خطبة عن (الرياء والسمعة:الأسباب والنتائج والعلاج)
يوليو 24, 2016خطبة عن ( من حقوق الزوجين)
يوليو 24, 2016الخطبة الأولى ( شخصية القائد ( سيدنا سليمان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (73) الأنبياء ،وقال تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (5) القصص
إخوة الإسلام
من أجمل الشخصيات وأعظمها تلك التي يطلق عليها الشخصية القيادية، والتي يتمتع صاحبها بملكة نادرة لا يملكها إلا ما ندر من الناس، لدرجة أنه ما يزال الكثير من الناس يعتقدون أن القادة يولدون ولا يصنعون، وذلك لصعوبة اكتساب الصفات القيادية العظيمة. وسوف أحاول اليوم إن شاء الله التعرف على مهارات القيادة وصفات الشخصية القيادية والقائد المميز الحق، وذلك من خلال تعرضنا لشخصية سيدنا ( سليمان عليه السلام ) ، فقد أصبح سيدنا سليمان النبي عليه السلام ملكًا على بني إسرائيل وقائدًا لهم بعد أبيه داود عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴾ [النمل: 16]، والوراثة في هذه الآية ليست وراثة النبوة؛ لأن النبوة درجة يَصطفي لها الله جل جلاله من يشاء من عباده، وإن كان بعض أبناء الأنبياء أنبياءَ، فهذا من باب الاصطفاء وليس الوراثة، وكذلك هي ليست وراثة المال؛ لأن الأنبياء لا يورِّثون المال؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنا معشر الأنبياء لا نُورَّث، ما تركنا فهو صدقة)) فتكون الوراثة هنا هي وراثةَ وظيفةِ الخلافة في الأرض، وتحمُّل أعباء الحكم بين الناس بما أنزَل الله سبحانه وتعالى وقيادتهم، وكذلك هي وراثة العلم، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وأورثوا العلم)) . فمِن صفات سليمان عليه السلام القياديَّة التي جاء ذكرها في القرآن العظيم: 1- أنه عليه السلام أوَّاب؛ قال تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 30]، والأواب : هو كثير الرجوع والتوبة والأوبة إلى الله ،والأواب هو الذي يصحح خطأه ، فالأواب إذا أخطأ يصوب خطأه ، ويعترف به ، بل ويطلب من الله عز وجل أن يعينه على إصلاح نفسه ، وتصحيح خطئه والأواب أيضا ليس هو صاحب الشخصية المتغطرسة ،والذي يرى أنه قادر على كل شيء ، بل هو شخصية متوازنة ومعتدلة ، يعلم أنه عبد ضعيف ، ولكنه يستمد قوته بعون الله له ومدده ، وبما وهبه من صفات القيادة وهذا سيدنا سليمان عليه السلام لما شغلته الدنيا ( ممثلة في الخيل ) شغلته عن ذكر الله وعن الصلاة ، فتاب وآب ورجع ، واستغفر من ذنبه ، وصحح ما وقع فيه من خطإ ، وهكذا يجب أن تكون شخصية القائد ، عنده الجرأة على الاعتراف بالخطإ ثم تصويبه ، قال تعالى : ( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ) (33) ) ص ، ومن مواقف توبته وأوبته أيضا فيما حكاه لنا القرآن الكريم عنه في قوله تعالى :(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ) ص ، قال الألوسي: وأظهر ما قيل في فتنة سليمان- عليه السلام- أنه قال: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة. تأتى كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله- تعالى- ولم يقل إن شاء الله. فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة وجاءت بشق رجل. وقد روى ذلك الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة مرفوعا، وفيه : «فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا فرسانا» . والمراد بالجسد ذلك الشق الذي ولدته له. ومعنى إلقائه على كرسيه: وضع القابلة له عليه ليراه ،وقد ذكروا أن سليمان: إنما قال: «تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله» على سبيل التمني للخير، وطلب الذرية الصالحة المجاهدة في سبيل الله. ومعنى «فلم يقل» أي: بلسانه على سبيل النسيان، والنسيان معفو عنه، إلا أن سليمان- عليه السلام- لسمو منزلته اعتبر ذلك ذنبا يستحق الاستغفار منه، فقال بعد ذلك «رب اغفر لي … » . 2- ومِن صفات سيدنا سليمان عليه السلام القياديَّة تفقُّد الرَّعية: فمِن مَهامِّ القائد أن يُتابع ويتفقَّد رعيته، فضلاً عن جنوده؛ قال تعالى: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴾ [النمل: 20]، والتفقد يكون وَفْقَ سياستين: الأولى: المتابعة المَيدانيَّة والمراقبة، ومعرفة المقصِّرين والذين يقومون بتطبيق القوانين مِن المخالفين، ومَن يقوم بالأعمال على الوجه الأمثل مِن غيره. الثانية: معرفة من يحتاج للمساعدة بشتى أنواعها؛ المالية والصحية، وغيرها. وفي موضوع تفقُّد النبي سليمان عليه السلام مجموعة من المسائل: الأولى: أن القائد سليمان عليه السلام كان يتفقَّد كل رعيته بدون استثناء، ولأن الغائب كان في جماعة الطيور، فقد جاء السياق القرآني أنه عليه السلام تفقّد الطير، وإلا فليس من المنطق أن يتفقَّد الطير ولا يتفقد الجنود مثلاً؛ فالقائد الإيجابي يتفقد الرعية كلَّها؛ صغيرَها وكبيرها، غنيَّها وفقيرها، صحيحها وسقيمها، وهكذا كان دَأب القائد سليمان عليه السلام. الثانية: أن الهدهد من المخلوقات الضعيفة؛ لكونه طائرًا، فمِن هنا كانت رسالة لكل قائد أن لا يَنسى في تفقُّده صِغار القوم. وضعفاءهم ، الثالثة: بالرغم من صغر الهدهد وضعفه، فإنه يتمتع بقدرات هائلة؛ فهو يتميز ببصره الثاقب، حتى إنه يستطيع أن يعي ما تحت الأرض لحدٍّ معين، كما أن له القدرةَ على قطع المسافات الشاسعة، فضلاً عن جماله، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: “كان الهدهد يَدلُّ سليمان على الماء” ، بل وكان الهدهد بمثابة مسؤول الاستخبارات الذي يأتي بالأخبار عمَّا يَجري في محيط الدولة التي يقودها النبي سليمان عليه السلام، ولهذا فإن على القائد متابعةَ ذَوي القدرات المتميزة والمهارات الخاصة، وتخصيصَهم بالتفقد وغيره، كما يمكنه أن يُعطيَهم مَهَمَّات إضافية، ويتواصلَ معهم بشكل دائم. الرابعة: أن سليمان عليه السلام افتقد الهدهد بنفسه؛ حيث قال: ﴿ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ﴾ [النمل: 20]، فلم يعتمد على تقارير الآخرين، وإن جاءت للقائد تقاريرُ هو بحاجة لها ، فينبغي أن يتوثَّق منها بنفسه؛ لئلا يكون ما يَدفع كاتبَها أسبابٌ شخصية ،أو مصالحُ دنيوية أو عداوة معيَّنة في تعيين أخطاء الآخرين وكشف عَوارهم. ونلاحظ أيضا في قصة سيدنا سليمان مع الهدهد أنه كان متوازنا في اصدار أحكامه ، فقال عن عقابه للهدهد بسبب غيا به :(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) ) ،فقد يأتي الهدهد بسبب مقبول عن غيابه فلا يستحق العقوبة ،بل قد يستحق المثوبة بدل العقوبة ، 3- ومِن صفات سيدنا سليمان عليه السلام القياديَّة الشعور بالمسؤولية عن هداية الآخَرين: وهي صفة من صفات القائد الإيجابي، بل هي واجبة عليه، فهو يَشعر بأن مسؤولية إضافية تقع على عاتقه تتجلَّى في هداية الآخرين ونشر الفضيلة بينهم، وإن لم يكونوا من رعيته أو أتباعه، ومن هنا كتب نبيُّ الله سليمان عليه السلام إلى بلقيس وقومها كتابًا يَدعوهم فيه للدخول في الإسلام، ويلاحظ أن كتاب سليمان عليه السلام لم يكن فيه إطناب وسَرْد طويل للكلام، وإنما كان موجزًا وواضحًا، وبِلُغة بسيطة ومفهومة، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 30، 31]، وهذه صفة مهمة في مخاطَبات القائد الإيجابي؛ يختصر الكلام حتى لا يتيه الآخرون بين كثرة المعاني وطول الكلام؛ يقول الطبري: “وكذلك كانت تَكتب الأنبياء، لا تُطنِب، إنما تَكتب جُملاً، قال: لم يَزد سليمان على ما قصَّ الله جل جلاله في كتابه ،يقول ابن جرير الطبري في تفسيره: “وكان – سليمان عليه السلام – مع ذلك رجلاً حُبِّب إليه الجهاد والغَزو، فلما دلَّه الهدهد على مُلكٍ بموضع من الأرض، هو لغيره، وقوم كفَرة يعبدون غير الله جل جلاله، له في جهادهم وغزوهم الأجرُ الجزيل، والثواب العظيم في الآجل، وضمُّ مملكة لغيره إلى مُلكه حقَّت للهدهد المعذرة، وصحَّت له الحجَّة في مَغيبه عن سليمان” . ومن هنا فإنَّ الهدهد حين جاء بالنبأ للنبيِّ سليمان عليه السلام قدَّم له بما يُلائم مقام الجهاد والغزو؛ فهو يخاطب القائد بما يَنسجم مع توجُّهه العام، وهذا يَعني أن هناك لغةً مشتركة وتفاهمًا إيجابيًّا بين القائد ومَن يعمل معه. 4- ومِن صفات سيدنا سليمان عليه السلام القياديَّة المحاسبة: فمن صلاحيات القائد الإيجابي أنه يحاسب من بمعيَّته، ولكنَّ الحساب يكون بالحق؛ فمن يقصِّر متعمِّدًا، أو يتهاون، أو يَخرق القوانين، فلا بد له من المحاسبة، تتبعها العقوبة إذا اقتَضَت الضرورة، ومن غير المحاسَبة يَتيه الأتباع، ويمارسون الخطأ، ويتجاوزن الأنظمة غير آبِهين بما يَجري ولا بالنتائج المترتِّبة على ذلك العمل؛ لهذا قال أحد الحكماء: “من أمِنَ الحساب أساءَ الأدب”، ومن هذا المبدأ بيَّن نبيُّ الله سليمانُ عليه السلام أنه سيُحاسِب ويعاقب الهدهد إذا ثبَت تقصيره؛ قال تعالى: ﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾ [النمل: 21]. وحين يَغيب أحدُ أتباع القائد – سواء كان جنديًّا، أو يعمل بوظيفة مدنية – من غير عذر، أو طلبِ إذنٍ بالغياب، يجب على القائد محاسبته، وإذا اقتضى الأمر معاقبته، وجاءت قرارات سليمان عليه السلام بعقوبة الهدهد نتيجة لغيابه في ثلاثة احتمالات: الأول: إذا كان الغياب تقصيرًا أو غفلةً أو انشغالاً بأمور أخرى خارج المهمَّة الوظيفية الملقاة على عاتقه، فستكون العقوبة شديدة وفيها العذاب، الثاني: إذا كان الغياب بسبب الخيانة، واللجوء إلى دولةٍ أخرى، فهنا تكون العقوبة بالقتل، لأن الجريمة هي جريمة الخيانة العظمى، فاقتضى أن تكون العقوبة تناسبها. الثالث: في حالة أن يقدم الهدهد عذرًا مقبولاً ومشفوعًا بدليل قاطع ليس فيه لبسٌ على ما كان من سبب غيابه، عن ذلك ستُلغى فكرة العقوبة من الأصل. وبالفعل؛ فحين عاد الهدهد قدَّم عذرًا تضمَّن أدلة علمية وحججًا واضحة؛ وقد اقتنع سليمان بإدراك الهدهد لهذا كلِّه، فقال له: ﴿ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النمل: 27]” .وهكذا تكون شخصية القائد ،فهو لم ينف الخبر ولم يثبته، بل سوف يتأكد من صحة الخبر قبل اتخاذ القرارات
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( شخصية القائد عند ( سيدنا سليمان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومِن صفات سيدنا سليمان عليه السلام القياديَّة النفوذ الواسع: والنفوذ: هو القدرة على إحداث أمرٍ أو منعه، وهو مرتبطٌ بالقدرات الذاتية، ويُضاف لها الإمكاناتُ الماديَّة والصلاحيات الممنوحة والأدوات المتوفِّرة، فمِن أجل أن يَكون سليمانُ عليه السلام قادرًا على التغيير فإنه يحتاج إلى نفوذٍ واسع، ومن حكمته عليه السلام أنه طلَب نفوذًا عظيمًا؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [ص: 35 – 39]. واستجاب ربُّ العزة جل جلاله لدعائه، وأعطاه ما طلب؛ ليُمارس دور القائد بإمكاناتٍ هائلة، فمِمَّا أعطى الله جل جلاله لنبيه سليمان عليه السلام: أن – سخَّر له الرِّيح.- سخر له الشياطين يعملون له ما شاء.– علَّمه منطق الطير. – خوَّله فيما أعطاه بالعطاء أو المنع أو التصرف من غير حساب. 6- ومِن صفات سيدنا سليمان عليه السلام القياديَّة رفض الرشوة: وهنا يَنبغي للقائد أن يميز جيدًا بين الرِّشوة وبين الهديَّة، وتتدخَّل في هذا التمييز مجموعةٌ من العوامل؛ فمِنها العلم، ومنها التقوى، ومنها نَقاء السريرة، ومنها صدق النِّية، فالهدية والرِّشوة في العطاء والأخذ متشابهتان، ولكن الفرق في النوايا والنتائج، ومن هنا ميَّز النبيُّ سليمان عليه السلام أنَّ ما أرسلته الملكة بلقيس إنما كانت بمثابة الرِّشوة، لعله يرجع عن قراره حين دعاهم للإسلام؛ لذلك فإنه عليه السلام رفَضها رفضًا قاطعًا، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ [النمل: 36] ، فقد اعتبر النبيُّ سليمان عليه السلام هديَّة بلقيس رشوة، حين قالت: ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل: 35]، فما دامَت الملكة بلقيس تَنتظر أن يَرجع مَن أرسلته بالهدية بالنتيجة فقد كانت تنتظر المقابلَ لتلك الهدية، فتكون رشوة وليست هدية. 7- ومِن صفات سيدنا سليمان عليه السلام القياديَّة مواكبة التطور العلمي واستثماره: ومن ذلك أنَّ سُليمان عليه السلام استغلَّ العلم في صناعة الزجاج، واستثمر ذلك في إبهار بلقيس من أجل هِدايتها، فأمر عليه السلام بأن تُزجَّج الأرض التي استقبَل عليها بلقيس، وجعل مِن تحت الزجاج الشفاف ماءً يَجري، فلما رأته ظنَّت أنه بِركةً من ماء، فرفعَت ثيابها من أجل أن لا تبتلَّ، قال تعالى: ﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44]. 8- ومِن صفات سيدنا سليمان عليه السلام القياديَّة فَهم لغات الرعيَّة وإن اختلفَت، والقائد الإيجابي يحتاج لأن يتكلم بلُغة رعيته؛ فإنها قد تختلف لهجات الأمة بسبب اختلاف الأعراق، أو المناطق، أو الجنس، وإن التفاهم بين القائد وأتباعه عبر المترجِمين قد يُحدث خللاً في الفَهم، ولقد منَّ الله جل جلاله على سليمان عليه السلام أنْ علَّمَه لغات الحيوانات والحشرات وغيرها؛ لأنها عمَليًّا كانت مِن رعاياه وتعمل تحت أمره. قال تعالى: ﴿ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴾ [النمل: 16]. ومنها لغة النمل، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ﴾ [النمل: 18، 19]. 9- ومِن صفات سيدنا سليمان عليه السلام القياديَّة الشكر ، والتواضع: فكان نبي الله سليمان عليه السلام يَعلَم أن الشكر صفةٌ ينبغي أن تلازم القائد الإيجابي، فكان عليه السلام ما إن يَرى نعمةً من الله جل جلاله حتى يُبادر بالشكر لله جل جلاله؛ فقد قالها حين سمع كلام النملة وفَهِم قولَها؛ قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 18، 19]. وقال النبي سليمان عليه السلام بالشكر عندما جاء ذلك الرجلُ – الذي يَعلم اسمَ الله الأعظم – بعرش بلقيس ووضَعه أمام ناظره، قبل أن يرتدَّ إلى سليمان عليه السلام طرْفُه، قال تعالى: ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40]،
الدعاء