خطبة عن ( ميلاد الرسول وطفولته )
مايو 14, 2016خطبة عن ( شهر رمضان وفضائله )
مايو 16, 2016الخطبة الأولى (شهر رمضان وأسباب المغفرة فيه )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين -: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »، وفي سنن الترمذي : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »
إخوة الإسلام
فإنَّ من جملة العبادات في شهر رمضان قيامَ لياليه، فإنها قُربة وعبادة، بيَّن نبيُّ الله – صلى الله عليه وسلم – فضلَ قيامه وحثَّ عليه، وفعل ذلك ورغب فيه، فقال – صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين -: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن قيام هذه الليالي نافلة وتطوع، ولكنه من أسباب مغفرة الذنوب وتكفير الخطايا، وكفى بذلك ثوابًا كبيرًا، وأجرًا عظيمًا، ولكن مغفرة الذنوب في هذا الشهر اشتُرط لها ثلاثة شروط في هذا العمل: شرط القيام، وشرط الإيمان، وشرط الاحتساب؛ فمن كمَّل هذه الشروط رُجي مع حُسن النية مغفرةُ الذنوب، فلا بد من إكمال قيام هذه الليالي، والإكثار من الأعمال التي تطلب في هذا القيام، وكذلك لا بد أن يكون القائم مصدقًا بأن هذا التهجد عبادة وقربة وطاعة، وأن ربنا سبحانه رتَّب عليه المغفرة، وأنه أحبَّ مِن عباده أن يقوموا هذه الليالي ويَقنُتوا فيها، ولا بد أن يكون راجيًا لفضل الله، معترفًا بنقصه وخطاياه، معتمدًا على الله أنه هو الذي يغفر الذنوب، ويقبل الأعمال، ويضاعف الأجور، فمتى كان كذلك رُجي أن تُغفر له ذنوبه، وقد قيل: إن المغفرة للخطايا الصغيرة، أما الكبيرة فإنها تحتاج إلى توبة، فقد ورد أنه – صلى الله عليه وسلم – قال كما في صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ». فهذه الأعمال مكفرات لما بينهن، ولكن هذا بشرطٍ؛ هو اجتناب كبائر الذنوب. ومن أسباب المغفرة في هذا الشهر: صيامُ رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر، وكذلك باقي الأعمال الخيرية؛ كإخراج الصدقات والنفقات في سبيل الله، والذكر والدعاء والأعمال الصالحة، وتجنُّب الآثام، والابتعاد عن الإجرام، فذلك كله من الأسباب التي يغفر الله تعالى بها الذنوب، ويقبل بها الأعمال الصالحات. وقد أخبر الله تعالى بأنه أنزل فيها القرآن، وفيها ليلة القدر، وأنها خير من ألف شهر، ومن حكمة الله تعالى أن أخفى هذه الليلة؛ حتى يجتهد المسلمون ويقوموا ما تيسر لهم من هذه الليالي، ويقتدوا بنبيِّهم – صلى الله عليه وسلم – ويعملوا بما يقدرون عليه من صفات أهل الإيمان، الذين يحبون الله ويحبون الأعمال الصالحة التي يحبها الله، والتي يثيب عليها جزيل الثواب، وقد مدح الله تعالى الذين يُصلُّون بالليل ويتهجَّدون، فوصفهم بقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 64]؛ أي: يقطعون ليلهم، أي: أكثره ما بين سجود وقيام، وخص هذين الركنين؛ لأنهما أكثر وأفضل أركان الصلاة، ولا شك أن معهما أيضًا بقية الأركان، مِن أذكار وأدعية وخشوع وقراءة، مع الإنابة إلى الله تعالى، والطمأنينة في هذه العبادة، فمن صفات أهلِ الجنة أنهم: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 16 – 17] هكذا أخبر تعالى بأن من أعمالهم أنهم لا يطمئنون للفُرُش، وأنهم لا ينامون إلا قليلاً، وما ذاك إلا لأنهم يرجون ثواب الله تعالى، وذكر قيامهم وصلاتهم في الليل. وكذلك وَصَفَ المتقين الذين هم أهل الجنة بقوله تعالى: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 17 – 18] فالهجوع هو النوم؛ أي: قليلٌ نومُهم بالليل، فقاموا ليلهم يصلون ويتهجدون، ثم في آخر الليل يجلسون يستغفرون، كأنهم مذنبون، هكذا تكون حال الصالحين، يعملون الأعمال الكثيرة، ومع ذلك يَعتبرون أنفسهم مُقلِّون وأنهم مذنبون، فيستغفرون ربهم بعد كل عمل، وهكذا حال الخائفين، ومتى كان العبد كذلك فإن الله تعالى يقبل منه، ويضاعف أجره، وهكذا أهل الفضل، مع عملهم يخشون ألاَّ يُتقبل منهم. ويقول الله تعالى: ﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 9]، وهذا قائم في ساعات الليل، ليس في ساعة واحدة، وكأنه وصَفَ هذا القائمَ بأنه يقوم ساعة ثم يستريح أخرى، ثم يقوم ثم يستريح، فمِن صلاةٍ إلى راحة، وهكذا ساجدًا وقائمًا يتنقل في صلاته بين السجود والقيام والركوع والقعود، وما في الصلاة من بقية الأركان والعبادات.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( شهر رمضان وأسباب المغفرة فيه )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولقد أُثر عنه – صلى الله عليه وسلم – إطالةُ الصلاة في ليالي رمضان، فأُثر عنه أنه قرأ في ليلة سورةَ البقرة، ثم سورة النساء، ثم سورة آل عمران في ركعة واحدة، يتأنَّى في القراءة، ويقف عند كل آية رحمة فيسأل ربه، وعند كل آية عذاب يستعيذ من العذاب، ثم ركع وأطال الركوع، وهكذا أيضًا أطال الركعة الثانية، لا شك أن ذلك لأنه يتلذَّذ بهذه العبادة، يتلذَّذ بالصلاة، ويجد لها راحة، ويجد لها طمأنينة، وهكذا أيضًا كان أصحابه – رضي الله عنهم – كما ذكر الله تعالى في قوله: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ﴾ [المزمل: 20] ، فذكر أنهم يقومون قريبًا من ثلثي الليل، وقريبًا من نصفه، أو على الأقل ثلثه، والليل في هذا الزمان في هذا الشهر اثنتا عشرة ساعةً، فمَن قام ثلثي الليل فإنه يقوم ثماني ساعات، ومَن قام نصفه قام ست ساعات، ومن قام ثلثه قام أربع ساعات، ومع ذلك فإن القائمين يتلذذون بالقيام، يجدون له راحة، وما ذاك إلا أنه عبادة وقربة وطاعة للرب – سبحانه وتعالى، هكذا تكون العبادة عند الخائفين، كما روي عن بعض السلف – رحمهم الله – أنَّه قال: كابدتُ قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت به عشرين سنة؛ أي إنه وجد لقيام الليل عشرين سنة لذةً وراحة وطمأنينة؛ ذلك لأنهم يحبون العبادة، ويحبون التقرُّب بها إلى الله، وإن من جملتها قيام الليل. وكذلك ذُكر عن سعيد بن جبير أنه صلَّى العشاء، ثم استمر في الصلاة إلى صلاة الفجر لم يضطجع ولم ينتقض وضوؤُه، عشرين سنة يصلي الفجر بوضوء العشاء، وما ذاك إلا لتلذذهم بهذه الصلاة، وهكذا أُثر عن أبي حنيفة – رحمه الله – أنه صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة لا يَضَع جَنبَه على الأرض؛ بل يقطع ليلَه كلَّه في هذه الصلاة، هكذا تكون حال العابدين الذين يتلذذون بذلك، يقول قائلهم: أهل الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللَّهو في لهوِهم، يريد بأهل الليل: أهلَ التهجُّد، الذين يقطعون ليلهم في صلاة، وفي قراءة وفي ذكر، وفي قيام وقعود، وركوع وسجود، يجدون لذلك لذة، يجدون له سلوة وراحة، أعظم من الذين يسهرون ليلهم على اللهو والغناء، ونحوه. هذه هو حال العارفين، وإذا كان ذلك في طوال العام، أليس لهذا الشهر مَزيَّة؟ وله خصوصية؟ ألسنا أولى بأن نهتم بقيام هذه الليالي، وأن نحافظ عليها، كما كان السلف – رحمهم الله – يحافظون عليها ويزيدون في الاشتغال بها، ويرجون بذلك جزيل الثواب، ويقتدون في ذلك بنبيهم – صلى الله عليه وسلم – الذي أمره ربه بذلك في قوله تعالى: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 78 – 79].
أيها المسلمون
إنَّ شهركم هذا شهر كريم، خصَّه الله تعالى بالفضل، وأنزل فيه القرآن، وفرض عليكم صيامه، وكان نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – القدوةَ في ذلك، وكذلك أصحابه – رضي الله عنهم – كانوا قدوة لمن بعدهم، حيث كانوا في هذا الشهر يقومون ما تيسر من هذه الليالي الشريفة، فكانوا يُصلُّون ثلاثًا وعشرين ركعة كل ليلة من هذه الليالي، يقطعونها في نحو خمس ساعات أو أكثر، وكلما صلَّوا أربع ركعات استراحوا نحو عشر دقائق، أو ربع ساعة؛ لأنهم يصلُّون تلك الركعات في ساعة كاملة، ثم يقومون فيصلون أربع ركعات في ساعة، ثم يستريحون أيضًا ربع ساعة أو عشر دقائق، ثم يقومون فيصلُّون أربع ركعات في تسليمتين لمدة ساعة، وهكذا حتى يكملوا عشرين ركعة، ثم بعد ذلك يصلون الوِتْر، ولذلك سموا صلاة هذا الشهر صلاة التراويح؛ وذلك لأنهم يستريحون فيها بعد أربع ركعات، كذلك أيضًا كانوا يُطيلون القيام، حتى كانوا يعتَمِدون على العِصِيِّ من طول قيامهم، ومع ذلك لا يملُّون ولا يكسلون، ولا ينامون إلا قليلاً، ربما أنهم يُصلون خمس ساعات أو ستَّ ساعات كل ليلة، وربما يصلُّون إلى آخر الليل، حتى إذا رجعوا إلى أهلهم استعجلوا السحور؛ حيث لم يَبقَ إلا وقت التسحُّر. وكذلك أيضًا الهدي النبوي، ففي سنن النسائي (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَقِىَ سَبْعٌ مِنَ الشَّهْرِ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ ثُمَّ كَانَتْ سَادِسَةٌ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ. قَالَ « إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ». ؛ وذلك ترغيبًا منه أن يصلوها مع الأئمة، فكانوا يحافظون على صلاتها بعد ذلك جماعة، هكذا كانوا يسهرون ليلهم بعد ذلك جماعة على هذه الصلاة،
الدعاء