خطبة عن (شهر رمضان وأسباب المغفرة فيه
مايو 16, 2016خطبة عن ( التوبة وأسباب المغفرة )
مايو 23, 2016الخطبة الأولى ( شهر رمضان وفضائله )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) ) البقرة ،وروى البخاري في صحيحه : ( عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ »
إخوة الإسلام
لقد أنعم الله علينا نعمة كُبرى؛ حيث بلَّغنا شهر رمضان، وقيامه نعمة عظيمة وفضل كبير لمن وُفِّق لذلك؛ لما في هذا الشهر الكريم من أسباب المغفرة، ومن أسباب العتق من النار، فمن بلَّغه اللهُ هذا الشهرَ بأنْ مدَّ في أجله حتى أدرك هذه الأيام الغُرَّ، وهذه الليالي الزهر، فقد تكرَّم عليه وخصَّه مما حرم منه غيره، فكم من أناسٍ، وكم من أفراد اختتمت آجالهم قبل حلول هذا الشهر، وختم على أعمالهم.
أيها المسلمون
قد نزل بنا شهر كريم، وموسم عظيم: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185] ، فهو شهر البركات والخيرات، شهر إجابة الدعوات، شهر إغاثة اللهفان، شهر إعتاق الرقاب الموبقات، شهر النفحات، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِم خيرَها فقدْ حُرم، مَن تقرَّب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمَن أدَّى فريضة فيما سواه، ومَن أدى فيه فريضة كان كمَن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهرُ الصبر، والصبر ثوابُه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، من فطَّر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه، وعتقًا لرقبته من النار، يعطي الله هذا الثوابَ لمَن فطر صائمًا على مذقة لبن، أو شربة ماء، أو تمرة، ومَن أطعم فيه صائمًا وسقاه، سقاه الله من حوض النبي – صلى الله عليه وسلم. شهر رمضان شهرٌ أوله رحمه، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فالرحمة للمؤمنين عمومًا، يتفضَّل الله عليهم ويرحمهم بواسع رحمته، فهو أرحم الراحمين، والمغفرة للمذنبين الذين كانوا قد أخطأوا وارتكبوا بعض المخالفات، فإذا تابوا وأنابوا وأقبلوا إلى ربهم في هذا الشهر فإنه سبحانه وتعالى يغفِر لهم ما كان من ذنوبهم، ويمحو سيئاتهم، وذلك فضله وواسع رحمته، وإن لم تبلغ ذلك أعمالُهم، كذلك في آخره يعتق الله تعالى أهلَ الذنوب من الموبقات، يُعتقهم من النار ويؤهلهم لدخول الجنة، ما لم يعودوا إلى رقِّ الأوزار والذنوب، فالتمسوا رضا الله – سبحانه وتعالى – وذلك لأنه – سبحانه وتعالى – يقبل التوبة عن عباده. وورد فيه من الفضل الكثير ومنها قوله – صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين-: ((حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى أَنَسٍ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -« إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ » . وذلك لكي لا يتمكنوا من إغواء المسلمين من أمة محمد الأمين، وفي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِى مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ». فعلى المسلمين أن يتوبوا ويتقربوا إلى ربهم بالأعمال الصالحة التي يُحبُّها الله سبحانه، ويرتب عليها العتقَ من النار، ومغفرة الذنوب والأوزار، ليكونوا من عباده المخلصين، وعليهم أن يستقبلوه بتوبة صادقة، يتعهَّدون فيها ألاَّ يعودوا إلى الذنوب التي كانوا قد اقترفوها في سابق أعمارهم، فيقلعوا عنها ويتركوها كليًّا، ويندموا ويتأسفوا على ما مضى منهم من الخطايا والذنوب، والتقصير في حق علام الغيوب. وكذلك عليهم أن يعاهدوا ربَّهم على أن يستمروا على هذه الأعمال الصالحة بقيةَ أعمارهم؛ حتى يقبل الله تعالى منهم، ويغفر لهم، وهو أرحم الراحمين، عليهم أن يسارعوا إلى الخيرات، وأن يتسابقوا إلى درج الجنات، وأن يُكثروا من الحسنات، ويتوبوا من السيئات؛ حتى يعتقهم الله من آثام الخطيئات، فيكونوا عُتقاءه من النار، ويغفر لهم ذنوبهم، يسارعون كما أمرهم الله بقوله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 133 – 135].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( شهر رمضان وفضائله )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
شهر رمضان موسم من مواسم الطاعات ، ومنحة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من رب الأرض والسموات ، وليس لأيامه بديل، فهي الأيام الشريفة، وهي الأيام الفاضلة، التي مَن حافظ عليها وحفظها واستغلها في طاعة الله، وأقلع فيها عن المعاصي والمخالفات؛ غفر الله تعالى له ورحمه، وأعتقه من عذابه، وأما مَن أهملها واستمر في لهوه، فإنه سيندم غاية الندم عندما تغفر ذنوب التائبين، ويبقى المذنبون المصرون على السيئات محرومين من فضل الله، محرومين من مغفرته، يحظون بالبعد عن ربهم، وعن جزائه الأوفى، فيا عبادَ الله مَن لم يُغفر له في هذا الشهر فمتى يُغفر له؟ الشجر الذي لا فائدة فيه ولا ثمر، لا يصلح إلا أن يكون وقودًا للنار، وفي صحيح الأدب المفرد للبخاري (عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى المنبر فقال: “آمين، آمين، آمين” قيل له : يا رسول الله! ما كنت تصنع هذا؟ فقال: ” قال لي جبريل : رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما لم يدخله الجنة. قلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له. فقلت : آمين. ثم قال : رغم أنف امرئ ذُكرتَ عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين “. فلا شك أنَّ ذلك دليلٌ على أن شهر رمضان موسم العتق من النار، موسم الغفران، فمن دخل عليه رمضانُ وهو مُصِرٌّ على لهوه وسهوه بَعُدَ عن أسباب المغفرة، وهو من المحرومين، ورغم أنفه؛ أي: ذَلَّ وهان وأُبعِدَ عن رحمة الله – سبحانه وتعالى.
أيها المسلمون
ولقد ذَكَر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسبابَ مغفرة الذنوب، وذكر منها صيامَ رمضان، ففي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » ، ومعنى ذلك أن الصائم الذي يحمله على صيامه الإيمانُ بالله – سبحانه وتعالى، والتصديقُ بأنه هو ربه، وأنه هو الذي أمر بهذه العبادة، وأنه هو الذي فرضها على المستطيعين وعلى المكلَّفين، وصدَّق أيضًا بأنه ركن من أركان الإسلام، لا يتمُّ الإسلامُ إلا به، وحمله على ذلك أيضًا أن يحتسب الأجر من الله سبحانه، ولا يكون الحاملَ له التمدحُ ولا مجاراةُ الناس، ولا أمرٌ دنيوي، وإنما الذي يحمله على أداء هذه العبادة طلبُ الأجر من الله – سبحانه وتعالى، فمتى كمَّل صيامه، وأتى بما أُمِرَ به، فأمسك عن المفطِّرات، وصام أيضًا عن المحرَّمات، فصامتْ عيناه عن النظر عما حرم الله من العورات والصور الفاتنة وما أشبهها، وصامتْ أذناه عن سماع الغناء واللهو والطرب واللعب وما أشبه ذلك، وعن سماع السخرية والاستهزاء، والتنقص بأبناء الإسلام وبأهله، وعن سماع الغيبة ونحوها، وصام لسانُه عن الكلام السيئ، عن الغيبة والنميمة والكلام المحرَّم وما أشبه ذلك، وصامت بقية جوارحه عن أنواع الإجرام، فإنَّ ذلك سيكون من أسباب مغفرة الذنوب. فمن لم يكمل صيامه، أو لم يحفظه ولم يتأثر به، فإنه لا يزيده من الله تعالى إلا بُعْدًا، ولا يكون له حظٌّ من هده المغفرة المرتَّبة على هذا الصيام. كما في البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ » ، فالصيام مِن أقوى أسباب المغفرة، وقد ذكر النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – بقيةَ أسباب المغفرة؛ كصيامه إيمانًا واحتسابًا، وقيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، وكذلك كثرة الصدقات والنفقات في الخير، وكثرة ذكر الله ودعائه، كلُّ ذلك من الأسباب التي جعلها الله تعالى سببًا لمغفرة الذنوب، وعتق الرقاب، فمَن أتته هذه الأسبابُ ولم يَحظَ بالمغفرة فإنه من الذين حُرِموا فضل الله تعالى في هذا الموسم العظيم. فتعرَّضوا – عباد الله – لنفحات الله، فإن لله تعالى من دهره نفحات، نفحات غفران، ونفحات رحمة، ونفحات عطاء ورزق، ونفحات توسعة وفضل، فتوبوا إلى ربكم – سبحانه وتعالى – من الخطايا والسيئات؛ لتحظوا بجزيل الأجر، وعظيم الثواب.
الدعاء