خطبة عن ( انظروا ماذا يفعل الإيمان بأهله ؟)
أغسطس 15, 2021خطبة عن ( اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ) مختصرة
أغسطس 21, 2021الخطبة الأولى ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (51) غافر ،وقال الله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (171) :(173) الصافات
إخوة الإسلام
لقد جرت سُنة الله تعالى أن تكون الأيام دُولا ،وأن تكون المعركة سِجالا بين الحق والباطل، كما جرت سُنة الله تعالى التي لا تتغير ولا تتبدل أن الغلبة تكون في النهاية لعباد الله الصالحين، وأن النصر والتمكين لأوليائه المتقين. قال الله تعالى 🙁وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ) (105) ،(106) الأنبياء، وقال الله تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]. وقال الله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (171) :(173) الصافات،
كما جرت سُنة الله تعالى أن هذا النصر لا بد له من ضريبة تُؤدى ،وكيلٍ يُوفى ،لكي يكون النصر نصراً عزيزاً، ولكي يكون هذا النصر لمن يستحقونه ،ولمن يعرفون قدره ،فيعضوا عليه بالنواجذ ،ويعرفوا أن الله تعالى ما نصرهم ومكَّن لهم إلا لينصر بهم دينه، وليقيم بهم شريعته، وليهزم بهم عدوه وعدوهم.
ومما يجعلنا نؤمن إيماناً يقينيا لا شك فيه أن دعوة الاسلام والحق ستنتصر، وستعلو رايتها، وأنها ستنتشر في مشارق الدنيا ومغاربها: أن دعوة الإسلام دعوة ربانية ،تنسجم مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها. وأن دعوة الإسلام تحرر النفس من قيود الخضوع والاستعباد. وأن المؤمنين بدعوة الإسلام والدعاة إليها لا يبغون مغنماً شخصياً ولا دنيوياً ،ولكن يبغون وجه الله تعالى ومثوبته وواسع فضله في الآخرة. وأن الله تعالى هو الذي وعد بالنصر والتمكين وحاشاه – سبحانه – أن يخلف وعده أو أن يخذل أولياءه. قال الله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (55) النور، وأيضا مما يجعلنا نؤمن إيماناً يقينيا لا شك فيه أن دعوة الاسلام والحق ستنتصر، وستعلو رايتها: أن أهل الدنيا في تخبط وشتات وحيرة ،بل وبؤس شديد ،ولا مخرج لهم من كل ذلك إلا بالإذعان لدعوة الحق، وأن ما يحدث من أئمة الكفر وأكابر مجرميها من مخططات ومكر وكيد ما هو إلا محاولة منهم لتأجيل هذه اللحظة وليس لتعطيلها. قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (30) الأنفال
أيها المسلمون
ومن يتتبع آيات النصر والتمكين في القرآن الكريم ،يجد أن نصر الله تعالى للمؤمنين لا يكون صُدفة، ولا ضربة من ضربات الحظ . بل إن نصر الله تعالى لا بد أن يسبقه ابتلاء ،يختبر الله تعالى به إيمان عباده -وهو سبحانه- بهم وبإيمانهم عليم- ولابد من تمحيص للمؤمنين ينفي الله تعالى به عن الصف المسلم ما به من خبث، حتى إذا جاء نصر الله تعالى استقبله المؤمنون بإيمان راسخ، وعقيدة لا تميد ،ولو مادت الأرض ومادت الجبال الرواسي. وقد جاء في كتاب الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله، قال: “سأل رجل الشافعيَّ فقال: يا أبا عبد الله، أيهما أفضل للرجل: أن يُمكَّن أو يُبتلى؟ فقال الشافعي: لا يُمكَّن حتى يُبتلى؛ فإنَّ الله ابتلى نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- فلمَّا صبَروا مكَّنهم، فلا يظنن أحَد أن يخلص من الألَم البتة”.
وللمسلمين دور كبير في استجلاب النصر والتمكين، فلابد أن يوقن كل فرد مسلم أن عليه دوراً لا يُختزل ،ولا يسقط عنه في استجلاب هذا النصر، وأن هذا الدور يُحتِّم على كل مسلم مسؤولية إصلاح نفسه إصلاحاً شاملاً عميقاً دقيقاً ،يُؤهله لاستجلاب النصر وتحمل تبعاته. ولابد أن توقن الأمة الاسلامية بأكملها أن النصر لن يتحقق إلا بعد أن تنفد كل الأسباب، وتستفرغ كل الحيل، وتستنهض كل الطاقات، وتستغل كل الإمكانيات، وتتضافر كل الجهود، وتحفز كل خلية بكل ما أودع فيها من قوة ،لكي تؤدي الدور المنوط بها ،دون كسل ولا فتور ولا تراخ، حينها نكون أمام منظومة قوية ومتكاملة ومتجانسة ومؤهلة لحمل الأمانة والقيام بتبعاتها. ولابد أن يوقن الجميع أفراداً وجماعات أن الجهد المبذول قبل تحقيق النصر هو الوقود الذي يُحركه بعد أن يأذن به الله تعالى ، حينها لن يبخل فرد ولا جماعة ولا مؤسسة ولا هيئة ببذل أي جهد؛ ليقين الجميع أنه جهد مُدَّخر وأنه لن يضيع سُدى. وألا ينسى الجميع أن مجرد ممارسة أحداث المواجهة بين الحق والباطل وما يعتريها من تناقضات وتقلبات وانتصارات وانكسارات وأفراح وأتراح وتضحيات وقروحات، كل هذه الأمور تعمل على صقل الجانب الوجداني، واجتياز الخلافات، وتصفية النفوس، وسد الثغرات، والتحام الصفوف، كما تعمل على التضرع إلى الله تعالى والانكسار بين يديه سبحانه، وكلها تحقق تمام العبودية، وتسمو بالروح فلا ترضى لنفسها عبودية إلا لله، ولا انكساراً إلا في محراب الصلاة. قال الله تعالى مخاطبا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (172) :(173) آل عمران، وقال الله تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (139) ،(140) آل عمران ، من أجل هذا كله جعل الله تعالى دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم وبأنفسهم، ولم يجعل النصر هبة تهبط عليهم من السماء بغير عناء فيضيع سريعاً كما جاء سريعاً.
أيها المسلمون
ومن فقه المواجهة بين الحق والباطل: أن الله تعالى حينما أمرنا بالدعاء أخبرنا بأنه سبحانه وتعالى قريبٌ مُجيب، وأمرنا أن ندعوه سبحانه ونحن موقنون بالإجابة، كما أمرنا ألا نستبطئ الإجابة ولا نتعجلها، كذلك يجب أن يكون الحال عند المواجهة بين الحق والباطل. فعلى الصف المسلم أن يُوقن أن الله تعالى هو الذي يدير الصراع بين الحق والباطل، وأن نهايته ونتيجته تكون بحكمة ولحكمة لا يعلمها إلا هو، وأن كل ما علينا هو أن نرضى بحكمه ونسلم لقضائه . وأيضا : من الثوابت المهمة التي يجب التسلح بها عند المواجهة بين الحق والباطل: أن النصر لن يتحقق إلا بعد أن يستنفد أهل الإيمان كل الأسباب المادية والمعنوية المطلوبة منهم ، حتى إذا أذن الله تعالى بالنصر علم الجميع أنه لا فضل لأحد فيه سوى الله وحده فازدادوا بالله إيماناً وعليه توكلاً، ولم يجرهم النصر إلى بطر ولا جور بل يستقيم الجميع على الجادة ليحفظ الله عليهم النصر الذي رزقهم إياه. وأن يعلم الجميع أن النصر لن يتحقق إلا إذا كان خالصاً لله، ونصرة لدينه، وتمكيناً لشريعته. وعلى الجميع أن يوقنوا أن أي صراع للحق مع الباطل إذا خالطه انتقام أو تشفٍ أو عصبية أو غير ذلك فهو أبتر وأن الله تعالى لا يقبل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً، وما نتيجة غزوة حنين عنا ببعيد.
وعلى الجميع أن يوقنوا أن أي صراع للحق مع الباطل إذا خالطه انتقام أو تشفٍ أو عصبية أو غير ذلك فهو أبتر وأن الله تعالى لا يقبل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً، وأن يكون الجميع على يقين أن التمحيص يشمل أهل الباطل كما يشمل أهل الحق، فالله تعالى يُمحص أهل الحق لينفي عنهم خبثهم وكذلك يمحص أهل الباطل حتى يستنفدوا كل ما بداخلهم من خير، حينها يأخذهم الله تعالى أخذ عزيز مقتدر غير مأسوف عليهم من أحد ولا مخدوع بهم أحد، وحينها لا يكون لهم شفعاء يشفعون لهم ولا مترحمين يترحمون عليهم، وحينها تشرق الأرض بنور ربها فتطهر ما أفسده الطغاة، ويرضخ الناس للحق رضوخاً، ويدخلون في دين الله أفواجاً. وأن من يقين أهل الحق بنصر الله تعالى لهم أن يُحسنوا التخطيط لما بعد المواجهة والنصر كما أحسنوا التخطيط للمواجهة. على أهل الحق أن يضعوا كل التصورات ويتوقعوا كل ردود الأفعال الممكنة والمحتملة، فلا ينخدعوا بالنصر ولا ينشغلوا عن الميدان فيكون حالهم كحال الرماة في غزوة أحد، وكذا اليقين بأن سُنة الله تعالى في الخلق لا تحابي أحداً فليس مجرد اتباع الحق يكون سبباً للنصر، ولا مجرد الخوض مع الباطل يكون سبباً للهزيمة، فكما قيل: “إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة.. ويهزم الدولة الظالمة وإن كانت مُسلمة”، وقيل: “النصر للأتقياء فاِن غابت التقوى.. فالنصر للأقوياء”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وليس مجرد اتباع الحق يكون سبباً للنصر، ولا مجرد الخوض مع الباطل يكون سبباً للهزيمة، فهؤلاء بني إسرائيل عندما تمردوا على نبي الله موسى -عليه السلام- ابتلاهم الله تعالى بتسع آيات وهي: “الطوفان والجراد والقُمّل والضفادع والدم واليد والعصا والأخذ بالسنين ونقص الثمرات”. وعندما تمردت قريش على النبي ﷺ دعا عليهم وقال: “اللهم اشدُدْ وطأتَك على مُضرَ وخذْهم بسنين كسِني يوسفَ” فابتُلوا بالجوعِ حتى أكلوا الْعِلْهِز أي: الوَبَرِ بالدم، وحتى ذهب أبو سفيانَ بنُ حربٍ إلى رسولِ اللهِ ﷺ فقال: “يا محمدُ! أنشدُكَ اللهَ والرحِمَ”، طالباً من النبي ﷺ أن يكف عن الدعاء عليهم فأنزل الله تعالى قوله: “وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُون”. ويوم حنين أعجب المسلمون بقوتهم وظنوا أنهم لن يُهزموا من قلة فما أغنت عنهم كثرتهم من الله شيئاً. قال الله تعالى : {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة:25].
أيها المسلمون
فنصر الله قادم لا محالة- إن شاء الله تعالى -، ولكن هذا النصر لن يتحقق حتى تؤدي الأمة تكاليفه كاملة، وحتى تتأهب الأمة مادياً ومعنوياً لتحقيقه، وليس هذا فحسب، بل وحتى تخطط لكيفية استثماره ،والدفاع عنه ،والمحافظة عليه .
فللهم ائذن لدينك أن يعود ،ولشرعك أن يسود ،ولقرآنك أن يحكم ويقود، وهيئ لهذه الأمة الاسلامية أمر رشد ،يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، اللهم ائذن برفع راية الجهاد في سبيلك، اللهم ائذن لدينك أن يسود، ولشرعك أن يحكم، وردنا والمسلمين إلى دينك ردا جميلا ،ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ،ولا مبلغ علمنا ،ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا ، ولا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين .
الدعاء