خطبة حول قوله تعالى ( نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ )
فبراير 4, 2023خطبة عن ( السلام النفسي)
فبراير 7, 2023الخطبة الأولى (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (9) ،(10) يونس
إخوة الإسلام
إن الحديث عن الجنة، وصفتها، وما فيها من النعيم المقيم الذي لا ينفد – تشتاق إليه النفوس، ويزيد به الإيمان، ويحلو به الكلام، وتطمئن به القلوب؛ لأن النفس تميلُ إلى معرفة الثمار التي من أجلها ترك الإنسان المحرَّمات وترك المكروهات؛ إذ الواجب على الإنسان العاقل الذي يعلم أين السعادة أن يعبد الله؛ رجاءً في الجنة، وخوفًا من النار، ففي مسند أحمد وسنن أبي داود : (عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِرَجُلٍ « كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاَةِ ». قَالَ َتَشَهَّدُ ثُمَّ أَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ أَمَا إِنِّي لاَ أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلاَ دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ »
واليوم -إن شاء الله- نسبح في بحار معاني هذه الآية الكريمة من كتاب الله تعالى ، لنحفز أنفسنا على طاعة الله تعالى ، ورجاء أن نكون من أهل الجنة ، مع قوله تعالى : (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (10) يونس ، وقد جاء في التفسير الميسر أن المعنى : دعاؤهم في الجنة التسبيح (سبحانك اللهم)، وتحية الله وملائكته لهم، وتحية بعضهم بعضًا في الجنة (سلام)، وآخر دعائهم قولهم: “الحمد لله رب العالمين” أي: الشكر والثناء لله خالق المخلوقات ومربِّيها بنعمه. وفي تفسير البغوي “معالم التنزيل”: وَرَوَيْنَا: «أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُلْهَمُونَ الْحَمْدَ وَالتَّسْبِيحَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ». قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَلَامَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْخَدَمِ فِي الطَّعَامِ فَإِذَا أَرَادُوا الطَّعَامَ قَالُوا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ فَأَتَوْهُمْ فِي الْوَقْتِ بِمَا يَشْتَهُونَ عَلَى الْمَوَائِدِ، كُلُّ مَائِدَةٍ مِيلٌ فِي مِيلٍ، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ صَحْفَةٍ، وَفِي كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ مِنَ الطَّعَامِ لَا يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ حَمِدُوا اللَّهَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). ، وفي تفسير السعدى ، قال : أي عبادتهم فيها لله، أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائض، وآخرها تحميد لله، فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء، وإنما بقي لهم أكمل اللذات، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة، ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب، وتفرح به الأرواح، وهو لهم بمنزلة النَّفَس، من دون كلفة ومشقة.
أيها المسلمون
والجنة دار جزاء وإنعام، لا دار تكليف واختبار، وإذا كان من أهل الجنة كما في الصحيحين من : (يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا) ، فهذا ليس من باب التكليف، قال ابن حجر في شرحه للحديث: قال القرطبي: (هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام !، وقد فسره جابر في حديثه كما عند الامام مسلم بقوله : (يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ »، ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه، ولا بد منه، فجعل تنفسهم تسبيحاً، وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه، وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره). وقد قرر شيخ الإسلام أن هذا التسبيح والتكبير لون من ألوان النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة، فقال: (هذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به)، فهذه الآية الكريمة : (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (10) يونس ، هي تحكي عما سيكون عليه المؤمنون الصالحون من نعيم لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (9) يونس ، فما كان لهم أن يكونوا صالحين في الدنيا من غير أن يثمر إيمانهم عملا صالحا، وما كان لهم أن يتنعموا بنعيم الجنة في الآخرة من غير أن يكونوا مؤمنين صالحين في الدنيا. وعليه فلما كانوا في الدنيا منشغلين ومبتلين بالشر وبالخير لقوله تعالى: ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (35) الأنبياء ، فإن الله تعالى قد كف عنهم في الآخرة جميع أنواع الابتلاء والامتحان وعوضهم عنها بأنواع النعيم ، وإن ما يشغل المؤمنين الذي سبق لهم العمل الصالح في الدنيا هو الدعاء والتحية، ودعاؤهم محصور في التسبيح، سواء في مقدماته لقوله تعالى: ” دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ” أم في خواتمه لقوله أيضا: ” وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ “. بكلام آخر يبدؤون دعاءهم بالتسبيح فينزهون الله تعالى عن كل سوء. وإذا أرادوا الانتقال إل حالة أخرى من أحوال النعيم في الجنة ختموا دعائهم بالتحميد، والجدير بالإشارة إليه في هذا الصدد تنبيه الرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فضل التسبيح والتحميد لما رُوي في الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ »، وأما تحيتهم فهي سلام لقوله تعالى: “وتحيتهم فيها سلام”. والسلام كلمة يجمع معناها بين معنيين: معنى الحياة الطيبة، ومعنى الصفاء من الأكدار العارضة فيها ، فلا ينشغل أهل الجنة من المؤمنين الذين سبق لهم عمل الصالحات في الدنيا بالأموال وبأنواع الجاه وبجلب المصالح وبدفع المفاسد. فقد أغناهم الله تعالى عن الانشغال بهموم الدنيا وكفاهم عن الاهتمام بشواغلها المختلفة فرفرفوا في آفاق التسبيح والتحميد والسلام.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن المفيد أن نستحضر ما علل به الإمام بن عاشور رحمه الله هذا الدعاء، إذ قال: “إن ما هم فيه من النعيم هو غاية غايات الراغبين، بحيث إذا أرادوا أن ينعموا بمقام دعاء ربهم الذي هو مقام القرب لم يجدوا أنفسهم مشتاقين لشيء يسألونه فاعتاضوا عن السؤال بالثناء على ربهم فألهموا إلى التزام التسبيح لأنه أدل على التمجيد والتنزيه، فهو جامع العبارة عن الكمالات”
أيها المسلمون
فأهل الجنة ملوك آمنون ، وفي أنواع السرور متمتعون ، لهم فيها ما يشتهون ، وهم في كل وقت فيها بالنعيم يتقلّبون، وإلى ربهم ينظرون، وهم من زوال نعمة التنعيم في الجنة آمنون ، وقد ذكر ابن القيم في حادي الأرواح: أن العبادات ترتفع عن أهل الجنة إلا الذكر، وفي هذا إشارة إلى أن التكاليف في الجنة تسقط عنهم ولا تبقى عبادتهم إلا هذه الدعوى التي يلهمونها، وحقا ما قال ربنا : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (9) ،(10) يونس
الدعاء