خطبة عن ( السلف الصالح والمراقبة لله)
فبراير 1, 2016خطبة عن (خلق المراقبة: ثمراته وما يعين عليه)
فبراير 1, 2016الخطبة الأولى عن ( مراقبة الله )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (7) المجادلة ،
إخوة الإسلام
إذا كان لخلق المراقبة ثمرات وفوائد يجنيها العبد في حياته وبعد مماته ، فإن للتخلي عن هذا الخلق وترك العمل به خطورته ومفاسده ونتائجه الوخيمة فعدم المراقبة من صفات المنافقين .قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ) [النساء/107، 108].والمعنى: “يستترون من الناس خوفًا من اطلاعهم على أعمالهم السيئة، ولا يستترون من الله تعالى ولا يستحيون منه، وهو عزَّ شأنه معهم بعلمه، مطلع عليهم حين يدبِّرون – ليلا- ما لا يرضى من القول، وكان الله – تعالى- محيطًا بجميع أقوالهم وأفعالهم، لا يخفى عليه منها شيء” ، ومن خطورة عدم التخلق بمراقبة الله ،تعريض الحسنات للضياع. فعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا الله عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ الله صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» رواه ابن ماجة. وقال: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ الله تعالى» رواه مالك في الموطأ.
إخوة الإسلام
وكيف نربي أولادنا على مراقبة الله؟ فأقول : ذلك بأن نغرس في قلوبهم الإيمان بأسماء الله وصفاته؛ كالتي مر ذكرها. ولله در معلم أعطى كل تلميذ عنده طائراً قائلاً: ليذبح كل منكم طائره في مكان لا أحد فيه معه. فذبحوا جميعاً سوى واحد. قال: مالك. قال: إن الله معي في كل مكان. فقرَّبه وكافأه، لأنه رأى الله عليه رقيبا . ومن أخبار الصالحين في المراقبة : ما جاء في السنن الكبرى للبيهقي عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الليل، فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه — وأرقني أن لا حبيب ألاعـبه
فو الله لولا الله أنى أراقبـه — لحرك من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يصــدني — وإكـرام بعلي أن تنال مراتبه
فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لحفصة رضى الله عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر. فقال: لا أحبس الجيش أكثر من هذا. وأذكر لكم بعض النماذج للذين يراقبون الله تعالى في أعمالهم وأحوالهم ، ليكون لنا فيهم أسوة حسنة ، فهذا عروة ابن الزبير -رضي الله عنه- خطب ابنة عبد الله بن عمر سودة وعبد الله بن عمر يطوف بالكعبة في الحج فلم يرد عليه، فقال عروة: “لو كان يريد لأجابني”، والله لا أعود إليه – يعني في هذا الشأن – يقول: “فسبقني إلى المدينة، فلما أتيتها قدمت المسجد فإذا هو جالس فيه، فسلمت عليه”، فقال: “قد ذكرت سودة”، فقلت: “نعم”، فسأله عن رغبته، هل لا يزال يرغب فيها في الزواج منها، فقلت: “نعم”، فقال: “إنك قد ذكرتها لي وأنا أطوف بالبيت أتخايل الله عز وجل بين عيني، وكنتَ قادراً على أن تلقاني في غير ذلك الموطن”، لاحظ ما رد عليه ، لأنه كان مشغولا بالله مراقبا له ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (خلق مراقبة الله) 4
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن نماذج المراقبين لله ، فهذا عبادة بن الصامت كان جالساً مع أصحابه -رضي الله عنه- فأقبل الصنابحي، فقال عبادة: “من سره أن ينظر إلى رجل كأنما رقي به فوق سبع سماوات فعلم على ما رأى فلينظر إلى هذا من شدة مراقبته وتأدبه وخوفه وتحرزه”. وكان الإمام أحمد رحمه الله يئنُّ في مرض موته، ذكر له أن طاووس بن كيسان قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين فلم يئن أحمد رحمه الله حتى مات، إلى هذا الحد مع أن الأنين ليس بمحرم. وهذا ابن دقيق العيد أيها الأحبة، يقول: “ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلاً، إلا أعددت له جواباً بين يدي الله عز وجل”، ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلاً؛ وقد قال أبو حازم رحمه الله: “لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله عز وجل إلا أحسن الله فيما بينه وبين الناس، ولا يعور – أي يفسد – فيما بينه وبين الله عز وجل إلا عور فيما بينه وبين العباد، ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها، إنك إذا صانعت الله مالت الوجوه كلها إليك، وإذا أفسدت ما بينك وبين الله شنأتك الوجوه كلها”.ويقول ابن الجوزي رحمه الله في هذا المعنى يقول: “نظرت في الأدلة على الحق فوجدتها أكثر من الرمل، ورأيت من أعجبها أن الإنسان قد يخفي ما لا يرضاه الله عز وجل فيظهره الله تعالى عليه ولو بعد حين وينطق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق فيكون جواباً لكل ما أخفى من الذنوب، وذلك ليعلم الناس أن هنالك من يجازي على الزلل ولا ينفع من قدره وقدرته احتجاب ولا استتار ولا يباع لديه عمل”،يقول: “وكذلك يخفي الإنسان الطاعة فتظهر عليه ويتحدث الناس بها وبأكثر منها حتى أنهم لا يعرفون له ذنباً ولا يذكرونه إلا بالمحاسن ليعلم أن هنالك رباً لا يضيع عمل عامل”، يقول: “وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص وتحبه أو تأباه وتذمه أو تمدحه وفق ما تحقق بينه وبين الله تعالى فإنه يكفيه كل هم ويدفع عنه كل شر وما أصلح عبد ما بينه وبين الخلق دون أن ينظر إلى الحق إلا انعكس مقصوده وعاد حامده ذاماً”، ولهذا كان يقول في كتاب (اللطف في الوعظ): “إذا لم تخلص فلا تتعب لو قطعت سائر المنازل – يعني منازل الحج – لم تكن حاجاً إلا ببلوغ الموقف – يعني عرفة”. ونستكمل الحديث عن المراقبة في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء