خطبة عن (تعظيم الله) مختصرة 2
يوليو 19, 2025الخطبة الأولى ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (220) البقرة
إخوة الإسلام
رُوي في مسند الامام أحمد :(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ :(وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الانعام (152) عَزَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى حَتَّى جَعَلَ الطَّعَامُ يَفْسُدُ وَاللَّحْمُ يُنْتِنُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَنَزَلَتْ : (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) (220) البقرة ،قَالَ فَخَالَطُوهُمْ .وفي تفسير (الوسيط لطنطاوي) قال : وقوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) فيه وعد ووعيد، وترغيب في الإصلاح وترهيب من الإفساد، أي: والله يعلم المفسد لشئون هؤلاء اليتامى من المصلح لها، كما أنه- سبحانه- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وسيجازى كل إنسان على حسب عمله، فاحذروا الإفساد ولا تتحروا غير الإصلاح. والمتدبر لقوله تعالى :{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ } يتبين له أن الله تعالى يشمل علمه من قصده الإفساد والإصلاح، وتميزه لمن هو المفسد ومن هو المصلح، فيميز بين هذا وهذا؛ ويجازي كل إنسان بما يستحق؛ لأن التمييز بين هذا، وهذا يقتضي أن يميز بينهما أيضاً في الثواب والجزاء؛ ويشمل ذلك الإفساد الديني والدنيوي؛ والإصلاح الديني والدنيوي؛ ويشمل الذي وقع منه الإفساد أو الصلاح.
أيها المسلمون
إن الصلاح والفساد مصطلحان قرآنيان عُلم مفهومهما، ووضعت دلائل عليهما لمعرفتهما؛ فالفساد : هو (خروج الشيء عن الاعتدال والاستقامة) ،وَالصَّلَاحُ ضِدُّ الفساد: (وهو الحصول على حالة مستقيمة نافعة).
وللفساد مظاهر وصور متعددة : فمن مظاهر الفساد إظهار المعاصي، والاستهانة بالدين وأحكامه، والعلو في الأرض، وظلم الناس والتفرقة بينهم بالأحقاد والضغائن والشيطنة والدسيسة، والافتراء على خلق الله بغير ما اكتسبوا، والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف. ولذلك فقد نهي الله تبارك وتعالى عن الفساد ، كما في قوله تعالى : (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الاعراف (85) ؛ وذلك لِأَنَّ الْأَرْضَ خُلِقَتْ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهَا عَلَى الصَلَاحٍ، ثم وقع فيها التهارج والفساد، والأنبياء والرسل بعثوا لإصلاح ما أفسده ناس، وتقويم ما اعوج من سلوكهم ، والإنسان جعل خليفة في الأرض لإشاعة المحبة والوئام، لا أنه إذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ.، وقال الله تعالى : (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) الاعراف (142)
ومن أعاجيب هذا الزمان أنه أضحى الإصلاح إفسادا عند الكثير من الناس ، وأصبح الإفساد اصلاحا ، وقد حكى القرآن الكريم عن الملإ من قوم فرعون حين رأوا موسى عليه السلام يدعو قومه إلى الإيمان والحرية والكرامة والمساواة ،قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) الاعراف (127) ،فسموا الإصلاح فسادا، وأعلنوا الحرب على موسى وقومه بوسائلهم التي كانت متوفرة لديهم، وكذا قوم نبي الله لوط ، لما نهاهم نبيهم عن فعل الفاحشة ،واتيان الذكران من العالمين، فماذا كان رد هم ،قال الله تعالى : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (80) :(82) الاعراف ، فالغالب على أهل الفساد أنهم لا يقبلون النصح، ولا يرضون أن يقال لهم: (لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ)؛ لامتلاء قلوبهم حقدا وحنقا على دعوات الإصلاح والتغيير، ولمرض في قلوبهم حال بينهم وبين التمييْزِ بين الفساد والصلاح، ولذا فإنهم يبادرون النَّاهي بقولهم: (إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) كما قال الله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (11) :(16) البقرة ،
بل ومن العجيب إنك قد تجد من يخلط بين أعمال صالحة وأخرى فاسدة، فيأكل أموال الناس بالباطل، ويسعى بين الناس بالنميمة، ويظلم الخلق، وفي الآن ذاته تجده يحضر الجُمَع والجَماعات، وقد يصوم النافلة ويتصدق…ويغيب عنه أن الأمر بالصلاح نهي عن ضده، وأن الصلاح والفساد نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، وقد حذر القرآن الكريم منه ،ومن ذلك بقوله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص (77)، وقوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ص (28)، فهل يصح في الأذهان أن يكون المفسد ناصحا أمينا، وهل يسوغ أن يكون المصلح أفاكا أثيما؟ ، يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (8) فاطر
أيها المسلمون
إن الله تعالى خلق العباد وخلق المخلوقات ،ويعلم مستقرهم ومستودعهم ،وما تسقط من ورقه الا هو يعلمها سبحانه وتعالى ،وهو الرقيب على العباد ،فقال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء (1) ،ومن صور ومظاهر اعمال الفساد إعانة أعداء الإسلام على المسلمين، فليحذَر المسلم أن يكونَ من أهلِ الإفساد من حيث لا يشعر، وليتدبَّر أمرَه، وليتَّق الله فيما يأتي ويذر، وليفكِّر في أيِّ أمرٍ يريده، وليعرِض ذلك على الكتاب والسنة، ليعلَم الخطأ مِن الصواب، فإنّ مَن كان الهوى يقودُه أضلَّه بغير هدى. ومن صور الإفساد في الأرض السعي إلى الفرقة وتحزب الناس؛ فمن نظر إلى حال الأمة الآن يجدها فرقا وأحزابا وجماعات؛ و﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 32]؛ وكل يدعي لنفسه أنه المصلح، ولكن كما قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ ﴾ [البقرة: 220]، لذلك نهى الله عن الفرقة والتحزب، وأمر الله بالاجتماع، ونهى عن الاختلاف: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال:46] ،ويقول جل وعلا : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، فالله عز وجل أمر بالاجتماع ونهى عن الاختلاف،
ومن صور الإفساد في الأرض: الدعوة إلى إفساد المرأة؛ فهناك دعوات غربية تنادي بإفساد المرأة تحت مسمى الرقي والتحضر ومسايرة العصر؛ والهدف منها إفساد المجتمع؛ فدعوة المرأة أن تعصي ربها – عز وجل -، وأن تفعل كما فعل نساء الكفر، فهذا أيضا من الإفساد في الأرض، وليحذر الإنسان من ذلك أشد الحذر، وليسع إلى كل أمر فيه خير وصلاح.
ومن صور الإفساد في الأرض: انتشار المعاصي والفواحش فنشر الفاحشة بين الناس، وتحبيبهم لها، وتذليل الصعوبات التي تواجهها، وتعارف الناس عليها حتى أصبحت المعاصي والفواحش شيئاً مألوفاً؛ هذا بلا شك فيه فساد البلاد والعباد؛ قال ابن القيّم رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ﴾ [الأعراف/ 56]؛ قال أكثر المفسّرين:” لا تفسدوا فيها بالمعاصي، والدّعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله لها ببعث الرّسل، وبيان الشّريعة، والدّعاء إلى طاعة الله، فإنّ عبادة غير الله والدّعوة إلى غيره والشّرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنّما هو بالشّرك به ومخالفة أمره، فالشّرك والدّعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره، ومطاع متّبع غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلّا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع، والدّعوة له لا لغيره، والطّاعة والاتّباع لرسوله ليس إلّا؛ ومن تدبّر أحوال العالم وجد كلّ صلاح في الأرض سببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكلّ شرّ في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدوّ وغير ذلك سببه مخالفة رسوله، والدّعوة إلى غير الله ورسوله.” (فتح المجيد).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور الإفساد في الأرض: هو ما ابتلينا به من بعض المتفيهقين الذين يروجون لأكاذيبهم على الدين وطعنهم في ثوابته فما سلم القرآن من تطاولهم ،وما سلمت السنة من قبح كلماتهم ،فهؤلاء يظنون أنهم أهل العلم وأهل الإصلاح ،والحق أنهم ما لهم من العلم نصيب ، وما لهم من الإصلاح نصيب، فأي فساد بعد إضلالَ الناس وتشكيكَهم في دينهم وصرفَهم عن الطريق المستقيم قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ الأعراف: 33 .فتأمل كيف عميت أبصارهم وكيف صمت آذانهم و كيف قست قلوبهم فأحلو الحرام و حرموا الحلال و أنكروا ما علم من الدين بالضرورة، فكذبوا على الله و كذبوا على رسوله وقد قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل: 116 ، 117].
الدعاء