خطبة عن حديث ( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ )
أكتوبر 15, 2016خطبة عن (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)
أكتوبر 15, 2016الخطبة الأولى (شرح حديث: مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
جاء في الصحيحين البخاري ومسلم :(عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَرْوَى فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا إِلَى مَرْوَانَ ، فَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا ، أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا ، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ » . وروى البخاري في صحيحه :(سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ – رضى الله عنه – قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ » ،وفي مسند أحمد وغيره :(عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ كَلَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَ سَبْعِ أَرَضِينَ ثُمَّ يُطَوَّقَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ».
إخوة الإسلام
إن حقوق الناس في الإسلام مصانة ،وإن أخذ أملاك الغير يعد جريمة عظمى عند الله عز وجل ، ولو كان شيئاً يسيراً ، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ». وفي قوله صلى الله عليه وسلم (فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ » ،فقد اختلف أهل العلم في هذا التطويق: فقيل أن معناه أنه يكلف نقل ما ظلم منها في يوم القيامة إلى المحشر ويكون كالطوق في عنقه. لا أنه طوق حقيقة ،وقيل أنه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين أي فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقاً في عنقه ، وقيل أنه بعد أن ينقل جميعه يجعل الله في عنقه طوقاً ، ويُعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك ،وعلى كل، فإننا نخرج من أقوال أهل العلم بأن هناك عذاباً قاسياً في حق من اقتطع أو أخذ شيئاً من أراضي المسلمين ، ولو بقدر شبر وأن هذه مسألة خطيرة
ولكن وعلى الرغم من وضوح هذه الحقائق ،وعلى الرغم من سهولة إقامة العدل بين الناس ،وإرجاع المظالم إلى أصحابها ، إلا أن هناك بعض الناس يبيع دينه بأبخس ثمن ، ويأكل حقوق الناس بالباطل ،وهو ذاهل عن المصير المظلم الذي ينتظره. أما في الدنيا ،فقد يرفع هذا المسلوبَ أرضاً أو حقاً يَده إلى السماء ،فيدعو على خصمه فيهلكه الله عز وجل في الدنيا أمام الناس ،ويجعله عبرة لمن أراد الاعتبار.
أيها المسلمون
وقد ذكر الحافظ بن حجر رحمه الله هذه القصة عندما شرح الأحاديث التي ذكرتها في أول الخطبة. فيقول :
أنه كانت هناك امرأة يقال لها أروى بنت أويس ،شكت الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه – وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة- شكته إلى مروان بن الحكم أمير المدينة ،وقالت إنه أخذ شيئاً من أرضها ، فقال سعيد رضي الله عنه: أنا آخذ شيئاً من أرضها بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ذلك ،فقال له مروان ،وماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعته يقول: « مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا ، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ » ، فقال مروان: لا أسألك بعد هذا بينة ،يكفيني قولك هذا ،فقال سعيد رضي الله عنه:
اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها ، وفي رواية واجعل ميتتها في هذه الأرض ، قال راوي الحديث عروة بن الزبير قال : فو الله لقد عمي بصرها حتى رأيتها امرأة مسنة تلتمس الجدران بيديها، وكانت في هذه الأرض بئر ،وكانت تمشي في أحد الأيام فسقطت في البئر وكان ذلك البئر قبرها. فماذا ينتظر الظلمة بعد هذا ؟ وماذا ينتظر من سلب الفقراء والمساكين أراضيهم ومزارعهم ليس شبراً من أرض ،بل أمتار وأمتار ،إلا أن تكون نهايتهم كأروى بنت أويس ، هل ينتظرون إلا أن يدعو عليهم أصحاب الحقوق ،فيصابوا ببلية في أولادهم أو أهليهم أو أموالهم
فإن ليل الظلم لن يستمر ،وثوب العار سوف يتمزق ،وشمس الحق سوف يشرق وأعداء الله مهما مكروا فإن الله سيستدرجهم من حيث لا يعلمون. وإن أول من يتخلى عن الظالم شيطانه وأول من يفضحه أقرانه وأعوانه. والناس مصالح-والله غالب على أمره ،ولكن أكثر الناس لا يعلمون ،هذا في الدنيا ، أما في الآخرة: فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ » ،وفي صحيح البخاري :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَىْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ » ،وفي صحيح مسلم :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ».
أيها المسلمون
وليحذر الذين يحلفون كذبا وزورا ليقتطعوا أراضي الغير وممتلكاتهم ويتهاونون في ذلك فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لأَبِى. فَقَالَ الْكِنْدِيُّ هِيَ أَرْضِى فِي يَدِى أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلْحَضْرَمِيِّ « أَلَكَ بَيِّنَةٌ ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَلَكَ يَمِينُهُ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لاَ يُبَالِى عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ. فَقَالَ « لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلاَّ ذَلِكَ » فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَدْبَرَ « أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ ». نعم ، فهناك فئة من الناس، لا يتورع عن شيء ، فهو مستعد أن يحلف الأيمان تلو الأيمان بأن هذا له ،المهم أن يأخذها ويستولي عليها ، وكم في عالم القضاء اليوم من أيمان فاجرة ،وشهادات زور ورشاوى تدفع لفاقدي الذمة والأمانة ،لكي تبتذ أموال وحقوق الضعفاء والمساكين ، والقاضي ليس له إلا الظاهر ،فإذا حلف من أمامه ،فهو ملزم بقبول حلفه ،وهذا لا يعني بأن القاضي لو حكم له بشيء أنه أصبح حقاً له ،بل هو سحت ونار يأكله في بطنه فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ – رضى الله عنها – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلاَ يَأْخُذْهَا » . رواه البخاري ومسلم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (شرح حديث: مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فلنتق الله ولنحذر حقوق الآخرين ،فإن الشبر من الأرض يطوق به صاحبه إلى سبع أرضين يوم القيامة ،
وهذا كلام عام للجميع وخصوصاً من لهم تعامل في الأرض بيعاً وشراءً ،فإنه يحصل فيها هذه الأمور الشيء الكثير ،خصوصاً إذا لم تكن الأمور محددة بالضبط. ويحصل أكثر ،في المزارع المتجاورة ،فإن المد والجزر يحصل فيها أكثر مما يحصل في الأراضي السكنية. فلينتبه أصحاب العقار وممن لهم تعامل في ذلك. ثم إن الاقتطاع ليس منحصراً في الأراضي فحسب ،وأننا لو تحكمنا وضبطنا هذا الباب فقد أقمنا العدل في المجتمع ، فإن الموظف بإمكانه أن يقتطع من الحرام ،لو أراد ذلك، وبعضهم مُريد لذلك. والجار بإمكانه أن يقتطع من حق جاره ،ويظلمه ويؤذيه ،والبعض يفعل ذلك. وهكذا. لكن أذكر بقضيتين أركز عليهما ولا أريد أن أنهي الخطبة إلا وهما واضحتان: الأولى وهو أن ظهور أمثال هذه الظواهر في المجتمع ،مؤشر خطير ،لو كثر التعدي ،وكثر هضم حقوق الآخرين ،وكثر التسلط على المسلمين ،فإن هذا منذر بليل قد ادلهم ظلامه. ففي سنن ابن ماجة قال صلى الله عليه وسلم :(إِنَّهُ لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ ». فلنسع جادين وليساهم كل منا ،بقدر استطاعته ،وفي حدود إمكانه وولايته ،لرفع الظلم ،ومنع التعدي ،وألا نرضى بذلك، ولو حصل التعدي والتسلط ممن لهم شوكة ومنعة فسكوت المجتمع يعني الدمار على الجميع ،فالذي يريد أن يسلم فلابد أن ينكر ،إما بيده إن كان قادراً أو بلسانه ،إما مشافهة أو كتابة ،أو بأية وسيلة ،المهم أن لا ندع هذا المرض يستشري ،ويصبح التعدي والتسلط والأخذ أمراً مسلماً به.
(إِنَّهُ لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ ».
الدعاء