خطبة عن قذائف الحق ،وقوله تعالى ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ )
مارس 17, 2021خطبة عن ( الحالف بالله كاذبا : حكمه ، وكفارته ،وعقوبته)
مارس 21, 2021الخطبة الأولى ( موقف الاسلام من: بدعة الدين الإبراهيمي ،ووحدة الأديان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (19) :(20) آل عمران، وقال الله تعالى 🙁وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (85) آل عمران ،وقال الله تعالى 🙁وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (120) البقرة، وقال الله تعالى 🙁وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (217) ،(218) البقرة ،وفي صحيح مسلم 🙁عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ».
إخوة الإسلام
إن المتدبر لآيات الله البينات في كتابه العزيز ،يعلم يقينا أن الدين الإسلامي هو الدين الصحيح وهو الين الحق ،وهو المطلوب من أهل الأرض أن يتخذوه دينا ،وأن يرفضوا ما عداه من الأديان ،لأن ما عداه من الأديان فهو باطل، وقد وصف الله سبحانه وتعالى اليهود والنصارى بالكفر لما قالوه عن الله، وبما حرفوا وغيروا في كتبهم، وبما تجاوزا الحد في القول والعمل ، تبعا لما تصف ألسنتهم، وتستهوي نفوسهم، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [المائدة:17] ،وقال الله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [المائدة:72-74] ،وقال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [المائدة:30، 31]،
والآيات الكريمات في هذا المعنى كثيرة، مما يعلم معه بأن الديانة اليهودية والديانة النصرانية قد نسختا بشريعة نبي الله محمد ﷺ، وأن ما فيهما من حق أثبته الإسلام، وما فيهما من باطل هو مما حرفه القوم، وبدلوه حسب أهوائهم. ليشتروا به ثمنا قليلا ،فبئس ما يشترون، فالدين الإسلامي هو الدين الصحيح ، وهو الدين الذي بشر به جميع الأنبياء والمرسلين، وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَغَضِبَ وَقَالَ « أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لاَ تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى -صلى الله عليه وسلم- كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي » ، ومما سبق يتضح أن الطريق إلى الله واحد ،وهو دين الإسلام، وهو الذي بعث الله به نبيه محمدا ﷺ ، وإن جميع ما خالفه من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو وثنية أو غير ذلك من نحل الكفر فكله باطل، وليس طريقا إلى الله ،ولا يوصل إلى جنته ،وإنما يوصل إلى غضبه وعذابه، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85]
أيها المسلمون
وقد كثر في هذا الزمان في وسائل الاعلام وغيرها ذكر عبارة “الدين الإبراهيمي ” و (وحدة الأديان)، ويقصدون بها الخلط بين الإسلام -دين الله الحق- وبين اليهودية والنصرانية ،بزعم أنَّها كلها تنتسب إلى أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام ،ومن الواضح أن المقصود من ترويج هذه البدعة المنكرة: هو إيجاد أرضية لتطبيع ديني ،تدعم التطبيع السياسي، وأن تكون مرتكزاً فكرياً سياسياً؛ يساند القبول بوجود دولة للكيان الصهيوني في فلسطين؛ وإقرارهم على ما في أيديهم من المقدسات المغتصبة ،حتى أطلقوا على اتفاقيات التطبيع التي وقعتها بعض الحكومات مع الكيان الصهيوني اسم “اتفاق إبراهام” ،ولذلك أصبح هذا المصطلح مُفردةً مشتركة في خطاب رؤساء الغرب عند حديثهم عما يُسمَّى بـ (صفقة القرن).
وهكذا يجلُّ الخطب، ويفدح الأمر، وتنتقل الفتنة إلى أصل الدين، ويُرَاود أهل الإسلام على ترك دينهم الحق ،إلى الباطل المحض ،وإزاء ما يُروَّج له مما يسمى (الدين الإبراهيمي)، و (وحدة الأديان) ،ويُخادع بذلك المسلمون، فقد حذر علماء المسلمين من الانجراف وراء هذه الدعاوى الباطلة ،وبينوا أن المسلمين في كل عصرٍ وجيلٍ، مَشرقًا ومَغربًا- قد أجمعوا على: أنه بعد بعثة نبينا محمد ﷺ لا يقبل الله دينًا سوى الإسلام، الذي أنزله الله تعالى على خير الأنام، فقال الله تعالى 🙁وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (85) آل عمران، وفي صحيح مسلم 🙁عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ».
فهذا المحكم الثابت من دين الله تعالى يتعرض اليوم – مع جملة أخرى من الثوابت المعلومة من الدين بالضرورة – لعاصفة شديدة؛ تَشُنُّها قوى الشر والعدوان من صهاينة اليهود والأمريكان وحلفاؤهم، وذلك عبر ابتداع هذا الدين الجديد الذي يريدون فرضه، وأن طاعة اليهود وأوليائهم في أمر (الدين الإبراهيمي) هو خروجٌ من ملة الإسلام الخاتم، الناسخ لكلِّ شريعةٍ سبقته، وهو أعظم فتنة في الدين،
ومن المعلوم أن الخليل إبراهيم عليه السلام له مكانةً خاصة بالنسبة لهذه الأمة الاسلامية ، فهو القدوة والأسوة التي أُمِرت باتباعها، وأن الانتساب لنبي الله إبراهيم عليه السلام ليس بالادِّعاء، وإنما بالاتباع والاقتداء ،قال الله تعالى : (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (95) [آل عمران]، وأن أَوْلَى الناس بإبراهيم وموسى وعيسى وسائر النبيين هم المسلمون الذين آمنوا بهم إجمالًا وتفصيلًا؛ قال تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (68) :(73) [آل عمران ] ،
أيها المسلمون
والمتتبع لآيات القرآن الكريم ،يتبين له أنه منذ بعثة نبينا محمد ﷺ وعداوة اليهود والنصارى وسائر المشركين لم تَفْتُرْ، ولم تهدأ، ولن تهدأ، قال الله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (120) ،(121) البقرة ،وليس لتلك العداوة من غايةٍ أو نهايةٍ إلَّا فتنة المسلمين، ورِدَّتهم عن الإسلام، قال الله سبحانه: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (217) البقرة ،
فالأمة الإسلامية اليوم تواجه كيدًا عالميًّا، وسعيًا إجراميًّا لتبديل دينها، واختطاف إسلامها، وتحريف عقيدتها، والعبث بثوابتها الشرعية والفكرية، وما بدعة الدين الإبراهيمي إلا حلقة في هذا العبث، فالواجب على المسلمين عامة ،والعلماء خاصة ، السعي بكل سبيل لاستبانة سبيل المجرمين، وفضح كيد الماكرين من الصهاينة والصليبيين؛ فالصهاينة اليوم يتهيؤون للسعي للسيطرة على العالم العربي ،وذلك من خلال : أن تصير عقائدهم مقبولة بين المسلمين عَبْر ما يسمى الدين الإبراهيمي، وعمل مخطط سياحي يمر بدول متعددة بزعم أنه مسار إبراهيم عليه السلام، وكذلك عودة اليهود الذين اغتصبوا فلسطين إلى البلاد التي خرجوا منها في العالم العربي ليصبحوا مواطنين، أو طابورًا خامسًا لليهود المغتصبين في تلك البلاد،
وأما مقولتهم (التآخي بين البشر) فإن مَعقدَ الولاء ،وآصرةَ التآخي عند المسلمين إنما هي الإيمانُ والإسلامُ؛ قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (10) الحجرات، وفي سنن أبي داود وغيره 🙁عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّعُهُمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ ».،
ومن هذا يتبين لنا أن الذين يخدعون أمتهم بمسايرة من يروج للأخوَّةِ الإنسانية بديلاً عن أخوَّةِ الإيمانِ والإسلامِ، فهم إما سُذَّج مُستغفلون، وإما ضالُّونَ مُضِلُّونَ ،ليسوا في دعوتهم المستأجرةِ على شيء ،كما يتبين لنا :أنَّ الدخول في (الدين الابراهيمي)، أو الترويج له، والسير في مساراته المتعددة هو ردَّةٌ عن الإسلام، وكفر بجميع المرسلين، وخيانة لأمانة هذا الدين، قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (27) الأنفال ،ونصيحتنا لأهل الإسلام جميعاً: أن يكونوا على يقظة مما يحاك بهم ،ويدبر لهم، ونداؤنا لأهل الإيمان: أن استمسكوا بالإسلام ،واعتصموا بالعروة الوثقى، ولقنوا أولادكم الحقّ ،وعلموهم الاعتصام بحبل الله المتين.
أيها المسلمون
إن معركة المصطلحات اللفظية-اليوم- لهي من أخطر التحديات الفكرية التي يوجهها المسلمون ،بل عدها العلماء من أخطر المزالق التي يقع في مصيدتها المسالمون والجاهلون؛ وذلك لأن بريق المصطلح ،واعتياده ،يُخفي وراءه الوجه الشاحب الذي يحمله ،ومع كثرة استعماله تختلط الأوراق ، وتمرر المشاريع الهدامة ،ويغدو المحارب لذلك الوجه القبيح غريبا بين الناس ،وساعتئذ تكون قد نجحت الفكرة ،وهذا هو حال مصطلحات ” الأديان الإبراهيمية ” ، أو ” وحدة الأديان “، أو ” الديانة العالمية ” ونحوها من الألقاب التي ظهر استعمالها في أواخر القرن الماضي ،وكلها تحمل في طياتها معاني حسنة مقبولة ، كمثل التعايش ،والسلام ، ومعاملة أهل الكتاب بالبر والقسط، ولكن استعمال هؤلاء الملبسين لتلك المعاني، إنما هو – في الغالب – جسر للمعاني الباطلة الهدامة ، وستار لحقيقة ” الخلط ” بين الأديان ،بل الخلط الذي تفقد معه العقيدة الإسلامية جوهرها القائم على (شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله) ،لتصبح الفكرة الأهم هي: الوصول إلى الله تعالى ،سواء عن طريق اليهودية ،أو النصرانية ، أو الإسلام ، فلا فرق عند أصحاب هذه الدعوة بين تلك الأديان ،فإنما هي طرق متعددة ومتكافئة ،تدل على الله عز وجل ، ونسي هؤلاء أن الله عز وجل هو القائل 🙁 وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران:85. وأن هذه الدعوة هي دعوة قديمة ،أطلقها بعض اليهود والنصارى ،ويريدون بها أن يتنازل المسلمون عن أحقية عقيدتهم ، بأن يقبلوا – على الأقل – اعتبار أديانهم(اليهودية والنصرانية) أديان حق ونجاة في الآخرة ، ولكن كان الجواب واضحا صريحا في القرآن الكريم 🙁 وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) البقرة:135،وحين أصروا على الانتساب إلى ملة إبراهيم عليه السلام كذبهم القرآن الكريم ؛لأن ملة إبراهيم : إنما هي ملة التوحيد ،والإيمان بجميع الأنبياء ،واليهود والنصارى وقعوا في الشرك ،وفي تكذيب الأنبياء ،يقول الله جل وعلا :(وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ .فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ .قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ .أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ .تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) البقرة/135-141.، فالقرآن الكريم حصر طريق الهداية بطريق واحد ، وهو إيمان اليهود والنصارى بمثل ما آمن به المسلمون من التوحيد وشهادة أن محمدا رسول الله . فإياك أخي المسلم أن يغرك هذا الخلط ،الذي سماه القرآن الكريم “اللبس”، وذلك في قوله جل وعلا : (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة:42، قال قتادة رحمه الله :” لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام ،دين الله هو الإسلام ،واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله “
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( موقف الاسلام من: بدعة الدين الإبراهيمي ،ووحدة الأديان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكثيرا ما يحذر العلماء من هذا المصطلح :(الدين الابراهيمي) و(وحدة الأديان) ،فيقول الشيخ بكر أبوزيد رحمه الله :” ليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة :أنها فلسفية النزعة ،سياسية النشأة ،إلحادية الغاية ،تبرز في لباس جديد ،لأخذ ثأرهم من المسلمين :عقيدة ،وأرضا ،وملكا ،فهي تستهدف الإسلام والمسلمين في :إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام ،والبلبلة في المسلمين ،وشحنهم بسيل من الشبهات ،والشهوات ؛ليعيش المسلم بين نفس نافرة ،ونفس حاضرة .. وكذلك قصر المد الإسلامي واحتواؤه .وتأتي على الإسلام من القواعد ،مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه ،ووهن المسلمين ،ونزع الإيمان من قلوبهم ،وَوَأده . وكف أقلام المسلمين وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم ممن كفرهم الله ،وكفرهم رسوله صلى الله عليه وسلم – إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام ،ويتركوا ما سواه من الأديان .كما تستهدف صياغة الفكر بروح العداء للدين في ثوب وحدة الأديان ،وتفسيخ العالم الإسلامي من ديانته ،وعزل شريعته في القرآن والسنة عن الحياة ،حينئذ يسهل تسريحه في مجاهل الفكر ،والأخلاقيات الهدامة ،مفرغا من كل مقوماته ،فلا يترشح لقيادة أو سيادة ،وجعل المسلم في محطة التلقي لمَا يملى عليه من أعدائه ، وأعداء دينه ، وحينئذٍ يصلون إلى خسة الغاية : القفز إلى السلطة العالمية بلا مقاومة .كما تستهدف إسقاط جوهر الإسلام واستعلائه ،وظهوره وتميزه ،بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرف منسوخ ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى .كما ترمي إلى تمهيد السبيل ” للتبشير بالتنصير ” والتقديم لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين ، وإخماد توقعات المقاومة من المسلمين ؛ لسبق تعبئتهم بالاسترخاء والتبلد .
أما غاية الغايات : فهي بسط جناح الكفرة من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم على العالم بأسره ،والتهامه ،وعلى العالم الإسلامي بخاصة ،وعلى العالم العربي بوجه خاص ،في أقوى مخطط تتكالب فيه أمم الكفر وتتحرك من خلاله ؛لغزو شامل ضد الإسلام والمسلمين بشتى أنواع النفوذ :الفكري ،والثقافي ، والاقتصادي ،والسياسي ،وإقامة سوق مشترك ، لا تحكمه شريعة الإسلام ، ولا سمع فيه ولا طاعة لخلق فاضل ولا فضيلة ،ولا كسب حلال ، فيفشو الربا ،وتنتشر المفسدات ،وتدجن الضمائر والعقول ،وتشتد القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة ،وشريعة مستقيمة .فيجب على المسلمين الكفر بهذه النظرية ،والإيمان بأن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع ، ناسخة لكل شريعة قبلها ، فلا يجوز لبشر من أفراد الخلائق أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة الإسلام ،ويجب على جميع أهل الأرض من الكتابيين وغيرهم الدخول في الإسلام بالشهادتين ، والإيمان بما جاء في الإسلام جملة وتفصيلا ،والعمل به ،واتباعه ،وترك ما سواه من الشرائع المحرفة والكتب المنسوبة إليها ،وأن من لم يدخل في الإسلام فهو كافر مشرك .وأن طاعة أعداء الملَّة والدين في أمر الدين المبتدع، والقبول به، والدعوة إليه- خروج من ملَّة الإسلام الخاتم الناسخ لكل شريعةٍ سبقته، ولن يفلح قوم دخلوا في هذا الكفر الصُّراح ،قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 100]. وقال جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 149]. وروى البخاري ومسلم : (عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ)، وفي رواية لمسلم ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ). فالواجب على المسلمين وعلمائهم وأمرائهم وفضلائهم ورجالهم ونسائهم، الصبر على نصرة الحق حتى يقضي الله أمره وينصر دينه وترك الكسل والتواكل والرقاد.
الدعاء