خطبة حول خصومة الانسان لربه ،وقوله تعالى ( خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ )
أكتوبر 25, 2025الخطبة الأولى (آثار المعاصي على الفرد والمجتمع)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُ﴾ [الطلاق:٢-٣].
إخوة الإسلام
إن المعاصي سببُ كلِّ شرٍّ في الدُّنيا والآخرةِ، وبابُ كلِّ بلاءٍ وشقاءٍ، وهي سببُ ضيقِ الصدرِ، وقسوةِ القلبِ، وحرمانِ الرزقِ، وسُقوطِ البركةِ، ولو تأمَّلنا كتابَ اللهِ وسنَّةَ رسولِه ﷺ، لوجدنا أنَّ المعاصي لا تجرُّ على صاحبِها إلّا الخسرانَ والهلاكَ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدودَهُ يُدخِلهُ نارًا خالِدًا فيها وَلَهُ عَذابٌ مُهينٌ﴾ [النساء:١٤].
والمعصيةُ تورِثُ ظُلمةً في القلبِ، ووهَنًا في البدنِ، وبُغضًا في قلوبِ الناسِ، وبُعدًا عن اللهِ عزَّ وجلَّ. يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبّاسٍ (رضيَ اللهُ عنهما): “إنَّ للحسنةِ نورًا في الوجهِ، وضياءً في القلبِ، وسَعةً في الرزقِ، وقوَّةً في البدنِ، ومحبَّةً في قلوبِ الخلقِ.
وإنَّ للسيئةِ سوادًا في الوجهِ، وظُلمةً في القبرِ والقلبِ، ووهنًا في البدنِ، ونقصًا في الرزقِ، وبُغضًا في قلوبِ الخلقِ”.
والمعاصي سببٌ في نزولِ العقوباتِ العامَّةِ، وذهابِ النِّعَمِ، وحلولِ النِّقَمِ. قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَريَةً كانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتيها رِزقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ بِما كانوا يَصنَعونَ﴾ [النحل:١١٢].
ومن آثار المعاصي على الفرد والمجتمع: حرمانُ العلمِ، فإنَّ العلمَ نورٌ، يقذِفُه اللهُ في قلبِ عبده المؤمن ، والمعاصي تطفِئُ ذلكَ النورَ، قالَ الشافعيُّ رحمهُ اللهُ: “شكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حفظي فأرشدَني إلى تركِ المعاصي، وأخبرَني بأنَّ العلمَ نورٌ، ونورَ اللهِ لا يُعطى لعاصٍ”.
ومن آثار المعاصي على الفرد والمجتمع: تعسيرُ الأمورِ، وضيقُ الصدرِ، وقِلَّةُ التوفيقِ. قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى﴾ [طه:١٢٤]. ومنها: نزعُ البركةِ من العمرِ والمالِ والأهلِ والولدِ. قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ العبدَ ليُحرَمُ الرِّزقَ بالذنبِ يُصيبُه» [رواه ابن ماجه صححه الألباني].
ومن آثار المعاصي على الفرد والمجتمع: أن المعاصي سببٌ في قسوةِ القلبِ، وحرمانِ لذَّةِ الطاعةِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿فَبِما نَقضِهِم ميثاقَهُم لَعَنّاهُم وَجَعَلنا قُلوبَهُم قاسِيَةً﴾ [المائدة:١٣]. ولذا كانَ بعضُ السَّلفِ يقولُ: “حرمتُ قيامَ الليلِ خمسةَ أشهرٍ بذنبٍ أذنبتُه”. فالمعصيةُ تُطفِئُ نورَ القلبِ، وتحرِمُ العبدَ حلاوةَ العبادةِ.
ومن آثار المعاصي على الفرد والمجتمع: أن المعاصي تجرُّ على المجتمعاتِ الدَّمارَ والزوالَ، فما نزلَ بلاءٌ عامٌّ إلّا بذنبٍ عامٍّ. قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرى بِظُلمٍ وَأَهلُها مُصلِحونَ﴾ [هود:١١٧].
فإذا فشا الظلمُ والفجورُ والمعاصي، جاءَ العقابُ من اللهِ، كما قالَ سبحانهُ: ﴿وَاتَّقوا فِتنَةً لا تُصيبَنَّ الَّذينَ ظَلَموا مِنكُم خاصَّةً وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ شَديدُ العِقابِ﴾ [الأنفال:٢٥].
أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم
الخطبة الثانية (آثار المعاصي على الفرد والمجتمع)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام الترمذي في سننه: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»، فقد فتحَ اللهُ تعالى أبوابَ التوبةِ لعبادِه المذنبين، مهما عظُمَت ذنوبُهم، قالَ اللهُ تعالى: ﴿قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ﴾ [الزمر:٥٣]. وفي سنن الترمذي: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ».
فلا ييأسْ أحدٌ من رحمةِ اللهِ تعالى، فإنَّ ربَّنا غفورٌ رحيمٌ، يقبَلُ التوبةَ عن عبادِه، ويعفو عن السيِّئاتِ، ويبدِّلُها حسناتٍ لمن صدقَ في الإنابةِ إليهِ.
فالنجاةُ من آثارِ المعاصي تكونُ بالتوبةِ الصادقةِ، وكثرةِ الاستغفارِ، والإكثارِ من الطاعاتِ، ومجاهدةِ النفسِ على تركِ ما يُغضِبُ اللهَ عزَّ وجلَّ. قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ له» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
ألا فلنُبادِرْ بالتوبةِ قبلَ فواتِ الأوانِ، ولنعلمْ أنَّ الموتَ يأتي بغتةً، والقبرَ صندوقُ العملِ، وأنَّ الجزاءَ من جنسِ العملِ. ولنتقِ اللهَ في السرِّ والعلنِ، ولنجتنِبْ المعاصي صغيرَها وكبيرَها، ولنتذكَّرْ قولَ اللهِ تعالى: ﴿إِن تَجتَنِبوا كَبائِرَ ما تُنهَونَ عَنهُ نُكَفِّر عَنكُم سَيِّئاتِكُم وَنُدخِلكُم مُدخَلًا كَريمًا﴾ [النساء:٣١].
الدعاء
