خطبة عن فتنة النساء وحديث (مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ)
أغسطس 8, 2020خطبة حول معنى قوله تعالى ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً )
أغسطس 22, 2020الخطبة الأولى ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (17) محمد
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم .
والقرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (17) محمد ، قال ابن عاشور : والمعنى : والذين شرح الله صدرهم للإيمان فاهتدوا لطَفَ الله بهم فزادهم هدى وأرسخ الإيمان في قلوبهم ووفقهم للتقوى ، فاتقوا وغالبوا أهواءهم . وفي تفسير الطبري : الذين اهتدوا أي للإيمان زادهم الله هدى . وقيل : زادهم النبي – صلى الله عليه وسلم – هدى . وقيل : ما يستمعونه من القرآن هدى ، أي : يتضاعف يقينهم ، وفي الهدى الذي زادهم أربعة أقاويل : أحدها : زادهم علما ، قاله الربيع بن أنس . والقول الثاني : أنهم علموا ما سمعوا وعملوا بما علموا ، قاله الضحاك . والقول الثالث : زادهم بصيرة في دينهم وتصديقا لنبيهم ، قاله الكلبي . والقول الرابع : شرح صدورهم بما هم عليه من الإيمان . وآتاهم تقواهم أي ألهمهم إياها ، وقال الامام الطبري : وأما الذين وفقهم الله لاتباع الحق ، وشرح صدورهم للإيمان به وبرسوله من الذين استمعوا إليك يا محمد ،فإن ما تلوته عليهم ،وسمعوه منك (زَادَهُمْ هُدًى) أي : زادهم الله بذلك إيمانا إلى إيمانهم ، وبيانا لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم .
أيها المسلمون
هكذا يبين الله تبارك وتعالى لنا في هذه الآية الكريمة ، أن كل من سلك طريقا في العلم، والإيمان ،والعمل الصالح ، زاده الله تعالى منه، وسهله عليه، ويسره له، ووهب له أمورا أخر، لا تدخل تحت كسبه، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ، ومنها : لما صدق فتية الكهف في إيمانهم، وهاجروا فرارا بدينهم؛ زادهم الله تعالى إيمانا ، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]. ولما تجمع الأحزاب من أهل الكفر على أهل الإيمان لاستئصالهم، أعلن أهل الإيمان تصديقهم بوعد الله تعالى ووعد رسوله عليه الصلاة والسلام في تلك الساعة الحرجة؛ إيمانا منهم ويقينا بالله تعالى؛ وتوكلا عليه سبحانه، فزادهم الله تعالى إيمانا ويقينا وتوكلا ، قال الله تعالى : ﴿ وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22]. وفي صلح الحديبية كره الصحابة رضي الله عنهم بنود الصلح، حتى قال عمر رضي الله عنه «فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا» ولكنهم ما لبثوا أن علموا أن ذلك حكم الله تعالى، فقهروا ما في نفوسهم من الغضب والحمية؛ طاعة لله ورسوله، فزادهم الله تعالى بهذا الانقياد والاستسلام إيمانا ويقينا ،قال الله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [الفتح: 4]. ففي كل هذه الأمثلة والنماذج الإيمانية ما جاءت الزيادة من الله تعالى إلا بعد أن أثبتت هذه الطوائف المؤمنة إيمانها، ودللت على صدقه، في ساعات حرجة يتلاشى فيها التصنع والكذب والرياء، فجزاهم ربهم سبحانه ما جزاهم من زيادة الإيمان واليقين به تعالى، وتصديق وعده سبحانه، والتسليم لأمره عز وجل.
أيها المسلمون
وحين يرى المؤمن اليوم تقهقر المسلمين، واضطراب أحوالهم، وافتراق كلمتهم، وعلو أعدائهم عليهم؛ فيجب عليه ألا يضعضع هذا الحال البائس إيمانه ويقينه، فيتخلى عن شيء من دينه، أو يستبدل به غيره، بل الواجب أن يزيده ذلك تمسكا به، وعملا له، ودعوة إليه، وتفانيا فيه، ويقينا بوعد الله تعالى للمؤمنين، كما فعل الصحابة يوم أحد والخندق والحديبية، وهي أعسر المواقف عليهم. فإنه إن ظهر ثبات المؤمنين ويقينهم، وتصديقهم بوعد الله تعالى، واستسلامهم لأمره سبحانه؛ زادهم الله تعالى إيمانا وثباتا ويقينا، وجعل عاقبة ذلك نصرا وفتحا مبينا. وتلك سنة ثابتة لا تتخلف أبدا. ومن فروع هذه السنة الربانية أن من عزم على عمل صالح، واجتهد في تحقيقه أعانه الله تعالى عليه، ويسره له؛ كما قد حج أناس ما ظنوا أنهم يحجون عامهم ذاك. وبرهان ذلك في قول الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ﴾ [الشُّورى: 20] : أَيْ: نُقَوِّيهِ وَنُعِينُهُ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ، وَنُكْثِرُ نَمَاءَهُ، وَنَجْزِيهِ بِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إِلَى مَا يَشَاءُ اللَّهُ تعالى، قال الله تعالى : ﴿ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ﴾ [الشُّورى: 23] ، وذلك بأن يشرح الله تعالى صدره، وييسر أمره، وتكون سببا للتوفيق لعمل آخر، ويزداد بها عمل المؤمن، ويرتفع عند الله تعالى وعند خلقه، ويحصل له الثواب العاجل والآجل. بيد أن هذه الزيادة لا تكون إلا بعد إثبات صدق الإيمان بالمجاهدة، قال ابن المنكدر رحمه الله تعالى: جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت، قال أحد السلف: “جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة أخرى”. وقال ابْنِ أَبِي زَكَرِيَّا: عَالَجْتُ لِسَانِي عِشْرِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِيمَ لِي. فالقوم عالجوا أنفسهم على الطاعات، وجاهدوها في مرضاة الله تعالى، ثم حصلوا جزاء ذلك أنسا بالله تعالى، وفرحا بطاعته، واستغناء به عن غيره. وفي المقابل فإن من سنة الله تعالى أنه يملي للكفار والمنافقين، ويمدهم في طغيانهم، ويزيدهم شرا إلى شرهم، وظلما إلى ظلمهم؛ عقوبة منه سبحانه على ما اقترفوا من الكفر والنفاق والظلم والطغيان، فيزيدوا أسباب العذاب عليهم في الدنيا والآخرة؛ لتكون نهايتهم أليمة، وعاقبتهم وخيمة ، قال الله تعالى : ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178] ، فهم يظنون أن الله تعالى ما مكّن لهم، ولا أعطاهم ما أعطاهم إلا وهو راض عنهم وعن أفعالهم، حتى يصلوا إلى درك العمه، وهو حالة من الضياع والتردد والتحير، تذهب فيها البصيرة حتى كأنما يعمى البصر، فلا يبصر صاحبها الواضحات، ولا يتبين البينات، وعمى البصيرة أشد وأنكى من عمى البصر ، قال الله تعالى : ﴿ مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الأعراف: 186] ، ويُزين للمصاب بالعمه سوء عمله فيظنه حسنا ، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [النمل: 4]، فيا لها من حالة ضياع وتحير وتردد توبق صاحبها ولو كان يملك ذكاء حادا، ويحمل مؤهلا عاليا، ويتسنم منصبا كبيرا. والمنافقون مرضت قلوبهم بالنفاق، فعوقبوا بزيادته فيها، وتمكنه منها، حتى فتك بها، وأورثها ذلا في الدنيا بالتخفي والاستتار، ومن أشد الناس بؤسا وانحطاطا من يسير بوجهين، ويعيش بشخصيتين. وأما عذاب الآخرة على المنافق فأشد وأنكى ، قال الله تعالى : ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10]، فعوقبوا على ما في قلوبهم من النفاق بزيادته وتمكنه، وتلك سنة الله تعالى فيهم؛ حتى إن ما يتلونه أو يسمعونه من القرآن لا ينفعهم، بل يزيدهم كفرا ونفاقا وشكا وارتيابا وإعراضا، بينما يزيد المؤمنين إيمانا وإقبالا واستبشارا ، قال الله تعالى : ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 124-125].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
القرآن هو القرآن، والآيات هي الآيات، ولكن تتسع بها قلوب وتضيق بها قلوب أخرى، تتسع بها قلوب المؤمنين، وتطرب لها، وتنتفع بها؛ ثوابا من الله تعالى على تصديقهم وإذعانهم، وتضيق بها قلوب المنافقين؛ عقوبة من الله تعالى على تكذيبهم واستكبارهم. والشريعة هي الشريعة، فيفرح بها أهل الإيمان فيُعانون على أوامرها ونواهيها، ويستثقلها مرضى القلوب فيُعاقبون بتركها، وربما عوقبوا بالصد عنها؛ ليضعَّف لهم العذاب ، قال الله تعالى : ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ ﴾ [النحل: 88]. ويُزاد الجزاء لأهل الطاعات في الدنيا غير جزاء الآخرة؛ فجزاء معنوي: من سعادة القلب، وراحة النفس، والتوفيق لطاعات أخرى، وجزاء حسي بسعة الرزق، وطول العمر، واستقامة الزوجة والولد، وغير ذلك. ويزاد العقاب لأهل العصيان في الدنيا غير عقاب الآخرة، فعقوبات معنوية من شقاء القلب، وضيق الصدر، والاستهانة بفعل المعاصي، وترك الطاعات، والمجاهرة بذلك. وعقوبات حسية من شقاء الجسد باللهاث وراء متع الدنيا ليجد السعادة فيها فلا يجدها، ولا يرتوي منها، وتنزع بركة وقته وماله، إلى غير ذلك من أنواع الشؤم الذي يحيط به. إنها زيادة نعيم المؤمن بالطاعات، وزيادة شقاء الفاجر بالمحرمات ، فقال الله تعالى : ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
الدعاء