خطبة عن (خلق العفو )
يناير 12, 2016خطبة عن ( أهل الحلم وصفاتهم )
يناير 12, 2016الخطبة الأولى ( ثمرات خلق الحلم ونماذج من أهله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ) هود (75) ،
إخوة الإسلام
قالوا في الحِلم : من حلِم ساد. ومن عفا عظم ، ومن تجاوز استمال القلوب إليه. وسئل الأحنف بن قيس بم سدت قومك؟ قال : وجدت الحِلم أنصر لي من الرجال. وقالوا : شدة الحلم تـزيد في العمر فالحليم يطول عمره لأن الغليان والحقد يقصر العمر أما الحليم فيبقى صحيح الجسم ويطول عمره. كما يرفع الله تعالى منزلة الرجل الحليم ، فإنه يناصره ويقف إلى جواره أمام من يعاديه ، فقد روي مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَىَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَىَّ. فَقَالَ :« لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ». ويعد الحلم وسيلة إلى تبوء المراكز الهامة في المجتمع ، ولذا كانت العرب تقول في أمثالها : (من حلم ساد) ، ومن هؤلاء الذين تزعموا أقوامهم بسبب حلمهم عرابة بن أوس ، والأحنف بن قيس ، وروي أن معاوية بن أبي سفيان قال لعرابة بن أوس : بم سدت قومك يا عرابة ؟ ،فقال عرابة : يا أمير المؤمنين كنت أحلم عند جاهلهم ، وأعطي سائلهم ، وأسعى في حوائجهم ، فمن فعل منهم فعلي فهو مثلي ، ومن جاوزني فهو أفضل مني ، ومن قصر عني فأنا خير منه، ومما يجب أن نعلمه ، إن الحلم فضيلة تقع بين رذيلتين متباعدتين ، فمن وراء يمين الحلم يأتي التباطؤ والكسل ، والتواني والإهمال ، وتتبدل الطبع عند مثيرات الغضب ، ومن وراء يسار الحلم يأتي التسرع في الأمور واستعجال الأشياء قبل أوانها ، والذي جعل الحلم فضيلة خلقية هو اعتداله ، ومسايرته لمقتضى العقل السليم ، والآثار النافعة المفيدة الخيرة التي تترتب عليه. ، ولقد ضرب رسول الله-صلى الله عليه وسلم أروع المثل للمسلمين في ذلك : فقد روى البخاري أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – :« دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ » . وفي الحلم قال القائل : سألزم نفسي الصّفح عن كلّ مذنب … وإن كثرت منه عليّ الجرائم
وما النّاس إلّا واحد من ثلاثة … شريف ومشروف ومثلي مقاوم
فأمّا الّذي فوقي فأعرف قدره … وأتبع فيه الحقّ والحقّ لازم
وأمّا الّذي دوني فإن قال صنت عن … إجابته عرضي وإن لام لائم
وأمّا الّذي مثلي فإن زلّ أو هفا … تفضّلت إنّ الفضل بالحلم حاكم
أيها المؤمنون
ولخلق الحلم فوائد وثمرات يجنيها من تخلق به فمن ثمـرات الحلم: 1-الحلم وسيلة للفوز برضا الله وجنته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ ». قَالَ الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) ، 2- الحلم دليل على قوة إرادة صاحبه، وتحكمه في انفعالاته (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ») رواه البخاري ، 3-الحلم وسيلة لكسب الخصوم والتغلب على شياطينهم وتحويلهم إلى أصدقاء، قال تعالى { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } فصلت 34 ،35، 4- الحلم وسيلة لنيل محبة الناس واحترامهم، فقد قيل: أول ما يُعوَّض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره.
أيها المسلمون
وأسوق لكم نماذج لمن تحلوا بهذا الخلق ، خلق الحلم ، فمن يتصف بهذه الصفة فقد يحبه الله ورسوله ، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ ».، ومن النماذج التي ضرب بها المثل في الحلم ، الصحابي الجليل الأحنف بن قيس، فقد كان شديد الحلم، حتى صار يُضرَب به المثل في ذلك الخلق، فكان يقال: أحلم من الأحنف. فيحكى أن رجلا شتمه فلم يرد عليه ، ومشى في طريقه، فتبعه الرجل ، وهو يزيد في شتمه، فلما اقترب الأحنف من الحي الذي يعيش فيه ، وقف، وقال للرجل: إن كان قد بقي في نفسك شيء فقله قبل أن يسمعك أحد من الحي فيؤذيك. ويحكى أيضا: أن قوما بعثوا إليه رجلا ليشتمه، فصمت الأحنف ولم يتكلم، واستمر الرجل في شتمه حتى جاء موعد الغداء، فقال له الأحنف: يا هذا إن غداءنا قد حضر فقم معي إن شئت، فاستحيا الرجل ومشى. وكان يقول : ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث: (إن كان فوقي عرفت له فضله وإن كان مثلي تفضلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه).
وكان عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشدي الخامس حليمًا صفوحًا، يتطاول عليه الرجل فلا يجيبه، فيقال لعمر: ما يمنعك منه؟ فيجيب: إن التقى مُلْجِمٌ. وحدث ذات ليلة، خرج الخليفة عمر بن عبد العزيز ليتفقد أحوال رعيته ومعه الحارس، فدخلا مسجدًا وكان المسجد مظلمًا، فتعثر عمر برَجُلٍ نائم، فرفع الرجل رأسه وقال له: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا. وأراد الحارس أن يضرب الرجل، فقال له عمر: لا تفعل، إنما يسألني: أمجنون أنت؟ فقلت له: لا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( خلق الحلم ) 3
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فكم يمر على المرء في هذه الحياة من مواقف تؤلمه وتضجره وتثير كوامن نفسه، وقد تخرجه عن حدود الاعتدال، وتؤدي به إلى الغضب والانفعال، ثم قد يتبع ذلك تصرفات قولية أو فعلية لا يحمدها في عاقبة أمره، حين تهدأ نفسه، ويذهب غيظه، ويعود إلى رشده، بل قد يأس أسى بالغا على بعض تصرفاته، ويندم ندما شديدا على بعض أقواله، ولو اتصف بالحلم وتدرع بالصبر وضبط النفس لما ندم على شيء من ذلك
فبالحلم أخي المسلم تستجلب كثير من المصالح والخيرات، وتندفع كثير من الشرور والآفات، كما قيل في منثور الحكم: الحلم حجاب الآفات، وقال بعض الحكماء: ما ذب عن الأعراض كالصفح والإعراض، وإن من الحزم والرشاد أن يعوّد المرء نفسه على التخلق بالحلم والإتصاف به. فقد روى الطبراني وصححه الألباني أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتوق الشر يوقه )، وقال الإمام الليث بن سعد رحمه الله: (تعلموا الحلم قبل العلم فما جمع شيء إلى شيء أحسن من علم إلى حلم).
فاتقوا الله عباد الله ، ولتتصفوا بالحلم ، وتتحلوا بالعفو والصفح ، يكتب الله تعالى لكم الخير والسداد والتوفيق والرشاد ، وصدق ربي إذ يقول في محكم آياته : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت 33 : 36 ،
الدعاء