خطبة حول حديث ( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ)
نوفمبر 14, 2023خطبة عن (الأرض المباركة)
نوفمبر 18, 2023الخطبة الأولى ( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (3) التغابن ، وقال الله تعالى : (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (64) غافر
إخوة الإسلام
من أعظم وأجل نعم الله عز وجل على الإنسان ،أنه سبحانه وتعالى اختصه بحسن الصورة ، فجعله أجمل المخلوقات شكلا ،فهو منتصب القامة ،سوى الأعضاء ،فقال الله تعالى 🙁وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ،قال السعدى : (فليس في جنس الحيوانات، أحسن صورة من بني آدم، كما قال تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } التين 4، وإذا أردت أن تعرف حسن الآدمي، وكمال حكمة الله تعالى فيه، فانظر إليه، عضوًا عضوًا، هل تجد عضوًا من أعضائه، لا يليق به، أو يصلح أن يكون في غير محله؟ وانظر أيضًا، إلى الميل الذي في القلوب، بعضهم لبعض ،فهل تجد ذلك في غير الآدميين؟ وانظر إلى ما خصه الله به من العقل والإيمان، والمحبة والمعرفة، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور) ، وقال النسفي في تفسيره :” (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) أي: (جعلكم أحسن الحيوان كله وأبهاه ،بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور ،ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب ، ومن كان دميماً مشوه الصورة سمج الخلقة فلا سماجة ثمّ ، ولكن الحسن على طبقات فلانحطاطها عما فوقها لا تستملح ولكنها غير خارجة عن حد الحسن) ، وقالت الحكماء : (شيئان لا غاية لهما :الجمال والبيان) ،وروى الامام مسلم في صحيحه : (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ » ،وفي رواية أحمد :« إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ » ،وفي الصحيحين : « خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا،.. )، وقوله صلى الله عليه وسلم : (فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ) ، فالضمير الوارد في كلمة (صُورَتِهِ) عائد على آدم، وعبارة (طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ) جاءت توضيحا لهذه الصورة .. أي صورة آدم ، فآدم لم يمر بمراحل النمو المختلفة ،من كونه جنين فرضيع فطفل يحبو….الخ ،وإنما خلق هكذا رجلا كامل النمو والخلقة ،
وإذا تأملنا الكون المحيط بنا نجد أن المولى عز وجل قد جعل لكل نوع من المخلوقات شكلا يميزه عن غيره من الأنواع، فالإنسان يختلف عن الجمل ويختلف عن الأسد … وهكذا ،فكانت صورة الإنسان هي أحسن صورة ( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) ،وهذا التصوير يكون في ظلمات الرحم كما قال المولى عز وجل: { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } آل عمران6 ، وفي صحيح مسلم : (قال حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ الْغِفَارِيُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ثُمَّ. قَالَ يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِى رَبُّكَ مَا شَاءَ ، ..) ،
كما أنه جل وعلا قد جعل لكل فرد داخل النوع الواحد صورة تميزه عن غيره من أفراد نوعه، فإذا نظرت إلي زيد من الناس فإنك تعرفه بمجرد النظر إلي وجهه، وهذه من معجزات التصوير الإلهي، فرغم أن تركيب الوجه لا يختلف من إنسان إلي آخر .. إذ يتكون من العينين والأنف والأذنين والفم، إلا أنه تبارك وتعالى يصور من هذه التركيبة عددا لا نهاية له من الوجوه ، ورغم أن يد الإنسان تتكون من خمسة أصابع لها نفس التركيب إلا أن كل إنسان له يد تختلف في الشكل عن أيدي غيره من البشر، فالحق سبحانه وتعالى يصور من التركيبة الواحدة عددا لا نهائيا من الأشكال ، ومن المعلوم أن الصورة الحسنة ليس المقصود بها صباحة المنظر وملاحته ، إذ ليس جميع البشر كذلك ،بل المقصود تناسب أجزاء الإنسان بعضها مع بعض ، وتناسب مجموعها مع الغاية التي خُلق من أجلها ،فالأجهزة الفعّالة في جسم الإنسان فيها غاية التناسب والإنسجام ،ويتفاعل بعضها مع البعض الآخر ،فجسم كلّ إنسانٍ ـ حتّى الإنسان ناقص الخلقة ـ نراه متناسب الأجزاء والأجهزة بمعنى إنسجام بعضها مع البعض الآخر ،
ونرى الانسان أيضاً متناسب الأجزاء ،بمعنى: انسجامها مع الغاية والهدف من خلقة ،حيث أنّ مجموع هذا التركيب الخاصّ من الجسم والروح يعتبر منسجماً مع درجة الكمال التي ينبغي للإنسان الوصول إليها من خلال هذه التركيبة الخاصّة المكوّنة من الجسم والروح ، فهو صالح بحسب الخلقة للعروج إلى الرفيع الأعلى والفوز بحياة خالدة عند ربّه ، سعيدة لا شقاء فيها ، وذلك بما جهّزه اللّه به من العقل والعلم النافع ،ومكّنه منه من العمل الصالح ، فكلّ إنسان ـ حتّى الناقص الخلقة ـ يستطيع من خلال هذه التركيبة الخاصّة التي خلق عليها أن يرتقي ويرتفع إلى الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح ،
وما نجده في بعض الأفراد من زيادةً في خلقة بعض الأعضاء أو نقصانٍ فيها لا يتنافى أبداً مع كون صورة الإنسان بحسب النوع صورة حسنة بالمعنى الذي ذكرناه ، ولا يتنافى أيضاً مع كون الإنسان بحسب النوع يمتلك أحسن قوام بالمعنى الذي ذكرناه ،
أيها المسلمون
فهذا الإنسان، ذلك المخلوق الذي سواه الله تعالى بيده، ونفخ فيه من روحه ،وأسجد له ملائكته ،فبالنظرة السريعة في هذا المخلوق – فضلاً عن النظرة الفاحصة – لتقرر جمال هذا المخلوق دون تحفظ ، فهذا القوام الفريد، وهذا التناسق بين الأعضاء، وهذه المرونة في حركة كل عضو، وهذا التكيّف في حركة الأعضاء بعضها مع بعض، هذا التناسق في العمل بين العقل والجسد والروح.. إنها مؤكدات لا تنتهي ،لتبين لنا قوله تعالى : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ،
والقرآن الكريم يتناول الحديث بشأن جمال الإنسان من أكثر من جانب، وما ذاك إلا للدلالة على أهمية هذا المخلوق وللتنويه بتكريمه ، والمرحلة الأولى التي ينطلق منها الجمال هي التسوية التامة للشيء، فعدم الخلل وعدم النقص هو الحد الأدنى في الجمال. ويلفت القرآن النظر إلى هذا بلغة هادئة توقظ الحس وتحفز المشاعر ﴿ يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ الانفطار (6) :(8) ،قال ابن كثير – رحمه الله -: “أي جعلك سويًا مستقيمًا معتدل القامة منتصبًا على أحسن الهيئات والأشكال” ، وإذا كانت هذه التسوية من قِبَل الله فلا بد أن تصل إلى الجمال ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ” لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ” (التين:4) ، فالله تعالى: قد كرم الإنسان بخلقه في أجمل تركيب , وأعدل هيئة: في تفاصيل جسده , واستقامة عوده , وارتفاع هامته , وتناسق أبعاده ورجاحة عقله , وحرية إرادته , وطلاقة لسانه , وقوة بيانه , وقدراته النفسية والروحية الهائلة , وملكاته العديدة وفطرته السليمة , وغير ذلك من الصفات التي خصه الخالق العظيم بها , وفضله بذلك على كثير ممن خلق تفضيلا ، فهذا التكريم الإلهي للإنسان يقتضي ترفعه عن الدنايا , والتزامه بالمحافظة على سلامة الفطرة التي فطره الله تعالى عليها , والارتقاء بنفسه إلى مناطات التكريم التي كرمه الله (سبحانه وتعالى) بها , وأولها : فهم رسالته في هذه الحياة ,وحقيقة عبوديته لله .فيعبده (تعالى) بما أمر ,وبحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة عدل الله فيها ،
فإذا انحرف الانسان عن هذه الرسالة ,أو تمرد عليها رده الله (تعالى) إلى أسفل سافلين , وعاقبه في الآخرة بنار الجحيم وبالذل المهين ,وتصبح المخلوقات غير المكلفة من دونه أرفع منه قدرا عند الله (سبحانه وتعالى) ,لاستقامتها على الفطرة ,وقيامها بالسجود والتسبيح وبغير ذلك من أوجه العبادة التسخيرية لله (تعالى) ,وأداء وظيفتها في هذه الحياة على الوجه الذي سخرها له الله بعلمه وحكمته وقدرته ،
وإذا كان القرآن قد نص على جمال التصوير ،وجمال الخلق ،وجمال التقويم فيه ،فقد كانت التعاليم الواردة في هذا القرآن هي الوسيلة لإنجاز جمال السلوك فيه، وبهذا يصل الإنسان إلى المستوى الكريم المقصود من وجوده ،حيث يتناسق الجمال فيه بكل معانيه ،في جانبه الخلقي وجانبه الإرادي .
الدعاء