خطبة عن الصحابي ( حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ )
أكتوبر 21, 2017خطبة عن (الحرية في الاسلام ،وعند الغرب)
أكتوبر 28, 2017الخطبة الأولى ( آية الكرسي : معانيها ، وخواصها ، وفضائلها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (255) البقرة
إخوة الاسلام
هذه الآية من كتاب الله من سورة البقرة ،وتسمى ( آية الكرسي ) وقد سميت بهذا الاسم لذكر الكرسي فيها ،والكرسي كما قال العلماء :هو موضع قدم الرب تبارك وتعالى تحت عرشه ، وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ” السلسلة الصحيحة للألباني ،وقد تعددت أسماء هذه الآية ، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، فمن أسمائها :أنها سيدة آي القرآن، والرقية، والمحصنة، والجُنَّة، والواقية، والكافية، وآية الكرسي، والشريفة، والعظيمة، وأشرف آية، وأعظم آية، وتُدعى في التوراة آية الله، ويُدعى قارؤها في ملكوت السموات والأرض عزيزاً ، ( فآية الكرسي ) آية عظيمة الشأن ، رفيعة القدر والمنزلة ،و قد حوت أسماء من أسماء الله الحسنى، وبينت صفات من صفاته العلية، وتحدثت عن عظمته سبحانه وتعالى ،وما له من سلطان على عباده وقدرة على مخلوقاته، وقد ذكر عنها العلماء من المفسرين أقوالا تبين عظمتها ومكانتها ، ومن أقوالهم في ذلك : قال القرطبي : “آية الكرسي تدعى في التوراة وليّة الله. يريد : يُدعى قارئها في ملكوت السموات والأرض عزيزاً…” ويقول السعدي في تفسيره: “.آية الكرسي : يحق أن تكون أعظم آيات القرآن، ويحق لمن قرأها متدبراً متفهماً أن يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان والإيمان، وأن يكون محفوظاً بذلك من شرور الشيطان” ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – يرحمه الله – : “وليس في القرآن آية واحدة تضمنت ما تضمنته آية الكرسي، وقال ابن عطية: “هذه سيدة آي القرآن، وهي متضمنة التوحيد والصفات العُلى” وقال أبو حيان: “وفضلت هذا التفضيل لما اشتملت عليه من توحيد الله وتعظيمه، وذكر صفاته العُلى، ولا مذكور أعظم من الله، فذكره أفضل من كل ذكر”
أيها المسلمون
وإذا تناولت معكم معاني ولطائف آيات ( آية الكرسي ) : فهذه الآية : أوَّلُها (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) وهي كلمةُ التوحيد، وهي نفيُ العبادةِ عمَّا سوى اللهِ، وأنَّ العبادةَ حقٌ للهِ، وأنه لا يجوزُ أن يُعبدَ غيرُه، فلا إلهَ إلا اللهُ : ولا معبودَ بحقٌّ إلا اللهُ، لا مدعُوَّ في الحقيقة إلا اللهَ، لا مستغاثَ به في الشدائد إلا اللهُ ،لا ملجأَ منه إلا إليه؛ فهو الربُّ المعبودُ المستحقُ للعبادةِ دونَ ما سواه؛ فلا ندعُو إلا هو، ولا نخافُ الخوفَ الحقيقيَّ إلا منه، ولا نستغيثُ، ولا نستعيذُ إلا به، ولا تتعلقُ القلوبُ خوفًا ورجاءً ومحبةً إلا باللهِ وحدَه . فكلمةُ التوحيد لأجلها خَلَقَ اللهُ الخلقَ، ولأجلها أنزلَ اللهُ الكتبَ، ولأجلها أرسل اللهُ الرسلَ، وقوله :(الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، فالحياةُ صفتُه، والقيُّوميةُ أفعالُه ، وهو القائمُ بأمورِ المخلوقاتِ حِفظاً ورعايةً ورزقًا، فالخلق إنما يقوم بقيُّومته هو جلَّ وعلا ، وأخبر سبحانه وتعالى عن كمال صفاتِه، وتَرَفُّعِه عن صفاتِ العِيبِ والنقص ، فقال :(لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)،أي لا يَلحقُه ذهولٌ ولا غفلةٌ عن خلقه جلَّ وعلا، بل هو حيُّ قيُّومٌ، سميعٌ بصيرٌ ، فالنومَ والنُعاسَ صفاتٌ للمخلوقِين ، وروى مسلم (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ – وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ النَّارُ – لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ». وقوله:(لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) ، أي له ملكُ السماواتِ والأرضِ، وما فيهن، وما بينهما، فالكُلُّ له على الإطلاقِ، والكُلُّ ملكٌ له على الإطلاقِ، وكُلُّ الخلق عبيدٌ له على الإطلاقِ، وقوله: (مَنْ ذَا الَّذِي) استفهامٌ وإنكارٌ (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه)، كقوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) [النجم:26]، فإذا أردتَ أن يشفعَ فيك نبيُّه صلَّى الله عليه وسلم والصالحون من عبادِه؛ فسَلِ الشفاعةَ مِمَّن يملِكُها وهو اللهُ (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً) [الزمر:44]، فهو المالكُ لها، وغيرُه ليس مالكًا لها، ولا يَقدِرُ على شيءٍ من ذلك. وقوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ)،أي يعلمُ ما سبقَ ،ويعلم الحالي والمستقبلَ، ويعلمُ حالَ العبادِ كلهم: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19]، فعلمُهُ سبحانه محيطٌ بالعبادِ، وبأحوالهم كلِّها، فعَلِمَ ذلك الأمرَ وكتبَه قبلَ أن يخلقَ الخلائقَ بخمسين ألفَ سنةٍ، وشاءَ ذلك وقدَّرَهُ ، قال تعالى :(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49]. وقوله :(وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ)، أي لا يحيطُ العبادُ بشيءٍ من علمِه إلا بما شاءَ أن يُعلِمهم ، فكُلُّ اكتشافٍ، أو اختراعٍ؛ فإنما هو من إعلامِ اللهِ لهم ، قال تعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:96]، وقال تعالى :(عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق:5]. وقوله :(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ)، فهذه من المتشابهات فنقول :آمنّا بكلام الله على مراد الله. وقوله :(وَلا يَئُودُهُ):أي لا يتعبه (حِفْظُهُمَا)أي حفظ السموات والأرض . وقوله :(وَهُوَ الْعَلِيُّ) علوُّ القهرِ، وعلوُّ الذاتِ، وعلوُّ القَدْرِ (الْعَظِيمُ)، العظيم الذي لا أعظمَ ولا أجلَّ ولا أكبرَ منه تعالى وتقدس.
أيها المسلمون
و(لآية الكرسي) فضائل كثيرة ومتعددة ، ومن فضائلها : أنَّها أفضلُ آيةٍ في القرآن، ففي صحيح مسلم (عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ.
قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ « وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ». والمقصود في قوله صلى الله عليه وسلم: “أي آية من كتاب الله أعظم؟”؛ أي في الأجر والثواب، لا بتفضيل كلام الله بعضه عن بعض؛ ومن فضائلها : أنها تحتوي على اسمَ اللهِ الأعظمَ (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)، ففي سنن الترمذي وغيره (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِى هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ (الم اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) » ومن فضائلها أنها تُبعِدُ الشيطانَ عن العبدِ وتُبطل السِّحر، وتحفظُه بحفظِ اللهِ له ،
وذلك مما ذُكر في حديث أبي هريرة وقصته مع الشيطان وفيه قال: (فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ»؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. قَالَ : «مَا هِيَ»؟ قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ وَقَالَ لِي : لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :« أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ»؟ قَالَ :لَا. قَالَ :«ذَاكَ شَيْطَانٌ». [أخرجه البخاري] . ففي هذه الآية شفاء كاف من كل داء، وهي حصن حصين من كل شر، وهي حصن من الشيطان ،وحصن من السحر ،وحصن من المس ،والعين،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( آية الكرسي : معانيها ، وخواصها ، وفضائلها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن فضائل قراءتها بعد الصلاة المكتوبة ، أنها تكون سببا في دخول قرئها الجنة :فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلَّا الْمَوْتُ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ . ومن فضائلها أن من قرأها دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ لم يزل في ذمَّةِ اللهِ إلى الصلاةِ الأُخرى ، ففي المعجم الكبير للطبرانيِّ ( قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “من قَرأَ آيةَ الكُرسيِّ دُبُرَ كُلِّ فريضةٍ؛ فهو في ذمَّةِ اللهِ إلى الصلاةِ الأخرى”. فما أعظم هذه الذمة! وما أوثقها وأقواها ! فإنها ذمة الله سبحانه وتعالى القادر المقتدر، رب الخلق، ومالك الكون، ومدبر الأمر كله، إنها ذمة الله الذي لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه، إنها ذمة الله الذي لا غالب لمن نصره، ولا ناصر لمن خذله، فعلى الراغبين في أن يدخلوا في ذمة الله أن يحرصوا على مداومة قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة. ومما ورد أيضا في فضائلها وخواصها : ما جاء عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: “ما أرى أحداً يعقل بُلغة الإسلام ينام حتى يقرأ آية الكرسي ، وخواتيم البقرة، فإنها من كنز تحت العرش”. وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: “أربع آيات أنزلت من كنز تحت العرش لم ينزل منه شيء غيرهن ؛ أم الكتاب؛ وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، والكوثر”
الدعاء