خطبة عن حديث (لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ)
سبتمبر 7, 2019خطبة عن حديث (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)
سبتمبر 7, 2019الخطبة الأولى ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) (12) الاسراء
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]،وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) (12) الاسراء ، فمن آيات الله ، ودلائل قدرته : تعاقب الليل والنهار ، فبه يكفل للعباد معايشهم ،وراحتهم ، ويسمح لهم بالكد والتعب ،طلباً للرزق ،كما يسمح لهم بالسكون والدعة، طلباً لراحة البدن . وقد جعل الله سبحانه وتعالى من صفحة السماء الواسعة وسيلة لحساب الزمن والوقت بالساعات والدقائق ،والفلك والمواسم والسنوات ودخول الشهور وخروجها ،وغير ذلك من طرق الحساب المختلفة ، فهو وحده سبحانه من يحرك تلك الأجرام السماوية البعيدة ، لتضيء هنا ، أو تظلم هناك ،ولتدور ،فتحدث تعاقباً عجيباً يدور معه الوقت والزمان في نظام ثابت منتظم بكل دقة . والآية التي نحن بصددها اليوم وهي قوله تعالى 🙁 وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) (12) الاسراء ، قد جاء في تفسيرها أقوال متعددة ، ومنها : ففي تفسير الوسيط لطنطاوي ، يقول : للعلماء في تفسير هذه الآية اتجاهان : أما الاتجاه الأول :فيرى أصحابه ، أن المراد بالآيتين : نفس الليل والنهار ، وأن الكلام ليس فيه حذف .فيكون المعنى : وجعلنا الليل والنهار – بهيئاتهما الثابتة ، وتعاقبهما الدائم ، واختلافهما طولا وقصرا – آيتين كونيتين كبيرتين ، دالتين على أن لهما صانعا قادرا ، حكيما ، هو الله رب العالمين . وأما الاتجاه الثاني : فيرى أصحابه أن الكلام على حذف مضاف ، وأن المراد بالآيتين : الشمس والقمر ، فيكون المعنى : وجعلنا نيري الليل والنهار – وهما الشمس والقمر – آيتين دالتين على قدرة الله – تعالى – ووحدانيته ، فمحونا آية الليل – وهى القمر – ، بأن أزلنا عنه شعاعه وضياءه ، ولم نجعله كالشمس في ذلك ، وجعلنا آية النهار – وهى الشمس – مبصرة ، أي : ذات شعاع وضياء يبصر في ضوئها الشيء على حقيقته . وفي تفسير الطبري : يقول تعالى ذكره: ومن نعمته عليكم أيها الناس، مخالفته بين علامة الليل وعلامة النهار، بإظلامه علامة الليل، وإضاءته علامة النهار، لتسكنوا في هذا، وتتصرّفوا في ابتغاء رزق الله الذي قدره لكم بفضله في هذا، ولتعلموا باختلافهما عدد السنين وانقضاءها، وابتداء دخولها، وحساب ساعات النهار والليل وأوقاتها ( وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا ) يقول: وكلّ شيء بيناه بيانا شافيا لكم أيها الناس لتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من نعمه، وتخلصوا له العبادة، دون الآلهة والأوثان. وفي تفسير ابن كثير يقول : يمتن تعالى على خلقه بآياته العظام ، فمنها مخالفته بين الليل والنهار ، ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهار للمعايش والصناعات والأعمال والأسفار ، وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام ، ويعرفوا مضي الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات وغير ذلك ؛ ولهذا قال : ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) أي : في معايشكم وأسفاركم ونحو ذلك ( ولتعلموا عدد السنين والحساب ) فإنه لو كان الزمان كله نسقا واحدا وأسلوبا متساويا ؛ لما عرف شيء من ذلك ،وفي تفسير البغوي “معالم التنزيل”: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ نُورَ الشَّمْسِ سَبْعِينَ جُزْءًا وَنُورَ الْقَمَرِ كَذَلِكَ فَمَحَا مِنْ نُورِ الْقَمَرِ تِسْعَةً وَسِتِّينَ جُزْءًا فَجَعَلَهَا مَعَ نور الشمس، حكي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ جِبْرِيلَ فَأَمَرَّ جَنَاحَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَطُمِسَ عَنْهُ الضَّوْءُ وَبَقِيَ فِيهِ النُّورُ. وَسَأَلَ ابْنُ الكواء عليا رضي الله عنه عَنِ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ قَالَ: هُوَ أَثَرُ الْمَحْوِ.
أيها المسلمون
فالليل والنهار آيتان كونيتان عظيمتان من آيات الله في الخلق, تشهدان بدقة بناء الكون, وانتظام حركة كل جرم فيه, وإحكام السنن الضابطة له, ومنها تلك السنن الحاكمة لحركات كل من الأرض والشمس, والتي تتضح بجلاء في التبادل المنتظم للفصول المناخية, والتعاقب الرتيب لليل والنهار, وما يصاحب ذلك كله من دقة وإحكام بالغين.. قال الله تعالى 🙁وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (33) الأنبياء ،فنحن نعلم اليوم أن التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير هو من الضرورات اللازمة للحياة علي الأرض, ولاستمرارية وجود تلك الحياة بصورها المختلفة ،حتي يرث الله تعالي الأرض ومن عليها. فبهذا التبادل بين الظلام والنور ،يتم التحكم في درجات الحرارة والرطوبة, وكميات الضوء اللازمة للحياة في مختلف بيئاتها الأرضية, كما يتم التحكم في العديد من الأنشطة والعمليات الحياتية من مثل التنفس, والنتح, والتمثيل الضوئي, وغيرها ،وتعاقب الليل والنهار علي نصفي الأرض هو كذلك ضروري, لأن جميع صور الحياة الأرضية لا تتحمل مواصلة العمل دون راحة وإلا هلكت, فالإنسان والحيوان والنبات, وغير ذلك من أنماط الحياة البسيطة يحتاج إلي الراحة بالليل لاستعادة النشاط بالنهار ،أو عكس ذلك بالنسبة لأنماط الحياة الليلية ،فالإنسان ـ علي سبيل المثال ـ يحتاج إلي أن يسكن بالليل فيخلد إلي شيء من الراحة والعبادة والنوم مما يعينه علي استعادة نشاطه البدني والذهني والروحي, وعلي استرجاع راحته النفسية, واستجماع قواه البدنية حتي يتهيأ للعمل في النهار التالي وما يتطلبه ذلك من قيام بواجبات الاستخلاف في الأرض,
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) (12) الاسراء ، فهذه الآية هي من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، والتي يستشهد بها العلماء على صدق نبوة ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ،ومعجزة القرآن الكريم ،وأنه كتاب منزل من رب العالمين ، فهذه الآية القرآنية الكريمة تشير إلى حقيقة علمية ، وهي أن القمر كان في القديم كوكباً مشتعلاً ثم أطفأ الله تعالى نوره، ودلالة القرآن على هذا واضحة كما قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، وهو آية الليل، فمحي، فالسواد الذي في القمر أثر ذلك المحو”. فعلي الرغم من الظلام الشامل للكون, والذي لم يدركه الإنسان إلا بعد ريادة الفضاء منذ مطلع الستينات من القرن العشرين, وعلي الرغم من محدودية الحزام الرقيق الذي يري فيه نور النهار بسمك; لا يتعدى المائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجهة للشمس ،حتي أن الانسان في انطلاقه من الأرض إلي فسحة الكون في أثناء النهار ،فإنه يفاجأ بتلك الظلمة الكونية الشاملة التي يرى فيها الشمس قرصا أزرق في صفحة حالكة السواد, لا يقطع من شدة سوادها إلا أعداد من النقاط المتناثرة, الباهتة الضوء التي تحدد مواقع النجوم. وإن دل ذلك علي شيء ،فإنما يدل علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق ،الذي أبدع هذا الكون ،بعلمه وحكمته وقدرته, وعلي أن هذا النبي الخاتم( صلى الله عليه وسلم ) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض, وأنه( صلى الله عليه وسلم ) ما كان ينطق عن الهوي ،إن هو إلا وحي يوحي ، كما وصفه ربنا ( تبارك وتعالي).
أيها المسلمون
يقول العالم عبد الدائم الكحيل: لنذهب في رحلة خيالية إلى ذلك الكوكب الصغير الذي يسميه العلماء بتوأم الأرض ـ القمر ـ في هذه الرحلة نخترق حاجز الزمن الماضي لنرى شكل القمر منذ أربعة آلاف مليون سنة. لقد كان القمر جرماً مشتعلاً تتدفق منه البراكين والحمم بل تغلفه تغليفاً ، ولو بقي القمر مشتعلاً حتى الآن ،لم يكن للحياة وجود على الأرض، ولكن بنتيجة بُعد الأرض عن الشمس باستمرار ،وبُعد القمر معها ،تبردت قشرة القمر ،ومُحيَ ضوؤُه ،وأصبح يستمد نوره من الشمس ليعكسه إلى الأرض. إن هذه الحقيقة استغرقت عشرات السنوات لكشفها، فالقمر كان يوماً ما ملتهباً وشديد الحرارة والضياء ثم انطفأ ضوؤه ومُحي تماماً ، وكدليل علمي على صدق هذا الكلام هو أن سطح القمر مليء بفوهات البراكين التي أثبتت التحاليل أنها كانت تقذف ملايين الأطنان من المواد المنصهرة ذات يوم. ودليل آخر وهو أن باطن القمر لا يزال ملتهباً، وهنالك دلائل علمية كثيرة على هذه الحقيقة. فالقمر كان كوكباً مشتعلاً ومضيئاً ثم محى الله ضوءه وجعله جسماً بارداً على مر ملايين السنين، ولذلك وصف الله القمر بأنه منير، بينما نجد وصف الشمس في القرآن بأنها سراج، يقول تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) [الفرقان: 61]. ومن لطائف القرآن حديث دقيق وجميل عن آيتين من آيات الله تعالى: الشمس والقمر، فالقمر هو آية الليل والشمس هي آية النهار، يقول عز وجل: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) [الإسراء: 12]. ففي هذه الآية تصريح من رب العزة تعالى ،أن القمر كان مضيئاً ،ثم مَحَا الله هذا الضوء، وهذه الحقيقة الكونية لم تُعرف إلا منذ عهد قريب فقط، أليس هذا إعجازاً علميّاً عجيباً؟
الدعاء