خطبة عن ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ)
سبتمبر 19, 2016خطبة عن ( الاسلام دين اليسر)
سبتمبر 20, 2016الخطبة الأولى ( شرح حديث( لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أخرج الشَّيْخَانِ : ( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي »
وَأخرج مُسلم : (حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْرًا ». وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ : (عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم :(وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ » . وَأخرج أَحْمد 🙁 أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ شَدِيدٌ وَإِنَّ مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الإِنَابَةَ »
إخوة الإسلام
من جملة الأحاديث التي ذكرت آنفا : يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا نزل به الضر فلا يتمنى الموت ، فإن هذا خطأ عظيم وسفه في العقل ، وضلال في الدين ،أما كونه سفها في العقل ، فلأن الإنسان إذا بقي في حياته ، فإما محسنا فيزداد إحسانا ، وإما مسيئا فيستعتب إلى الله تعالى ، ويتوب ويرجع إليه ،وكونه يموت فإنه لا يدري ، فلعله يموت على أسوإ خاتمة ،وأما كونه ضلالا في الدين ، فلأنه ارتكاب لما نهى الله عنه ، ونهى نبيه صلى الله عليه وسلم عنه في قوله ( لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت) ، ولأن تمني الموت فيه شيء من عدم الرضا بقضاء الله وقدره ، والمؤمن إذا أصابته ضراء صبر ، ونال الأجر العظيم ، قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]. وفي الصحيحين :(أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –« مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا » ،فلا تتمن الموت ، لأن الأمر كله مقضي فيه ، وربما كان في بقائك خير لك ، أو خير لغيرك ، فاصبر واحتسب
أيها المسلمون
ومن الناس من يعمد إلى وسيلة يجعل حدا فيها لحياته، فيتخلص من ألم الدنيا ونكدها، وينتقل إلى عذاب الآخرة، إلا أن يعفو الله -عز وجل- عنه. وهذا أيضا منهي عنه وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((لا يتمنين أحدكم)) : فالمقصود : أن هذا الإنسان لم يحن أجله، ولا يمكن للإنسان أن يموت إلا إذا جاء الأجل، ولذلك فإن تطلّبه للموت يعتبر من قبيل الأمنية، يتمنى أمراً أو يتطلب أمراً لم يحن وقته، فهو بالنسبة إليه أمنية، ولا يمكن لنفس أن تموت قبل الأجل الذي حدده الله -عز وجل- لها. ((لا يتمنينّ أحدكم الموت لضر أصابه)) يعني: لشدة جزعه، وما يجد ، فهو يفضل الموت على تلك الحياة، سواء كان هذا الضر مما يتأذى منه ببدنه، كالآلام، والأمراض البدنية، أو كان ذلك مما تتأذى به النفس، كالذي يصيبه الحزن الشديد، أو تنزل به مصيبة، أو يحصل له أمر يكرهه، فيحصل له شيء من الاكتئاب، والحزن، والجزع، ونحو ذلك، وقد يكون ذلك بسبب ضغوطات مما في هذه الحياة، فتصيبه الهموم، والأمراض النفسية، فيتمنى الموت على الحياة، وقد يطلق الزوج زوجته أو يتزوج عليها فتتسخط وتتمنى الموت على الحياة، وهكذا في كثير من الصور التي يجزع أصحابها. ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه)) سواء كان ضراً حسياً في بدنه، أو كان شيئاً معنوياً مما يكرهه، فيؤثر عليه، وينغص راحته، ويكدر عيشه، وانظر كيف قيده في هذا الحديث قال: ((لضر أصابه)) فإذا عرفنا هذا القيد انحلت عنا إشكالات كثيرة؛ لأن العلماء يختلفون في حكم تمني الموت، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مثلاً خيره الله -عز وجل- فاختار الرفيق الأعلى، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن رجلاً خيره الله فاختار ما عند الله، فبكى أبو بكر الصديق، وعرف أن المراد به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهل هذا من تمني الموت؟ الجواب: لا ،لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما تمنى الموت لضر نزل به، إنما خيره ربه -تبارك وتعالى- بين ما عنده ، وبين البقاء في الحياة الدنيا، فاختار ما عند الله -عز وجل- فقط، وإلا فهو أطيب الناس عيشاً -صلى الله عليه وسلم- وأشرحهم صدراً، وأزكاهم نفساً. وكذلك ورد عن بعض السلف مثل الإمام أحمد -رحمه الله- لما ابتلي وحبس وضرب وأوذي في فتنة خلق القرآن، ثم رفعت الفتنة بعد ذلك، ثم صار يُقرب من الخليفة، وكان الخليفة يتمنى أن يلتقي بالإمام أحمد، وأن يجلس معه، وصار يطلبه من أجل أن يجلس مع ابنه الصغير، ويدعو له؛ رجاء حصول البركة في زعمه، فكان الإمام أحمد حينما كانوا يرسلون إليه الأموال، كان يردها ويأباها ويقول: هذه أشدّ من تلك، يعني: فتنة السراء أشد من فتنة الضراء، وكان من حوله يقولون: إن هؤلاء لا يقبلون منك ذلك، أي: لا يقبلون أن ترد عليهم عطاياهم، سيفسرونها بتفسيرات أخرى، بأنك لا تحبهم، ولا تريدهم، وما إلى ذلك من التفسيرات، وأنت لا تقصد هذا، أنت تقصد الزهد والتقشف ولا تريد هذه الأمور التي تتبادر إلى أذهانهم دائماً.
فالمقصود أن الإمام أحمد كان في ذلك الحين يقبض يده، ثم بعد ذلك يفتحها، يقول: لو أن نفسي بيدي لأطلقتها، وهذا يدل على أنه كان يتمنى الموت، وورد عن جماعة من السلف أنهم تمنوا الموت فكيف نجمع بين هذا وبين النصوص؟
الجواب: الحديث مقيد “لضر نزل به”، معنى ذلك أنه يجزع، أما إذا كان تمني الموت لخوف فتنة، نحو “وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون”، يخاف الفتنة على نفسه في الدين، فإذا وقعت الفتن يتمنى الإنسان أن يخرج من هذه الحياة دون أن يلابسها، ويتلطخ بها، فهذا لا إشكال فيه، وهذا الذي تمناه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، أي إذا كان ذلك ليس على سبيل الجزع والتسخط، فالإنسان لا يدري ما هو مستقبله؛ لأن الأحوال تتغير، فينبغي على الإنسان أن يحسن ظنه بالله، وأن يروض نفسه على الصبر دون أن يتسخط ويجزع، فهذه الحياة مجبولة على الكدر والآلام، إن لم تقع بك المصائب وقعت فيمن تحب، فأنت لابدّ أن تعاين أشياء من الكدر، وكلما طال عمرك كلما زاد كدرك لا شك،
فروض نفسك على هذا، وأقل ذلك أن ترى أحباءك يموتون الواحد بعد الواحد، وأنت أطولهم عمراً، فإذا أدرك الإنسان هذا المعنى هان عليه ذلك، وخف أثره ووطأته على النفس، أما أن تتمزق النفس بالأحزان، والأتراح، والآلام، ويدعو الإنسان بالويل والثبور فإن هذا لا يجدي عنه شيئاً.
أيها المسلمون
واعلموا أن طول العمر للمؤمن الذي يعمل صالحاً خير له من الموت . فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ قَالَ « مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ » رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَجُلَانِ أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً . قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ : فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ ، فَرَأَيْتُ فِيهَا الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ ، فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ ، فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ ! وَصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً ! صَلاةَ السَّنَةِ ) . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة
وقال رجل : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ) قَالَ : فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ ؟ قَالَ :
(مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ ) رواه أحمد والترمذي ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : ” إِنَّ الأَوْقَاتِ وَالسَّاعَاتِ كَرَأْسِ الْمَالِ لِلتَّاجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا يَرْبَحُ فِيهِ وَكُلَّمَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ كَثِيرًا كَانَ الرِّبْحُ أَكْثَرَ , فَمَنْ اِنْتَفَعَ مِنْ عُمُرِهِ بِأَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ فَقَدْ فَازَ وَأَفْلَحَ , وَمَنْ أَضَاعَ رَأْسَ مَالِهِ لَمْ يَرْبَحْ وَخَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ” .ولذلك قيل لبعض السلف : طاب الموت !! قال : يا ابن أخي ، لا تفعل ، لساعة تعيش فيها تستغفر الله ، خير لك من موت الدهر ،وقيل لشيخ كبير منهم : أتحب الموت ؟ قال : لا ، قد ذهب الشباب وشره ، وجاء الكبر وخيره ، فإذا قمت قلت : بسم الله ،وإذا قعدت قلت : الحمد لله ، فأنا أحب أن يبقى هذا ،وكان كثير من السلف يبكي عند موته أسفا على انقطاع أعماله الصالحة، ولأجل ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت ، لأنه يحرم المؤمن من خير الطاعة ، ولذة العبادة ، وفرصة التوبة ، واستدراك ما فات : (فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ , وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ ، وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا ) رواه مسلم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية عن حديث ( لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي تمني الموت معنى آخر يمنع منه : وهو أن سكرات الموت شديدة ، وهول المطلع أمر فظيع ، ولا عهد للمرء بمثل ذلك ، ثم إن الإنسان لا يدري ما ينتظره بعد الموت ! نسأل الله السلامة ، فتمني الموت طلب لشيء لا عهد للمرء به ، وتغرير بنفسه ؛ وعسى إن تمنى الموتَ بسبب شدةٍ وقع فيها أن يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار ، فلعله أن يهجم بعد الموت على ما هو أعظم وأشد مما هو فيه ؛ فتمني الموت حينئذ نوع من استعجال البلاء قبل وقوعه ، ولا ينبغي للعاقل أن يفعل ذلك ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ ) متفق عليه ،
وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قالُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تَمَنَّوْا الْمَوْتَ ، فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطَّلَع شَدِيدٌ ، وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الإِنَابَةَ ) رواه أحمد ، وضعفه الألباني ،وسمع ابن عمر رجلا يتمنى الموت ، فقال : لا تتمن الموت ، فإنك ميت ، وسل الله العافية ، فإن الميت ينكشف له عن هول عظيم . قال ابن رجب رحمه الله : ” وقد كان كثير من الصالحين يتمنى الموت في صحته ، فلما نزل به كرهه لشدته ، ومنهم أبو الدرداء وسفيان الثوري ، فما الظن بغيرهما ؟!” . والنهي عن تمني الموت إنما هو إذا كان بسبب ما يحصل للمرء من ضرر في أمور دنياه ، فإنّ تمني الموت حينئذ دليل على الجزع مما أصابه : (فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ , فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي , وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ) متفق عليه . وَقَوْله ” مِنْ ضُرّ أَصَابَهُ ” يعني بذلك الضرر الدنيوي كالمرض والابتلاء في المال والأولاد وما أشبه ذلك , وأما إذا خاف ضرراً في دينه كالفتنة فإنه لا حرج من تمني الموت حينئذٍ كما سيأتي . ولعل هذا الذي طلب الموت ليستريح مما به من ضر ، لعله أن يزيد تعبه ، ويتصل ألمه وهو لا يدري ؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَاتَتْ فُلَانَةُ ، وَاسْتَرَاحَتْ , فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( إِنَّمَا يَسْتَرِيحُ مَنْ غُفِرَ لَهُ ) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة . ثانياً : هناك بعض الحالات يشرع تمني الموت فيها ، منها : الأولى : أن يخشى على دينه من الفتن
ولا شك أن موت الإنسان بعيدا عن الفتن ، ولو كان عمله يسيرا ، خير له من أن يفتن في دينه ، نسأل الله السلامة .
فعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ : الْمَوْتُ ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ ) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة . وقد دل على مشروعية تمني الموت في هذه الحال أيضاً : قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه : (وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي . قال ابن رجب رحمه الله : هذا جائز عند أكثر العلماء .وعلى هذا يحمل ما ورد عن السلف في تمني الموت ؛ أنهم تمنوا الموت خوفاً من الفتنة . روى مالك عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قال : لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةً بَطْحَاءَ ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَاءَهُ وَاسْتَلْقَى ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : ( اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي ، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي ، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلا مُفَرِّطٍ ) ،قال سعيد : فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رضي الله عنه . وقال أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : من رأى الموت يباع فليشتره لي ! “الثبات عند الممات” لابن الجوزي
الثانية : أن يكون موته شهادة في سبيل الله عز وجل ،وقد دل على مشروعية تمني الموت في هذه الحال كثير من الأحاديث ، منها : عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ) متفق عليه . فقد تمنى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقتل في سبيل الله ، وما ذاك إلا لعظم فضل الشهادة . وروى مسلم : (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) . وقد كان السلف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم يحبون الموت في سبيل الله . قال أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بشأن مسيلمة الكذاب عندما ادعى النبوة : والله لأقاتلنه بقوم يحبون الموت كما يحب الحياة . وكتب خالد بن الوليد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى أهل فارس : والذي لا إله غيره لأبعثنَّ إليكم قوماً يحبُّون الموت كما تحبُّون أنتم الحياة . وإنما كانت هذه المنزلة مرغوبة – لا حرمنا الله منها – وطلبها ممدوحا من كل وجه ، لأن من أعطيها لم يحرم أجر العمل الصالح الذي تطيب لأجله الحياة ، وتكون خيرا للمرء من الموت ، ثم إن الله تعالى يحمي صاحب هذه المنزلة من فتنة القبر . فعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ ) رواه مسلم . والخلاصة : أنه يكره للمسلم أن يتمنى الموت إن كان ذلك بسبب ضر أصابه في الدنيا ، بل عليه أن يصبر ويستعين بالله تعالى
الدعاء