خطبة عن ( من أقوال العلماء عن خلق الكرم وثمرات السخاء)
يناير 13, 2016خطبة ( ثمرات وفوائد خلق الكرم، وما يعين عليه)
يناير 13, 2016الخطبة الأولى ( صور من خلق الكرم ومجالاته)
الحمد لله رب العالمين …اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام … وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له…. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. هو صفوة الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للعالمين اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (262) البقرة
إخوة الإسلام
ما بين الكرم والتضحية ارتباط وثيق وصلة قوية؛ فالمجاهد يجود بنفسه – وهذا غاية الجود – والمتحرر من شهوة المال، الباسط يده في أبواب البر والإحسان، قد يكون أقدر على الجهاد؛ لما يؤصله الكرم في النفس من معاني التضحية والإيثار. ، ولأن الكرم له مجالاته المشروعة، فإن بذل المال في غيرها قد لا يكون كرمًا، ولذلك يقول ابن حجر: “والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة”. وضده الشح الذي يعني البخل مع مزيد من الحرص. ، وصاحب الكرم لا بد أن يكون شديد التوكل، عظيم الزهد، قوي اليقين. ولذلك فإن الكرم مرتبط بالإيمان ظاهره كرم اليد ودافعه كرم النفس، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بقوله: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ الْمُؤْمِنَ غِرٌّ كَرِيمٌ وَإِنَّ الْفَاجِرَ خَبٌّ لَئِيمٌ ». )”. [صحيح سنن الترمذي واحمد]، وفي حديث آخر: “… وَلاَ يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالإِيمَانُ فِى قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا ». ” سنن النسائي].
أيها المسلمون
وأعظم صور الكرم ما يكون مع الفقر والحاجة وقلة ذات اليد، وهذه كانت من أخلاق العرب في الجاهلية، فهذا حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الجود والكرم، .. قالت زوجه: أصابت الناس سنة أذهبت الخف والظلف وقد أخذني وإياه الجوع وأسهرنا، فأخذت سفانة-ابنته-،وأخذ عديا وجعلنا نعللهما حتى ناما فأقبل علي يحدثني ويعللني بالحديث حتى أنام فرفقت به؛ لما به من الجوع، فأمسكت عن كلامه لينام فقال لي :أنمت؟ فلم أجبه، فسكت ونظر في فناء الخباء، فإذا شيء قد أقبل، فرفع رأسه فإذا هي امرأة فقال: ما هذا؟ فقالت: يا أبا عدي أتيتك من عند صبية يتعاوون كالكلاب، أو كالذئاب جوعا، فقال لها أحضري صبيانك فو الله لأشبعنهم، فقامت سريعة لأولادها، فرفعت رأسي وقلت: يا حاتم بماذا تشبع أطفالها فو الله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعليل؟ فقال والله لأشبعنك وأشبعن صبيانك وصبيانها، فلما جاءت المرأة نهض قائما وأخذ المدية بيده وعمد إلى فرسه فذبحه ثم أجج نارا، ودفع إليها شفرة و قال :قطعي واشوي، وكلي، وأطعمي صبيانك ، فأكلت المرأة وأشبعت صبيانها، فأيقظت أولادي وأكلت وأطعمتهم. فقال والله إن هذا للؤم؛ تأكلون وأهل الحي حالهم مثل حالكم؟ ثم أتى الحي بيتا بيتا يقول لهم: انهضوا ،عليكم بالنار، فاجتمعوا حول الفرس وتقنع حاتم بكسائه وجلس ناحية، فو الله ما أصبحوا وعلى وجه الأرض منها قليل ولا كثير إلا العظم والحافر، ولا والله ما ذاقها حاتم وإنه لأشدهم جوعا. فانظر رعاك الله هذه أخلاق العرب في الجاهلية وأهلُ الإيمان بها أولى.
وقد ورد أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنه ليس لي من شيء إلا ما أدخل علي الزبير أفأعطي؟” قال: “نعم، لا توكي فيوكى عليك” [صحيح سنن الترمذي]. وفي البخاري (عَنْ أَسْمَاءَ – رضى الله عنها – قَالَتْ قَالَ لِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ تُوكِى فَيُوكَى عَلَيْكِ » ، فعلى قلة ما يدخل عليها أشار عليها بالعطاء وبعدم الإحصاء ليبارك في الرزق ولمزيد من التوكل.
أيها المؤمنون
إن ديننا ليحتاج إلى النفوس الكريمة التي يفيض خيرها على الناس وعلى الأقربين ،ومن الصفات المميزة لمن تأصلت فيه خصلة الكرم أنه لا يرد أحدًا يسأله، وقد كان هذا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَا سُئِلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ لاَ “. [صحيح البخاري]. ، حتى حين أهديت إليه بردة وكان محتاجًا إليها رآها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها (فعنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – بِبُرْدَةٍ . فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ فَقَالَ الْقَوْمُ هِيَ شَمْلَةٌ . فَقَالَ سَهْلٌ هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا – فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْسُوكَ هَذِهِ . فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، فَلَبِسَهَا ، فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ هَذِهِ فَاكْسُنِيهَا . فَقَالَ « نَعَمْ » . فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – لاَمَهُ أَصْحَابُهُ قَالُوا مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لاَ يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ . فَقَالَ رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – لَعَلِّى أُكَفَّنُ فِيهَا ) [صحيح البخاري].
والكرم من صفات الرب سبحانه وتعالى، ” عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِى إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ » ” [صحيح الترمذي وابن ماجه]. ، وهكذا عباد الله الصالحون يمنعهم حياؤهم وكرمهم من رد حاجة العبد من عباد الله.، فهذا عبدالله بن جعفر رضي الله عنه يخرج هو والحسنان، وأبو دحية الأنصاري رضي الله عنهم من مكة إلى المدينة ،فأصابتهم السماء بمطر ،فلجأوا إلى خيمة أعرابي فأقاموا عنده ثلاثة أيام حتى سكنت الماء ،فذبح لهم الأعرابي شاة ،فلما ارتحلوا قال عبد الله للأعرابي: إن قدمت المدينة فسل عنا. فاحتاج الأعرابي بعد سنين ،فقالت له امرأته: لو أتيت المدينة فلقيت أولئك الفتيان .قال قد نسيت أسماءهم. قالت فسل عن ابن الطيار .فأتى المدينة فلقي الحسن رضي الله عنه فأمر له بمائة ناقة بفحولها ورعاتها. ثم أتى الحسين فقال قد كفانا أبو محمد مؤونة الإبل، فأمر له بألف شاة ،ثم أتى عبدالله بن جعفر فقال: قد كفاني إخواني الإبل والشياه ،فأمر له بمائة ألف درهم، ثم أتى الرجل أبا دحية رضي الله عنه فقال: والله ما عندي مثل ما أعطوك ولكن ائتني بإبلك فأوقرها لك تمرا فلم يزل اليسار في عقب الأعرابي منذ ذلك اليوم. فأي كرم هذا؟!.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (خلق الكرم و والبذل والسخاء ) 3
الحمد لله رب العالمين …اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام … وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له…. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. هو صفوة الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للعالمين اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وللجود والكرم والسخاء مجالات متعددة في حياتنا ، فالكرم والسخاء ليسا مقتصرين على بذل المال فحسب، بل مفهومهما أوسع، وصورهما أعم وأشمل، ومن صورهما العديدة ما يلي: 1- أن يكون للإنسان دَينٌ على آخر فيطرحه عنه، ويخلي ذمته منه وهو يستطيع الوصول إليه دون عناء ولا تعب.، 2- أن يستحق الإنسان أجرًا على عمل، فيترك الأجر من تلقاء نفسه.، 3- سعي الإنسان في قضاء حوائج النّاس، وتنفيس كرباتهم. ، 4- الكرم والسخاوة بالجاه، بحيث يبذل في سبيل الخير والشفاعات الحسنة، من إحقاق الحق، ونصرة مظلوم، وإعانة ضعيف، ومشي مع الرجل إلى ذي سلطان، ونحو ذلك. ، 5- الكرم والسخاوة بالرياسة، بحيث يحمل الإنسان سخاؤه على امتهان رياسته، والإيثار في سبيل قضاء حاجات الملتمس. ، 6- كرم الإنسان وسخاؤه براحته وإجمام نفسه؛ فيجود بها تعبًا وكدًّا في مصلحة غيره. ، 7- سخاوة الإنسان وكرمه بوقته في سبيل نفع النّاس أيًّا كان ذلك النفع. ، 8- الكرم والسخاء بالنصح والإرشاد. ، 9- الكرم والسخاء بالعلم وهو أفضل من السخاء بالمال؛ لأنّ العلم أشرف من المال. ، 10- الكرم والسخاء بالعرض، بحيث يسخو الإنسان بعرضه لمن نال منه، فيعفو ويصفح، وفي هذا السخاء من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلص من معاداة الخلق ما فيه. ، 11- الكرم والسخاء بالصبر، والاحتمال، والإغضاء، وهي مرتبة شريفة لا يقدر عليها إلاّ أصحاب النفوس الكبار. ، 12- الكرم والسخاء بالخلق، والبشر، والتبسم، والبشاشة، والبسطة، ومقابلة النّاس بالطلاقة؛ فذلك فوق السخاء بالصبر والاحتمال والعفو، وهذا هو الذي بلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وهو أثقل ما يوضع في الميزان، وفيه من أنواع المنافع والمسار وأنواع المصالح ما فيه. ، 13- ويدخل في الكرم والسخاء حضّ النّاس على الخير، وحثهم على الجود والإنفاق. ، 14- دلالة النّاس على وجوه الخير، وتذكيرهم بطرقه؛ فالدال على الخير كفاعله. ، 15- شكر الكرام الأسخياء، والدعاء لهم، وتشجيعهم على مزيد من البذل. ، 16- سخاوة النفس وكرمها بترفعها عن الحسد، وحبّ الاستئثار بخصال الحمد، وهذه الصورة من صور السخاء الخفية الجميلة؛ وذلك بأن يُحبّ المرء لإخوانه ما يحبه لنفسه، فيفتح لهم المجالات، ويعطيهم فرصة للإبداع، والحديث، والمشاركة، ونحو ذلك. ومن ذلك: أن يفرح لنجاحهم، ويحزن لإخفاقهم، فهذه من الصور الخفية للسخاء، وقلّ من يتفطّن بها ويأخذ نفسه بها. ، 17- سخاء المرء وكرمه عمّا في أيدي النّاس؛ فلا يلتفت إليه، ولا يستشرف له يقلبه، ولا يتعرض له بحاله، ولا لسانه. ، 18- سخاء المرء وكرمه بنفسه، فذلك أروع ما في السخاء، وأروع ما في ذلك أن يكون في سبيل الله سبحانه وتعالى.
ونواصل الحديث إن شاء الله
الدعاء