانه أن يعيد إليها بهجة الحياة من جديد. كل ما علينا فعله، حتى ينهمر هذا الغيث على قلوبنا، المكلومة والحزينة، التي أضناها المسير في هذه الحياة ودروبها الطويلة والشاقة، أن نفتح دفتي المصحف، ونتلوه بخشوع وتدبّر، عندها تسيل دموعنا ، وستشارك هذا الغيث في غسل قلوبنا مما أصابها من كدر الحياة ونكدها.
اقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن قوله تعالى : (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (1) ،(2) طه ، فإن الشقاء المنفي في هذه الآية الكريمة، هو شقاءٌ ينسحب على شتى تجليات هذا الدين: من العقيدة ،والشريعة ،والأخلاق ،والأخبار؛ ومن ثم ،فالسعادة التي تحقِّقها هداياتُه ، تنسحب أيضًا على هذه الأبعاد كافة. فعندما يَتِيه الإنسان في معرفة حقيقة الألوهية ،وحقيقة العبودية ،وحقيقة العلاقة بينهما، فهذا شقاء أليم، وعندما يقدِّم القرآنُ للإنسان عقيدة واضحة شفيفة عميقة ومثيرة حول الله والإنسان ،والعلاقة بينهما، فهذه سعادة عظيمة . وعندما يضل الإنسان في تقرير القوانين التي يجب أن تحكمَ علاقات أفراد المجتمع، فتنتج الفوضى ويعم الظلم، فهذا شقاء أليم. وعندما يقدم القرآنُ للإنسان مجموعةَ قوانين تنظِّم حياتَه وعلاقاته بالآخرين، فيشيع العدل وينتشر السلام في المجتمع، فهذه سعادة عظيمة. وعندما يلهث الإنسان في رسم معالم أخلاق فاضلة، تهذب نفسه، وتسمو بروحه، وتشيع في أفراد المجتمع روحَ المحبة والتكافل والسلام، ثم لا يجني إلا البؤس والمأساة والأنانية المقيتة، فهذا شقاء أليم وعندما يقدم القرآن للإنسان قِيَمَ أخلاق رائعة تزكو بنفسِه، وتسمو بشخصيته، وتنظمه مع إخوانه في المجتمع والأمة في نظام واحد متماسك، فهذه سعادة عظيمة. وعندما يذهب الإنسان شاردًا تائهًا في مسارب الحياة، لا يعرف حقيقة ولا يهتدي لرشاد، فتذهب حياتُه سدًى بعد أن مضت عبثًا، ويحس فيها غربة حالكة بعد أن خلت لهوًا باطلاً، فهذا شقاء أليم. وعندما يقدم القرآنُ منهج حياة شاملاً متكاملاً؛ يراعي فطرتَه، ويحترم طاقاته، فهذه سعادة عظيمة.
أيها المسلمون
فهذا القرآن إنما أنزل لمحض السعادة؛ لذا فإنه حقيق على المسلم الذي يؤمن بهذا القرآن ومُنَزِّلِهِ، والمُنَزَّل عليه والتفسيرُ العمليُّ لذلك كان في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث كان صلى الله عليه وسلم أكثرَ الناس تبسماً، وبشراً، وطلاقة، وأنساً، ورضاً، وسروراً ، وما قعد به عن ذلك كثرةُ الآلامِ، والمصائبِ، والمشاقِّ التي تمر به ، وفي هذا إرشاد عظيم لمن يظن أن عبوسَ الجبين، وكَرَفَ العرنين، وتَجَهُّمَ الأسارير، وتَكَلُّفَ التوقُّرِ، واجترارَ المآسي، وسوادَ النظرةِ، وإساءةَ الظنِّ بالآخرين ، هو علامةُ التدين الصحيح ، لا، ليس الأمر كذلك، بل هو بعكسه تماماً. فحقيق على من آمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، أن يستحضر هذا المعنى العظيم، وأن يكون على باله دائماً؛ فيستقبل الحياة وما فيها من تكاليف، ويقوم بما أمره الله به بكل ارتياح، وسرور ؛ فإذا وُفِّق لما يرجوه من نجاح، وطاعة حَمِد اللهَ، واستمر على الطاعة، وإذا أتت الأمور على خلاف ما يريد تعزى بقدر الله، وإذا خذل؛ فوقع في المعصية استغفر، وتاب ورجع إلى مولاه. وهكذا سيرته مع الناس؛ حيث يسعى سعيه لإرشادهم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر؛ فإذا حصلت الإجابة فبها ونعمت، وإذا كانت الأخرى لم تذهب نفسه عليهم حسرات. فهذا سر من أسرار السعادة، وهو مما يحتاج إلى صبر ومراوضة، قال الله تعالى : [وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ] (فصلت:35). وقال الرافعي: “إذا استقبلت العالم بالنفس الواسعة رأيت حقائق السرور تزيد وتتسع، وحقائق الهموم تصغر وتضيق، وأدركت أن دنياك إن ضاقت فأنت الضيق لا هي”. ومعنى ذلك أن هذا الدين ،وهذا المنهج ،ليس لشقاء الناس, ولا يسبب الحزن والبؤس والبعد عن متاع الحياة وملذاتها كما يتصور البعض, بل على العكس تماماً, فالإسلام دين السعادة الحقيقية ،فلا شقاء مع الاسلام ،رغم كل ما يواجهه المسلم في حياته، والشقاء يكون بالبعد عن شرع الله وترك طريقه ، وحقا ما قال ربنا: (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) ، وقد يخاف بعض الشباب من التدين ،لأنهم يعتقدون أنهم بتدينهم سوف يجلبون على أنفسهم الكآبة ،ويخرجون من متع الحياة ،وأسباب اللهو ،والترفيه، فتأتي هذه الآيات لتؤكد أن الإسلام هو طريق السعادة ،وأن من يحيد عنه ،فله الحزن في الدنيا و الآخرة.
الدعاء