خطبة عن العلم، وحديث( سَلُوا اللَّهَ عِلْمًا نَافِعًا، وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ)
يناير 21, 2023خطبة حول دعاء الرسول ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ)
يناير 28, 2023الخطبة الأولى ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (47) يونس
إخوة الإسلام
مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله ، نعيش اليوم – إن شاء الله – لحظات طيبة ، فقد جاء في تفسيرها في التفسير الميسر : ولكل أمة خَلَتْ قبلكم -أيها الناس- رسول أرسلتُه إليهم، كما أرسلت محمدًا إليكم يدعو إلى دين الله وطاعته، فإذا جاء رسولهم في الآخرة ،قُضِيَ حينئذ بينهم بالعدل، وهم لا يُظلمون مِن جزاء أعمالهم شيئًا، .. وفي التفسير الوسيط لطنطاوي قال: المعنى : أن الله سبحانه وتعالى اقتضت حكمته ورحمته أن يجعل لكل جماعة من الناس رسولا ،يبلغهم ما أمره الله بتبليغه ، ويشهد عليهم بذلك يوم القيامة ، فإذا جاء رسولهم ،وشهد بأنه قد بلغهم ما أمره الله به ، قضى – سبحانه – بينه وبينهم بالعدل ، فحكم بنجاة المؤمن ،وبعقوبة الكافر ، ولا يظلم ربك أحدا ، ثم قال : ( قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : ” فكل أمة تعرض على الله – تعالى – بحضرة رسولها ، وكتاب أعمالها من خير أو شر شاهد عليهم ، وحفظتهم من الملائكة شهود أيضا ،أمة بعد أمة ، وهذه الأمة الشريفة وإن كانت آخر الأمم في الخلق ،إلا أنها أول الأمم يوم القيامة ،يفصل بينهم ، ويقضى لهم ، جاء في الصحيحين 🙁أن أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »، فأمته إنما حازت قصب السبق بشرف رسولها – صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين .
أيها المسلمون
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (47) يونس ، ومن خلال التأمل والتدبر لهذه الآية الكريمة يتبين لنا ،أنه لابد لكل أمة من رسول ،ولكل أمة من نذير ينذرها عذاب الله عز وجل ،ويبشرها برحمته لمن أطاع ،وأما قوله تعالى :(وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) ، فالمراد هنا أن الله تعالى لم يرسل إلى العرب نذيراً قبل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ،ولهذا ليس من العرب رسول إلا محمد صلى الله عليه وسلم ،وهو دعوة إبراهيم وإسماعيل ،حيث قال الله تعالى على لسانهما ( عليهما السلام) :(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) البقرة 129، فلم يبعث الله عز وجل نذيراً إلى العرب إلا محمداً صلى الله عليه وسلم ، بعثه الله تعالى نذيراً لكافة الناس ،كما قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْييِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الاعراف 158،
أيها المسلمون
والسؤال : لماذا أرسل الله تعالى الرسل (عليهم السلام)؟ ، والجواب : أنه لما كان العقل البشري لا يتمكن من عبادة الله تعالى على الوجه الذي يرضاه ويحبه، وكذلك لا يستطيع التنظيم والتشريع المناسب للأمة على اختلاف طبقاتها؛ إذ لا يحيط بذلك إلا الله وحده؛ كان من حكمة الله ورحمته أن أرسل الرسل ،وأنزل الكتب ،لإصلاح الخلق ،وإقامة الحجة عليهم، قال الله تعالى: {رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ ومُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء:165] ، فحكمة إرسال الرسل تتلخص في الآتي : الأول : إقامة الحجة على الخلق، حتى لا يحتج أحد على الله فيقول: {لَوْلا أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونَخْزَى} [طه:134]، لقد قطع الله هذه الحجة من أساسها بإرسال الرسل ،وتأييدهم بالآيات البينات الدالة على صدقهم، وصحة نبوتهم وسلامة طريقتهم. الثاني :أرسل الله تعالى الرسل: لتوجيه الناس وإرشادهم لما فيه الخير والصلاح لهم في دينهم ودنياهم؛ فإن الناس مهما أوتوا من الفهم والعقل والذكاء ،لا يمكنهم أن تستقل عقولهم بالتنظيم العام المصلح للأمة بأكملها، كأمة متماسكة متكافئة متساوية في إعطاء كل ذي حق حقه، ففي صحيح البخاري: أن (أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا ، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا ، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا ، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ ، وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا »،فالرسل يذودون الناس عما يضرهم ويدعونهم إلى ما ينفعهم. الثالث : أرسل الله تعالى الرسل: لجمع الأمة على دين واحد ورجل واحد، فإن انقياد الناس لما يشاهدونه من الآيات المؤيدة للأنبياء أسرع وأقوى وأشد تماسكاً؛ فإنهم يجتمعون عليه عن عقيدة راسخة ،وإيمان ثابت ،فيحصل الصلاح والإصلاح، لتأييد الرسل بالآيات
أيها المسلمون
وإتماماً لإقامة الحجة بالرسل على الخلق: فقد أيد الله رسله بالآيات المبينات الدالة على صدقهم، وأنهم رسل الله حقاً، فاصطفى الله للرسالة من الناس من يعلم أنه أهل للرسالة وكفؤ لها، ومستطيع للقيام بأعبائها، والصبر على مكائد أعدائها، قال الله تعالى : {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج:75]، وقال الله تعالى : {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]، فاصطفى الرجال الكُمَّل الأقوياء أهل الحضارة واللين والفهم ، قال الله تعالى :{ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ القُرَى} [يوسف:109]، أي: أهل المدن، فإن القرية هي المدينة ، وما بعث الله رسولاً إلا أيده بالآيات على صدق رسالته وصحة دعواه: قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:25]، أي بالآيات البينات الواضحات التي لا تدع مجالاً للشك في صدق ما جاء به الرسول المرسل؛ وهذا من حكمة الله العليا ورحمته بعباده ،أن أيد الرسل بالآيات؛ لئلا يبقى أمرهم مشكلاً؛ فيقع الناس في الحيرة والشك ،ولا يطمئنون إلى ما جاءوا به، وهذه الآيات التي جاء بها الرسل لا بد أن تكون خارجة عن طوق البشر؛ إذ لو كانت في استطاعتهم ما صح أن تكون آية ،لإمكان البشر أن يدَّعي الرسالة، ويأتي بها إذا كانت تحت قدرته، ولكن آيات الرسل لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثلها ،وقد جاءت كبريات الآيات من جنس ما برز به أهل العصر الذي بعث فيه ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قرر ذلك أهل العلم ،فمعجزات الأنبياء هي الآيات التي أعجزوا بها البشر أن يأتوا بمثلها، والله تعالى يسميها آيات، أي علامات دالة على صدق الرسل صلوات الله وسلامه عليهم فيما جاءوا به من الرسالة،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وماذا عن فوائد آيات الأنبياء ومعجزاتهم؟ ، فنقول : إن الآيات التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ذات فوائد كثيرة، ومنها : بيان قدرة الله تعالى: فإن هذه الآيات لا بد أن تكون أمورًا خارقة للعادة، كشاهد دليل على صحة ما جاء به الرسل، وإذا كانت خارقة للعادة كانت دليلاً على قدرة الخالق، وأنه قادر على تغيير مجرى العادة التي كان الناس يألفونها، – ومن فوائد آيات الأنبياء ومعجزاتهم : بيان رحمة الله بعباده: فإن هذه الآيات التي يرونها مؤيدة للرسل تزيد إيمانهم وطُمأنينتهم لصحة الرسالة، ومن ثم يزداد يقينهم وثوابهم ولا يحصل لهم حيرة ولا شك ولا ارتباك. – ومن فوائد آيات الأنبياء ومعجزاتهم : بيان حكمة الله البالغة: حيث لم يرسل رسولاً فيدعه هملاً من غير أن يؤيده بما يدل على صدقه، وإن المرء لو أرسل شخصاً بأمر مهم من غير أن يصحبه بدليل أو أَمارة على صحة إرساله إياه لعُدّ ذلك سفهاً وموقفاً سلبياً من هذا الرسول، فكيف برسالة عظيمة من أحكم الحاكمين؟! إنها لا بد أن تكون مؤيدة بالبراهين والآيات البينات. – ومن فوائد آيات الأنبياء ومعجزاتهم : فيها رحمة الله بالرسول الذي أرسله الخالق: حيث ييسر قبول رسالته بما يجريه على يديه من الآيات؛ ليتسنى إقناع الخلق بطريقة لا يستطيعون معارضتها ولا يمكنهم ردها إلا جحوداً وعناداً؛ قال الله تعالى {..فَإنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ..}، أي لما يرون من الآيات الدالة على صدقك: {ولَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33]. – ومن فوائد آيات الأنبياء ومعجزاتهم : إقامة الحجة على الخلق: فإن الرسول لو أتى بدون آية دالة على صدقه لكان للناس حجة في رد قوله وعدم الإيمان به، فإذا جاء بالآيات المقنعة الدالة على رسالته لم يكن للناس أي حجة في رد قوله، بيان أن هذا الكون خاضع لقدرة الله وتدبيره، ولو كان مدبراً لنفسه، أو طبيعة تتفاعل مقوماتها وتظهر من ذلك نتائجها وآثارها لما تغيرت فجأة، واختلفت عادة بمجرد دعوى شخص لتؤيده بما ادعاه، فانظرْ إلى الأكوان الفلكية التي لا تتغير بعوامل الزمن إلا بإرادة الله، ولقد أجراها الله تعالى كما قدر لها أن تجري منذ خلقها الله حتى يأذن بانتهائها.
الدعاء