خطبة عن(حديث كُنْتُ لَكِ كَأَبِى زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ)
نوفمبر 2, 2016خطبة عن ( خلق التغافل )
نوفمبر 4, 2016الخطبة الأولى عن حديث ( أم زرع )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ لاَ سَهْلٌ فَيُرْتَقَى وَلاَ سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ. قَالَتِ الثَّانِيَةُ : زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَهُ إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. قَالَتِ الثَّالِثَةُ : زَوْجِي الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ. قَالَتِ الرَّابِعَةُ : زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لاَ حَرٌّ وَلاَ قُرٌّ وَلاَ مَخَافَةَ وَلاَ سَآمَةَ. قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. قَالَتِ السَّادِسَةُ : زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ وَلاَ يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ. قَالَتِ السَّابِعَةُ : زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلاًّ لَكِ. قَالَتِ الثَّامِنَةُ : زَوْجِي الرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ. قَالَتِ التَّاسِعَةُ : زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِي. قَالَتِ الْعَاشِرَةُ : زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ ،مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلاَتُ الْمَسَارِحِ إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ. قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ فَمَا أَبُو زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِىٍّ أُذُنَيَّ وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَىَّ نَفْسِى وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشَقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ . أُمُّ أَبِى زَرْعٍ فَمَا أُمُّ أَبِى زَرْعٍ عُكُومُهَا رَدَاحٌ وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ. ابْنُ أَبِى زَرْعٍ فَمَا ابْنُ أَبِى زَرْعٍ مَضْجِعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ. بِنْتُ أَبِى زَرْعٍ فَمَا بِنْتُ أَبِى زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا. جَارِيَةُ أَبِى زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبِى زَرْعٍ لاَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا وَلاَ تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَتْ خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ فَلَقِىَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا :فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلاً سَرِيًّا رَكِبَ شَرِيًّا وَأَخَذَ خَطِّيًّا وَأَرَاحَ عَلَىَّ نَعَمًا ثَرِيًّا وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا. قَالَ كُلِى أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ ،فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِي مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِى زَرْعٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ ».
إخوة الإسلام
هذا الحديث الشريف قد جمع الكثير من الفوائد وحسن العشرة ، وقد أورده الامام البخاري في صحيحه في باب (حسن العشرة مع الأهل) ، ولذا كان من المهم على الأزواج خاصة أن يتدارسوه ليقفوا على ما جاء فيه من حسن العشرة مع الزوجات، وما تحبه الزوجة من زوجها وما تكرهه ، وما تسعد به وما تحزن منه، ولهذا فقد تعرض لهذا الحديث الكثير من العلماء بالشرح والتوضيح ، للوقوف على ما يحمله من معان ،وذلك بجانب ما فيه من بلاغة وحسن بيان
وسوف أتناول معكم اليوم إن شاء الله هذا الحديث لنستلهم منه الدروس والعبر ،ونأتي إلى قول الزوجة أو المرأة الأولى ، فقد قالت في وصفها لزوجها : ( قَالَتِ الأُولَى زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ لاَ سَهْلٌ فَيُرْتَقَى وَلاَ سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ.) ،فهي تصف زوجها في أخلاقه وطباعه ومعاملته معها ، كأنه (لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ) فهي قد شبهته بلحم جمل هزيل ( فلحمه رديء) (عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ ) أي فوق رأس جبل يصعب الصعود إليه ، (لَا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ ) فلا الجبل سهل طلوعه فَيُرْتَقَى ، ولا اللحم بلحم جيد يستحق التعب في الصعود إليه ) ،فهي قد شبهت زوجها باللحم الغث، وشبهت سوء خلقه بالجبل الوعر، ، وغرض المرأة من ذلك الوصف والتشبيه ، أنها تصف زوجها بقلة الخير، ومع قلة خيره فهو متكبر متعال يصعب التعامل معه ، وهكذا هي طباع بعض الأزواج مع زوجاتهم ، فترى أحدهم سيء الأخلاق ، سيء المعاملة مع زوجته ، قليل الانفاق ، وفوق ذلك كله فهو متكبر على زوجته ، ويعاملها وكأنها من عبيده ، فمثل هذا لا يوجد من خيره ما يستر عيوبه ، فهو مع أخلاقه السيئة ، فلا خير منه ، ولا خير فيه ، لا في إنفاقه ، ولا في معاملاته ، ولا في معاشرته لها ، ففي كل الأحوال ، لا خير فيه ، ولا فائدة من ورائه ( لا للصيف ولا للضيف) ،والرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا أن نكون هينين لينين مع أهلنا وأولادنا ومع كافة الناس فعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ كَالْجَمَلِ الْآنِفِ إِنْ قِيدَ انْقَادَ، وَإِنْ أُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا. فعلى الزوج أن يكون معتدلا في علاقته مع زوجته وأولاده ، نعم يكون حازما قويا في المواقف التي تتطلب الحزم والقوة ، ويكون سهلا لينا في المواقف التي تتطلب السهولة واللين ، ومن أقوال الحكماء ( لا تكن يابسا فتكسر ، ولا لينا فتعصر ) أي كن معتدلا ، فالرجل المتواضع اللين الهين ، تحبه زوجته وأولاده ، ويكون محترماً عند الناس كلهم، فلا أحد يكرهه، ولا أحد يسبه وأما الإنسان المستكبر على زوجته وأهله والمحتقر لغيره، تجده مكروهاً مذموماً عند أهله وعند الناس، ونأتي إلى قول المرأة الثانية : قالت : ( زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ ، إِنْ أَذْكُرْهُ ، أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ ) وهي تعني بقولها ( زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ ) أي لا أريد أن أتكلم عن زوجي ، وذلك لكثرة عيوبه الظاهرة و الخفية ، ولا أريد أن أنشر خبره كيلا يفتضح أمره . أو يكون ذلك سببا لفراقي أو طلاقي منه (إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ ) و أنا أخاف أن لا أقدر على تركه لعلاقتي به وأولادي منه ، فهو مع كونه حقيقاً بالمفارقة ، ومع أنني لست سعيدة معه ، ولا أرتاح لطباعه وأخلاقه ، إلا أنني أخاف منه أن يطلقني ، وأخاف من طلاقه لي لما بيننا من العلائق والأسباب ، فقد يصل إليه ما قلت فيطلقني ، فأضيّع أطفالي ، وأخسر بيتي .
ولكن ، إذا كان ولا بد من الكلام عنه ، وإذا طلب مني الكلام عنه فماذا أقول ؟ فإن عيوبه أكثر من أن تعد أو تحصى
ثم قالت : (إِنْ أَذْكُرْهُ ، عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ ) ،.أي: ولكني إن تكلمت عنه ( أَذْكُرْهُ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ ) فهو أعجر أبجر ، أي كثير العيوب ، والعجر: جمع عجرة، وهي العقد في الأعصاب والعروق المجتمع تحت الجلد. والبجر: جمع بجرة، وهي انتفاخ يحصل في البطن والصرة ، وهي كناية عن كثرة عيوبه ومعايبه ،وهكذا يكون بعض الأزواج ، فهو كله عيوب وأعجر وأبجر ، ومع ذلك تتحمل الزوجة طباعه وعيوبه من أجل أن تسير سفينة الحياة الزوجية معه، ومن أجل أولادها ، وحتى لا تنضم إلى قافلة المطلقات في البيوت ، فهي تختار أخف الضررين ، فالصبر على طباع الزوج ، أهون على المرأة من أن تعيش وحيدة لا راعي لا ، ولا أنيس ،ثم نأتي إلى قول المرأة الثالثة: قالت : ( زَوْجِي الْعَشَنَّقُ ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ ) ،وفي قولها ( زَوْجِي الْعَشَنَّقُ ) فالْعَشَنَّقُ : هو الطويل الفارغ ، فهي تقول: ليس عنده أكثر من طوله ، ولكنه طول بلا نفع ، فهو طويل القامة ولكنه فارغ العقل ، أحمق في تصرفاته وأفعاله ، فطوله بلا فائدة ، ، وعقله في لسانه ، : لا يرعى لي ذمة ، ولا يحفظ لي مكانة ، وأن أتحمله على مضض ،ثم تقول عن معاملته معها ( إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ ) فإذا ذكرت له عيوبه ، وواجهته بأخطائه طلقني ، وإن سكت عنها علقني ، فتركني لا عزباء ولا متزوجة ، فأنا في كلتا الحالتين غير سعيدة معه ، وهذا الصنف من الرجال موجود ، فعلى المرأة التي اختارته زوجا لها واغترت بطوله وهيئته وهندامه ، ولم تنظر إلى عقله وتفكيره وتصرفاته ، نقول لها اصبري واحتسبي ، ثم ننتقل إلى الزوجة الرابعة : قَالَتْ الرَّابِعَةُ ( زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ ) و في هَذَا مَدْح بَلِيغ ، فهذه الزوجة تمدح طباع زوجها ، فتقول فيه : ( زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ ) وليل بلاد تهامة بالحجاز ليل معتدل ، لا حر ولا برد ، فهي تريد أن تقول : إن زوجي شبيه بليل تهامة ، فهو معتدل الأخلاق ، متوسط في رضاه وسخطه، لَيْسَ فِيهِ أَذَى ، بَلْ هُوَ رَاحَة وَلَذَاذَة عَيْش ، ( وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ ) أي : هي لا تشعر معه بالخوف بل تشعر معه بالأمان ، وترتاح وتسعد لمقدمه ووجوده وحديثه معها ، وهي آمنة معه أيضا ، فلا يهددها بالطلاق أو بالزواج عليها ، أو بعدم الانفاق ، كما يفعل بعض الازواج ، فهي معه آمنة مطمئنة سعيدة مسرورة
( وَلَا سَآمَةَ ) أي ولا تشعر معه بالملل ، ولا تسأمه ، فلا تسأم الحديث معه ، والقرب منه ، وهذا إن دل فإنما يدل على طيب أخلاقه ، وحسن عشرته ، ومعاملته معها ، وهذا لا ينفي أن يكون عند هذا الزوج بعض العيوب ، فلا يوجد إنسان كامل ، فكلنا فيه عيوب ولكن فيه مميزات ، ولكن هذه الزوجة أنستها مميزاته عيوبه ، لأن مميزاته اكثر من عيوبه ،ونقول لبعض الزوجات كثيرات الشكوى من أزواجهن ، أذكري محاسن زوجك ، وغضي الطرف عن عيوبه ، ولا تكوني من أولئك اللاتي وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ » . قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ « يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ » . ونأتي إلى الزوجة الخامسة : قَالَتْ الْخَامِسَةُ : ( زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ ) ، فهي تمدح زوجها
وقولها : ( زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ ) أي: كان كالفهد – وشبهته بالفهد لكثرة نومه ، أو قيل لكثرة جماعها ونكاحها وتلك من صفات الفهد (وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ ) وَهُوَ وَصْف لَهُ بِالشَّجَاعَةِ والقوة ، وَمَعْنَاهُ إِذَا صَارَ بَيْن النَّاس أَوْ خَالَطَ الْحَرْب كَانَ كَالْأَسَدِ في الاقدام فهو يهجم ولا يفر ، وقوي مهاب ، لا يضيع حقه ويخشى بأسه ،وقولها (وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ ) أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه – فهو يتغافل عن أحوال البيت، والمرأة بطبعها تحب أن تتصرف في شئون بيتها دون أن يتدخل في شؤنها أحد ، ولذلك تكره المرأة الرجل الذي يحاسبها على القليل والكثير من متاع البيت ، أو من أموال أو طعام وشراب وخلافه ،فهي تقول (وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ ) فهو كريم لا يسأل عما ترك في البيت من زاد أو طعام ، أو غيره . ونأتي إلى قول الزوجة السادسة: قَالَتْ السَّادِسَةُ : ( زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ وَإِنْ اضْطَجَعَ الْتَفَّ وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ ) وهذه الزوجة تذم أخلاق زوجها ، ولا تمدحه فتقول: ( زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ ) أي أنه إذا أكل ، دار على كل الطعام فلم يترك منه شيئا ، وإذا شرب أنهى كل الشراب فلا يبقي منه لها نصيبا ، أو قد تكون قصدت بقولها ( زوجي إن أكل لف) ،أي: ضم وخلط صنوف الطعام بعضها ببعض، إكثاراً من الأكل ، وإن كان المعنى هذا أو ذك فهو خلق مذموم ، وسلوك مكروه ، وعلى الانسان أن يكون معتدلا في طعامه وشرابه ، قال تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف (31) وعلى الرجل أن يواكل زوجته ، أو يبقي لها من طعامه وشرابه ،فعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : تُطْعِمُهَا إذَا أَكَلْت وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْت ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ ، وَلَا تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُد ،أما قولها 🙁 وَإِنْ اضْطَجَعَ الْتَفَّ) أي : وإذا نام تنحى عنها وابتعد ، والتف بثيابه ، ولم يترك لها شيئا من الكساء تتغطى به ، ولا يتعرف ما عندها من حب قربه ، ولا يمد يده إليها ليعلم حزنها أو سوء حالها ،، فهي تريد أن تقول : لا يضاجعني ولا يتحدث معي ، ولا يسأل عني . وأما قولها (وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ ) قيل: أرادت لا يدخل يده في أموري يعرف ما أكرهه ويصلحه. وقيل: أرادت أني إذا كنت عليلة لم يجئني، ولم يدخل يده تحت ثيابي ليعرف مالي. فالبث: أشد الحزن ، فهو لا يتعرف على أحزاني .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( شرح حديث أم زرع )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم نأتي إلى الزوجة السابعة : قَالَتْ السَّابِعَةُ: (زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ ) وهذه الزوجة أيضا تذم أخلاق زوجها ومعاملته معها فهي تقول : ( زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ ) وتعني أن زوجها لا يهتدي لمسلك يسلكه لمصالحه ، وأنه لا يستطيع إتيان النساء من العي وهو الضعف ، وأنه أحمق تطبق عليه الأمور و ما تفرق في الناس من العيوب موجود لديه ومجتمعة فيه وتعني ،وتقول (شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ ) أي أنه كثير الضرب وشديد فيه، لا يبالي ماذا أصاب فهو إما يجرحها في رأسها أو يكسر ضلوعها أو الاثنين معا) : فالعياياء: من العي،أي ليس له في النساء ، أو من الغي وهو الشر ،والطباقاء : هو الأحمق الذي انطبقت عليه الأمور فلا يهتدي إلى الخروج منها، فهو عاجز ، خائب بلغ في دائه منتهاه ، وقيل: هو الذي لا يأتي النساء ،كل داء له داء : والمعنى: إن العيوب المتفرقة في الناس مجتمعة فيه ،وشجك، أوفلك، الشج: الجرح في الرأس والوجه، والفل: الكسر،أي أنها معه بين شج الرأس بالضرب أو كسر عضو من أعضائها أو جمع بين الجروح والكسور ،والمعنى: أنه سيء الخلق يضرب امرأته بحيث يشج أو يفل أو يجمعهما معاً ،وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب المبرح الموجع للنساء ، ففي الحديث الذي يرويه الإمام أحمد وغيره ، يقول صلى الله عليه وسلم (وَلاَ تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِى الْبَيْتِ » نعم قد يكون الضرب وسيلة من وسائل التقويم والتأديب والتهذيب والتخويف ، ولكنه لا يصلح لكل الزوجات ، والدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظ زوجاته ، وهجرهن شهرا ، لكنه لم يضربهن ، وفي سنن البيهقي :(عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ : كَانَ الرِّجَالُ نُهُوا عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ ثُمَّ شَكُوهُنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ضَرْبِهِنَّ ثُمَّ قُلْتُ : لَقَدْ طَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ قَدْ ضُرِبَتْ. قَالَ يَحْيَى : وَحَسِبْتُ أَنَّ الْقَاسِمَ قَالَ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ بَعْدُ :
« وَلَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ ». ولذلك جاء في رواية صحيح ابن حبان (وايم الله لا تجدون أولئك خياركم ) كما أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يكون الضرب هدفا في ذاته أو غاية يسعى لتحقيقها ، ولكنه وسيلة تصلح مع بعض الزوجات ، ولا تصلح عند أكثرهن ، ففي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ » وفي رواية البيهقي جاء الحديث بصيغة الاستفهام الاستنكاري فقال « أَيَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ كَمَا يَضْرِبُ الْعَبْدَ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ ؟؟» إذن ، فوسيلة الضرب كما قلت لكم ، قد تصلح لقليل من الزوجات ، ولكنها لا تصلح مع طيبات الأخلاق ، عفيفات اللسان ، كريمات السلوك ،وكما قال الشاعر : العبد يقرع بالعصى والحر تكفيه الإشارة ،وإذا لزم الأمر ، وأرغم الزوج على الضرب ، فبين لنا الشرع الحنيف كيف يضرب؟ ،فقد روى مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قال فيما قال : (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ.
فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) والضرب الغير مبرح ، أي ضربا رحيما ، مهذبا ، وكما بينه العلماء بأن لا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تكسر لها عظما ، ولا يترك له أثرا في أعضائها ، وفي مجمله (هو ضرب خفيف باليد ، وليس بآلة ، ويكون بعيدا عن الوجه والرأس ) وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا هدد أو توعد بالضرب ، كان يهدد بالضرب بالسواك ، وما أدراك ما السواك؟؟؟
ففي المعجم (عن أم سلمة قالت : دعا النبي صلى الله عليه و سلم وصيفة له فأبطأت عليه فقال : ( لولا مخافة القود يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك ) أما المرأة الثامنة : قَالَتْ الثَّامِنَةُ : ( زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ )
وهي بذلك تمدح أخلاق زوجها وصفاته ، وتعني بقولها (زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ ) أنه حسن الخلق ، ولين الجانب، كمس الأرنب ، وأنه طيب رائحة العرق، لنظافته وكثرة استعماله الطيب) وقالوا (الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ ) يجوز أنها تريد أنه لين البشرة والزرنب : هو نبات طيب الريح . وقد يكون أنها أرادت أن زوجها طيب الذكر والسيرة عند الناس، حسن السمعة فهو بذلك جمع بين حسن العشرة ، وطيب الثياب والرائحة ، وكريم الأخلاق معها ومع الناس وفي معجم الطبراني (قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : حرمت النار على الهين اللين السهل القريب ) ونأتي إلى وصف المرأة التاسعة: قَالَتْ التَّاسِعَةُ 🙁 زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنْ النَّادِ)
وهذه الزوجة تمدح زوجها بأبلغ الكلمات ، وأحسن العبارات فقولها (زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ ) أي أعمدة منزله عالية ، وفي ذلك كناية عن ارتفاع شرفه ومكانته بين الناس وقولها (طَوِيلُ النِّجَادِ ) فالنجاد: حمالة السيف، وهو ما يتقلد به ، وذلك كناية عن امتداد قامته، وحسن منظره. وقولها: (عَظِيمُ الرَّمَادِ )، كناية عن كثرة ضيافته، وقد تشير به إلى طبخه اللحوم والأطعمة التي يحوج طبخها إلى النيران العظيمة،. ويحتمل أنها تريد أن تقول : أنه لا يطفئ ناره ليلاً ليهتدي بها الضيفان فيأتونه. وقولها (قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنْ النَّادِ ) فالنادي ، والمنتدى: هو مجلس القوم ومجتمعهم، والكريم يقرب بيته من النادي ليظهر ويعرف فيغشى، ويروى بعد هذه الكلمات (لا يشبع ليلة يضاف، ولا ينام ليلة يخاف)، وأرادت بالأول: أنه يؤثر الضيفان بطعامه، والثاني: أنه يستعد ويتأهب للعدو ويأخذ بالحذر. ومجمل وصفها لزوجها أنها تمدحه ، فوصفته بالرفعة و الشرف و طول القامة والكرم ،ونأتي إلى الزوجة العاشرة : قَالَتْ الْعَاشِرَةُ 🙁 زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ ) ، وهي بذلك تمدح زوجها فقولها : (زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ) ، أرادت به تعظيمه ، والتعجب من أمره. ثم قالت :(مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ ) ، أي: هو فوق كل وصف ، لما يوصف به من الجود والأخلاق الحسنة، وقد تريد إشارة إلى الذين مدحتهم من قبل، وتقول: هو خير منهم. ثم قالت : (لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ ) :أي له إبل كثيرات المبارك ، فهو يتركها تبرك بفناء منزله ، لتكون قريبة ومعدة ومجهزة للضيفان ، فيطعمهم من لحومها وألبانها ،
وهن (أي الابل) قليلات المسارح، أي : قل ما يسرحها لئلا يتأخر عن قرى الضيف واكرامه بأفضل المأكولات
فهو يكثر نحر الابل لأضيافه بعدما بركت، فتكون قليلة إذا سرحت، وإن كانت كثيرة عند البروك. وقيل أرادت بكثرة المبارك أنها محبوسة للأضياف، فتقام للحلب مرة بعد أخرى، فيتكرر بروكها بعد الإقامة. وأما قولها : ( وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ ) فالمعزف: هو العود الذي يضرب عليه ، والمقصود أن إبل زوجها مالك قد اعتادت منه إكرام الضيفان بالنحر لهم وبسقيهم وإتيانهم بالمعازف، فإذا سمعت الابل صوت المعزف أيقنت بالنحر.( أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ ) وقد قيل أن المقصود بالمزهر هو الذي يزهر النار ويوقده ،: فإذا سمعن صوت موقد النار. أيقنت الأبل أنهن سيذبحن للضيوف وهي تعني أن زوجها يملك من المحاسن أكثر مما ذكرن من قبل من الغنى و حسن الخلق و الكرم
ثم نأتي إلى الزوجة الأخيرة و الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ، وهي من سمي الحديث على اسمها ، ( أم زرع ) وذلك لكثرة وصفها وذكرها لمناقب زوجها ، وحبها الباقي لزوجا الأول ، وذلك هو حديثنا في اللقاء القادم إن شاء الله
الدعاء