خطبة عن (نداء:أيها الشاب الغافل عن مصيره
أكتوبر 16, 2016خطبة عن ( سبل النجاة من الفتن )
أكتوبر 18, 2016الخطبة الأولى ( شرح حديث: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ »
إخوة الإسلام
يُحذِّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته في هذا الحديث من الوقوع في الذنوب المهلكة، والكبائر العظيمة التي تورد صاحبها المهالك، حيث عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً من هذه الذنوب والكبائر وهي ليست للحصر، بل قد وردت نصوص أخرى بذكر بعض الكبائر والذنوب كعقوق الوالدين، والظلم، وشهادة الزور، وغيرها كثير. وقد صنَّف العلماء قديماً وحديثاً في باب الكبائر والذنوب والمهلكات ، وهذا يدل على خطر الوقوع فيها، مما يستلزم الحذر منها، والمسارعة إلى التوبة، والاستغفار، والإنابة إلى الله تعالى عند الوقوع فيها ،يقول الله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً *يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ (الفرقان:68-70).
أيها المسلمون
ونأتي إلى ﺍﻟﻤﻮﺑﻘﺔ الأﻭﻟﻰ والتي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه : وهي اﻹﺷﺮﺍﻙ ﺑﺎﻟﻠﻪ: فالشرك بالله : هو أن تجعل لله نداً في ركن من أركان التوحيد ، ، فالشرك يقابل التوحيد ، والتوحيد نوعان ، توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ( العبادة) ، (أ) توحيد الربوبية : وهو توحيد الذات والصفات والأفعال ، والاعتراف بأن الله خالق كل شيء ، ومدبر السموات والأرض المتصرف فيهما بقدرته وإرادته وحده ، وهو الرازق لعباده ، صاحب القدرة المطلقة ، والقيومية المطلقة ، فالله واحد في ذاته ، واحد في صفاته ، واحد في أفعاله ، فلا تشابه ذاته ذوات المخلوقين ، ولا تشابه صفاته صفات المخلوقين ، ولا تشابه أفعاله أفعال المخلوقين ، فله الكمال المطلق في كل شيء ، ولا يجوز رفع مخلوق ليشابه الله في ذاته أو صفاته أو أفعاله ، بل فعل ذلك هو الشرك بعينه ، (ب) توحيد الألوهية (العبادة ) وهو ثلاثة أركان ، توحيد الطاعة بقبول الحكم والتشريع منه وحده ، توحيد النسك ، بقبولها منه وإفراد الله بها ،
توحيد الولاء ( الحب والنصرة والمتابعة ): بجعل كل ولاء تابع للولاء له ، وأن لا يتقدم الولاء لأحد على الولاء لله ، والولاء للرسول وجماعة المسلمين تبع للولاء في الله ، فمن نصر كافراً على المسلمين ، فقد أشرك في الولاء ، ومن أعان علمانياً على فصل الدين عن الحكم والتشريع أو في أي مجال من مجالات الحياة فقد أشرك بالله ونصر على دين الله دينا غيره ، ومن رضى عن هذا وإن لم يعن فهو مشرك ، لأن الرضا بالكفر كفر ،فالشرك بالله في ركن من التوحيد موبقة من الموبقات ، بل هو رأس الموبقات والمهلكات ، وقد توعد الله فاعله بالخلود في النار إلا أن يتوب في الدنيا بترك الشرك والتزام التوحيد ،ﻭﺍﻟﺸﺮﻙ ﻧﻮﻋﺎﻥ: الأﻭﻝ: ﺷﺮﻙ ﺃﻛﺒﺮ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ الإﺳﻼﻡ، ﻭﻳﺨﻠﺪ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺇﺫﺍ ﻣﺎﺕ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﺐ ﻣﻨﻪ، ﻭﻫﻮ ﺻﺮﻑ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻟﻐﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ؛ ﻛﺪﻋﺎﺀ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺍﻟﺘﻘﺮﺏ ﺑﺎﻟﺬﺑﺢ ﻭﺍﻟﻨﺬﺭ ﻟﻐﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﻭﺍﻟﺠﻦ، ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻦ ﺃﻥ ﻳﻀﺮﻭﻩ ﺃﻭ ﻳﻤﺮﺿﻮﻩ، ﻭﺭﺟﺎﺀ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻤﺎ لا ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﻀﺎﺀ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ، ﻭﺗﻔﺮﻳﺞ ﺍﻟﻜﺮﺑﺎﺕ ﻣﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ الآﻥ ﺣﻮﻝ ﻗﺒﻮﺭ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ، ﻗﺎﻝ – ﺗﻌﺎﻟﻰ -: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18]. ﻭﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺷﺮﻙ ﺃﺻﻐﺮ لا ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ الإﺳﻼﻡ، ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻨﻘﺺ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻭﻫﻮ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺮﻙ الأﻛﺒﺮ، ﻭﻫﻮ ﻗﺴﻤﺎﻥ: ﺍﻟﻘﺴﻢ الأﻭﻝ: ﺷﺮﻙ ﻇﺎﻫﺮ، ﻭﻫﻮ “ﺃﻟﻔﺎﻅ ﻭﺃﻓﻌﺎﻝ”؛ ﻓﺎلأﻟﻔﺎﻅ: ﻛﺎﻟﺤﻠﻒ ﺑﻐﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ؛ ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻋﻨﻪ – صلى الله عليه وسلم -: ((ﻣﻦ ﺣﻠﻒ ﺑﻐﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻘﺪ ﻛﻔﺮ ﺃﻭ ﺃﺷﺮﻙ))؛ ﻭﻧﺤﻮ ﻗﻮﻟﻪ – صلى الله عليه وسلم – ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺭﺟﻞ: ﻣﺎ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺷﺌﺖ، ﻓﻘﺎﻝ: ((أﺟﻌﻠﺘﻨﻲ ﻟﻠﻪ ندًّا، ﻗﻞ: ﻣﺎ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ)). ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻙ فهو الشرك الأﺻﻐﺮ: وهو الشرك الخفي ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻓﻲ الإﺭﺍﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﻨﻴﺎﺕ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺴﻤﻌﺔ، ﻛﺄﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻤﻼً ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻘﺮﺏ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ – ﺗﻌﺎﻟﻰ – ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻪ ﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻴﻪ، ﻣﺜﻞ ﺃﻥ ﻳﺤﺴﻦ ﺻﻼﺗﻪ، ﺃﻭ ﻳﺘﺼﺪﻕ لأﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﻤﺪﺡ ﻭﻳﺜﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﺇﺫﺍ ﺧﺎﻟﻂ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺃﺑﻄﻠﻪ، ﻗﺎﻝ – ﺗﻌﺎﻟﻰ -: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]، وأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ » . قَالُوا وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِىَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ».
ﻭﺍﻟﺸﺮﻙ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﺃﺣﺪ ﺃﻛﺒﺮ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ، وﻫﻮ ﺍﻟﺬﻧﺐ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﻐﻔﺮﻩ ﺍﻟﻠﻪ – ﺗﻌﺎﻟﻰ – ﻟﻤﻦ ﻣﺎﺕ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﺐ ﻣﻨﻪ، ﺑﻞ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺼﻴﺮ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺍﻟﻨﺎﺭ؛ قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].
أيها المسلمون
أما ﺍﻟﻤﻮﺑﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ والتي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهي ﺍﻟﺴﺤﺮ: وﺍﻟﺴﺤﺮ عبارة عن ﻋﺰﺍﺋﻢ ﻭﺭﻗﻰ ﻭﻋﻘﺪ ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ الأﺑﺪﺍﻥ ﻭﺍﻟﻘﻠﻮﺏ؛ ﻓﻴﻤﺮﺽ، ﻭﻳﻘﺘﻞ، ﻭﻳﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻭﺯﻭﺟﻪ، ﻭﻳﺄﺧﺬ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﻦ ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺒﻪ،
ﻭﻋﺮﻓﻪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ ﺑﺄﻧﻪ: “ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻣﻮﻏﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻔﺎﺀ، ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻛﺘﺴﺎﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻢ، ﺗﺸﺒﻪ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺤﺪ، ﺃﻭ ﺗﺠﺮﻱ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﻟﺘﻤﻮﻳﻪ ﻭﺍﻟﺨﺪﺍﻉ، ﺗﺼﺪﺭ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ ﺷﺮﻳﺮﺓ ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ”. ﻭقد ﺃﺟﻤﻊ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﺤﺮ ﺣﺮﺍﻡ، ﻭﺗﻌﻠﻤﻪ ﺣﺮﺍﻡ، ﻭﺗﻌﺎﻃﻴﻪ ﺣﺮﺍﻡ، ﻭﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﺤﺮﺓ ﺣﺮﺍﻡ؛ ففي صحيح مسلم (عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ». وفي السحر جمع بين الكفر والإضرار بالناس لما يتوهم العامة والجهلة من قدرة الساحر على ما يريد واستطاعته أن يتصرف في ملك الله بغير إذنه { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } (البقرة 102). وقد اتفق العلماء على حرمة تعلم السحر وتعليمه وتعاطيه وقالوا إن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كان كفراً ، وقال مالك وأحمد وجماعة من الصحابة والتابعين تعاطي السحر كفر يوجب القتل. وقال آخرون يفسقه وأنه يحد بضرب عنقه ، ولا يحكم عليه بالخروج عن الإسلام كما هو مذهب الشافعي إلا إذا قال أو فعل شيئاً من هذا السحر يكفر به كمن يدعي القدرة على تغيير خلق الله أو مضاهاة خلقه أو يزعم أنه يضر وينفع بسحره كما هو شأن السحرة في كل زمان ومكان. وقد أمر أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بقتل السحرة ،وقتلت أم المؤمنين حفصــة – رضي الله عنها – جاريةً لها ساحرة ،وقتل جندب بن عبد الله ساحراً كان يلعب عند الوليد بن عقبة بقطع رأس الرجل ثم يدعوه فيأتي حياً ،أما ﺍﻟﻤﻮﺑﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: فهي ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺇلا ﺑﺎﻟﺤﻖ: ﻭﻳﻌﺘﺒﺮ قتل النفس ﻣﻦ ﺃﻛﺒﺮ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺑﺎﻟﻠﻪ؛ لأﻧﻪ ﺍﻋﺘﺪﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻗﺎﻝ – ﺗﻌﺎﻟﻰ -: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ [الإسراء: 33]. وﺟﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻴﺪ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ – ﺗﻌﺎلى. ﻭﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﺴًا ﻣﺤﺮﻣﺔ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ، ﺇلا ﺃﻥ ﻳﻌﻔﻮ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻘﺘﻴﻞ، ﺃﻭ ﻳﻘﺒﻠﻮﺍ ﺍﻟﺪﻳﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﺧﻄﺄ ﺃﻭ ﺷﺒﻪ ﻋﻤﺪ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﻔﺎﺭﺓ؛ ﻭﻫﻲ: ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺭﻗﺒﺔ ﻣﺆﻣﻨﺔ، ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻓﺼﻴﺎﻡ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﻴﻦ؛ ﻗﺎﻝ – ﺗﻌﺎﻟﻰ -:
﴿ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 92]، ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺇلا ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻟﺸﻲﺀ ﻳﻮﺟﺐ ﻗﺘﻠﻬﺎ. فالإﻧﺴﺎﻥ ﺑﻨﻴﺎﻥ ﺑﻨﺎﻩ ﺍﻟﻠﻪ – ﺗﻌﺎﻟﻰ – ﻓﻼ ﻳﺤﻖ لأﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻬﺪﻣﻪ ﺇلا ﺑﺎﻟﺤﻖ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﻘﺮﺭ الإﺳﻼﻡ ﻋﺼﻤﺔ ﺍﻟﺪﻡ الإﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻭﻣﻦ ﺍﻋﺘﺪﻯ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﺍﻋﺘﺪﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟﻤﻴﻌًا؛ ﻗﺎﻝ – ﺗﻌﺎﻟﻰ -: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32]، ﻭﺑﻬﺬﻩ الأﻭﺍﻣﺮ ﻭﺍﻟﻨﻮﺍﻫﻲ ﺗﺼﺎﻥ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ، ﻭﺗﺤﺘﺮﻡ الأﻋﺮﺍﺽ، ﻭﻳﺴﻮﺩ الأﻣﺎﻥ ﻭﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ. ولنعلم أن موجبات القتل في الإسلام عدة أمور : وهي : الأول : المشرك المحارب والثاني : المرتد المبدل لدينة ، والثالث : النفس بالنفس ، أي القصاص ممن قتل نفساً عمداً ، ولأولياء المقتول أن يسقطوا القصاص ، ويقبلوا الدية ، والعفو هو الأفضل في الشرع ، والرابع: الزنا بعد إحصان : وذلك إذا ثبت بإقرار الفاعل ، أو برؤية أربعة شهود عدول ، رؤية صريحة ، والرؤية الصريحة ( كالميل في المكحلة ) فيجب إقامة الحد ، وليس لأولياء العرض إسقاط الحد ،فهذه الحالات الأربع للقتل بالحق ، ويلحق بها قتل الصائل للدفاع عن النفس ، وقتل الترس إذا توجب ، وقتال أهل البغي وأهل الحرابة إذا توجب ذلك
أيها المسلمون
ونأتي إلى ﺍﻟﻤﻮﺑﻘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ والتي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته : وهي ﺃﻛﻞ ﺍﻟﺮﺑﺎ: والربا ﻋﺮفه ﺍﻟﺤﻨﻔﻴﺔ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻫﻮ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻖ لأﺣﺪ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻭﺿﺔ، ﺍﻟﺨﺎﻟﻲ ﻋﻦ ﻋﻮﺽ ﺷﺮﻁ ﻓﻴﻪ. ﻭﻋﺮﻓﻪ ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ ﺑﻘﻮﻟﻬﻢ: ﺍﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﺯﻥ، ﻣﺤﻘﻘﺔ ﺃﻭ ﻣﺘﻮﻫﻤﺔ، ﻭﺍﻟﺘﺄﺧﻴﺮ. ﻭﻋﺮﻓﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ: ﻋﻘﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﻮﺽ، ﻣﺨﺼﻮﺹ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺘﻤﺎﺛﻞ ﻓﻲ ﻣﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﻘﺪ، ﺃﻭ ﻣﻊ ﺗﺄﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﻟﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﺣﺪﻫﻢ. وﻋﻨﺪ ﺍﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ: ﺍﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ. ﻭبداية نقول : ﻟﻠﺮﺑﺎ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻉ : ومنها : 1 – ﺭﺑﺎ ﺍﻟﻔﻀﻞ: ﻭﻫﻮ ﺑﻴﻊ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺑﻮﻱ ﺑﺠﻨﺴﻪ ﻣﻊ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻌﻮﺿﻴﻦ. 2 – ﺭﺑﺎ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺴﺌﻴﺔ: ﻫﻮ ﺑﻴﻊ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺑﻮﻱ ﺑﻤﺎﻝ ﺭﺑﻮﻱ ﺁﺧﺮ ﻓﻴﻪ ﻧﻔس ﺍﻟﻌﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺟﻞ. 3- ﺭﺑﺎ ﺍﻟﻴﺪ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ: ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﻳﻔﺎﺭﻕ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﺾ؛ “ﺃﻱ: إﻧﻪ ﻳﺒﻴﻊ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺑﻮﻱ ﺑﺂﺧﺮ ﻓﻴﻪ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻌﻠﺔ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺸﺘﺮﻁ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺃﺟﻞ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻌﻘﺪ, ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﺘﺄﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﻗﺒﺾ ﺍﻟﺒﺪﻟﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ, ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ، ﻭﺩﻟﻴﻞ ﻫﺬﺍ: ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻤﺮ – ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -: ((ﺇلا ﻫﺎﺀ ﻭﻫﺎﺀ))؛ ﺃﻱ: ﺧﺬ ﻭﺧﺬ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﻭﺟﻮﺏ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﺾ ﻓﻌﻼً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ. ﻭمن المعلوم أن ﺍﻟﺮﺑﺎ ﻣﺤﺮﻡ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭالإﺟﻤﺎﻉ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ – ﺗﻌﺎﻟﻰ – ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﺑﻬﺎ، ﺑﻞ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ – ﺗﻌﺎﻟﻰ – ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﺑﺎﻟﺮﺑﺎ ﺇﻋﻼنًا ﻟﻠﺤﺮﺏ ﻣﻊ ﺍﻟﻠﻪ؛ ﻓﻘﺎﻝ – ﺗﻌﺎﻟﻰ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130]. وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلاَ الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلاَ الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلاَ الشَّعِيرَ بِالشِّعِيرِ وَلاَ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلاَ الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إِلاَّ سْوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشِّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ ». وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا الْمِلْحَ أَوِ التَّمْرَ وَزَادَ أَحَدُهُمَا :« مَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى » السنن الكبرى للبيهقي ،فآكل الربا محارب لله ورسوله ، وهى حرب ستطحن عظمه ، ولحمه ، ودمه ، وتقدمه طعاماً خبيثاً للنار ، وبئس القرار ، وليس من المحرمات كلها تهديد لفاعلها بالحرب ، كما هدد آكل الربا بالحرب مع الله ورسوله ، “فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ” قال بن عباس في معناها : أي أستيقنوا بحرب من الله ورسوله ، وقال يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب ، ثم قرأ” فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ” ،وفي مسند الإمام أحمد :(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ ». قَالَ وَقَالَ « مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلاَّ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». فأكل الربا وهو استغلال للإنسانية وامتصاص لجهودها وأكل لأموالها بالباطل دون أن يبذل المرابون أي جهد في تلك الأموال المستباحة ، وفي التعامل بالربا محاربة لله ورسوله في الدنيا وهو من موجبات النار ، وكيف لا يكون كذلك والمرابون أشد الناس قسوة وأبعد الناس عن الرحمة بالبشر حيث ينتهزون فرصة إعسار المعسرين وشدة فقرهم وحاجتهم إلى المال فيعطي المائة بمائة وعشرة مثلاً إلى أجل ، فإذا حل الأجل ولم يقم المدين بأداء دينه ربما زاد في الربا وضاعفه عليه أضعافاً، فيلحق بالناس وباقتصادهم من الأضرار والدمار ما لا يعلمه إلا الله. يحيق بآكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه لعائن الله وغضبه – أعاذنا الله من ذلك .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( شرح حديث: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما ﺍﻟﻤﻮﺑﻘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ والتي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته: فهي. ﺃﻛﻞ ﻣﺎﻝ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ: ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ الأﻣﺮ ﺑﺎﻹﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﺘﺎﻣﻰ، ﻭﺍﻟﺴﻌﻲ ﻓﻲ ﺭﻋﺎﻳﺘﻬﻢ، ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ، ﻭﺑﻴﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﺟﺮ ﻋﻈﻴﻢ؛ قال تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى ﴾ [النساء: 36]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 152]. وقوله صلى الله عليه وسلم ” وأكل مال اليتيم ” يعنى التعدي فيه وعبر بالأكل لأنه أهم وجوه الانتفاع ، قال تعالى ” {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [النساء: 10] ،ولعل الفارق بين أكل مال اليتيم ، وغير اليتيم ، وجميعها محرم ، أن اليتيم لا قدرة لديه على المطالبة بحقه ، فهو في حكم العاجز الضعيف ، الذى لا يستطيع الدفع عن نفسه ، لذلك كان أكل ماله أبشع من غيره ، ..والشريعة جاءت لتحقيق مصلحة العباد ، ولذلك جعلت للصبى ولى يقوم بتصريف أموره حتى يعقل ، فإن لم يكن من أقاربه أحد يقوم بذلك ، قامت به الدولة المسلمة ، ويكون القاضي هو ولى الصغير في هذه الحالة ، وجعلت الشريعة من الأسباب الموجبة للحجر الصغر ، لأن الصغير لنقصان عقله لا يستطيع تحديد مصلحته ، فيقوم عنه الولي ، فمن حق اليتامى على الناس أن يكفلوهم ويقوموا بتربيتهم والعناية بشأنهم وينموا أموالهم ويساعدوهم حتى يبلغوا أشدهم ويدركوا رشدهم. وقد زجر الله في محكم كتابه عن أكل مال اليتيم وتوعد على ذلك أشد أنواع الوعيد وزجر عن قربانه إلا بالتي هي أحسن ، ومن التي هي أحسن فعل الأصلح له وتنمية ماله بالبيع والشراء والتصرف بما يعود عليهم بالربح والنماء المباح. ثم نأتي إلى ﺍﻟﻤﻮﺑﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ والتي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته: وهي ﺍﻟﺘﻮﻟﻲ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺰﺣﻒ: فقوله صلى الله عليه وسلم ” والتولي يوم الزحف” أي الهرب من وجه الكفار في أرض المعركة ، وقت ازدحام الطائفين في القتال ، ويكون كبيرة إذا فر الى غير فئة ، أو غير متحرف لقتال ،قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [الأنفال: 15، 16] ، فالتولي يوم الزحف والفرار من لقاء العدو فإن ذلك من الجبن، وفيه إضعاف لشوكة المسلمين وخذلان لهم ،وضياع الدين وتمكين الكافرين من دماء المسلمين ونسائهم وأموالهم. فلا يجوز لمسلم أن يفر من معركة هو الفائز فيها إما بالفتح والنصر وغنيمة ، وإما بالشهادة في سبيل الله. وجاء في الظلال في تفسير سورة الأنفال : ( إن قلب المؤمن ينبغي أن يكون راسخا ثابتا لا تهزمه في الأرض قوة ، وهو موصول بقوة الله الغالب على أمره ، القاهر فوق عباده . . وإذا جاز أن تنال هذا القلب هزة – وهو يواجه الخطر – فإن هذه الهزة لا يجوز أن تبلغ أن تكون هزيمة وفرارا . والآجال بيد الله ، فما يجوز أن يولي المؤمن خوفا على الحياة . وليس في هذا تكليف للنفس فوق طاقتها . فالمؤمن إنسان يواجه عدوه إنسانا ، فهما من هذه الناحية يقفان على أرض واحدة . ثم يمتاز المؤمن بأنه موصول بالقوة الكبرى التي لا غالب لها . ثم إنه إلى الله إن كان حياً ، وإلى الله إن كتبت له الشهادة . فهو في كل حالة أقوى من خصمه الذي يواجهه وهو يشاق الله ورسوله ) . ثم نأتي إلى ﺍﻟﻤﻮﺑﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ: وهي ﻗﺬﻑ ﺍﻟﻤﺤﺼﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﺎﺕ ﺍﻟﻐﺎﻓﻼﺕ: فقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ورميهن بالزنا ونسبتهن إلى الفواحش جريمة عظيمة ،فمن تعمد إلى امرأة كريمة متمتعة بالحصانة والعفة بعيدة عن الريبة ولا تخطر بقلبها الفاحشة فيقذفها بالزنا ويرميها الفاحشة فقد أتى كبيرة من الكبائر . ومن يفعل ذلك يجب أن يأتي أربعة شهداء وإلا فهو عند الله من الكاذبين الفاسقين ولا تقبل له شهادة أبداً ويجب أن يقام عليه الحد ثمانون جلدة ، هذا جزاؤه في الدنيا ، وجزاؤه في الآخر ما رتبه الله على هذا الإفك ، قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (النور 23-24).
أيها المسلمون
ومما يستفاد من الحديث : 1- رأفة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ورحمته بأمته حيث يدلهم على خير ما يعلمه لهم ، ويحذرهم شر ما يعلمه لهم. 2- وجوب اجتناب هذه الموبقات التي حذر منها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، واجتناب غيرها من الكبائر التي دل عليها الكتاب والسنة. 3- أعظم هذا الكبائر الشرك بالله فإنه الذنب الذي لا يغفر.
فاجتنب أيها المسلم هذه الموبقات ولا تدنس نفسك بشيء منها فتوجب لها مقت الله وغضبه إلى جانب مقت الناس وسخطهم عليك واحتقارهم لك. واعلم أن الكبائر كثيرة فهي كما قال ابن عباس –رضي الله عنهما – إلى السبعين أقرب ، فاعرف الكبائر ثم اجتنبها يغفر الله لك الصغائر واللمم قال تعالى : { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا } (النساء 31).
الدعاء