خطبة عن (تربية الأبناء أمانة ومسؤولية)
أكتوبر 29, 2025الخطبة الأولى (أثر الصدق في حياة المسلم)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ﴾ [التوبة:١١٩].
إخوة الإسلام
الصدقُ خُلُقٌ عظيمٌ من أخلاقِ الإسلامِ، وركنٌ ركينٌ من أركانِ الإيمانِ، لا يتمُّ إيمانُ المرءِ حتّى يصدُقَ في قولِه وعملِه ونيَّتِه. فهوَ مَرتبةٌ عاليةٌ دلَّ عليها القرآنُ الكريمُ، حيثُ جعَلَ اللهُ أهلَ الصدقِ مع النَّبيينَ والصِّدّيقينَ والشُّهداءِ والصالحينَ. قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقًا﴾ [النساء:٦٩]. والصدقُ دليلُ الإيمانِ، ومفتاحُ البركةِ في الحياةِ، بهِ تُحفَظُ الحقوقُ، وتطمئنُّ القلوبُ، ويشيعُ الأمنُ بينَ الناسِ. وهو صفةُ الأنبياءِ جميعًا، فما من نبيٍّ إلّا وصفَهُ اللهُ بالصدقِ. قالَ سبحانهُ في إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ: ﴿وَاذكُر فِي الكِتابِ إِبراهيمَ إِنَّهُ كانَ صِدّيقًا نَبِيًّا﴾ [مريم:٤١]. وقالَ في إدريسَ عليهِ السَّلامُ: ﴿وَاذكُر فِي الكِتابِ إِدريسَ إِنَّهُ كانَ صِدّيقًا نَبِيًّا﴾ [مريم:٥٦]. وكانَ نبيُّنا محمّدٌ ﷺ يُلقَّبُ بالصادقِ الأمينِ قبلَ بعثتِهِ، فما جُرِّبَ عليهِ كذبٌ قط، ولا خانَ عهدًا، ولا خالفَ وعدًا، حتى شهدَ له أعداؤُهُ قبلَ أصدقائِهِ.
أيُّها المسلمون
وقد جاءَ في الحديثِ الصَّحيحِ قولُ رسولِ اللهِ ﷺ: «عليكم بالصدقِ، فإنَّ الصدقَ يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ، وما يزالُ الرجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصدقَ حتّى يُكتبَ عندَ اللهِ صِدِّيقًا. وإيَّاكم والكذبَ، فإنَّ الكذبَ يهدي إلى الفجورِ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ، وما يزالُ الرجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذبَ حتّى يُكتبَ عندَ اللهِ كذّابًا» رواه البخاري و مسلم، فانظُروا كيفَ بيَّنَ النَّبيُّ ﷺ أنَّ الصدقَ طريقٌ موصلٌ إلى الجنَّةِ، وأنَّ الكذبَ سبيلٌ موصلٌ إلى النارِ.
وللصدقُ أنواعٌ متعدِّدةٌ، ومنها: صدقُ اللسانِ في الحديثِ والكلامِ. وصدقُ النيَّةِ في القصدِ والإخلاصِ. وصدقُ العملِ في الإتقانِ وعدمِ الغشِّ والخيانةِ. وصدقُ الوفاءِ بالعهودِ والوعودِ. وقد أمرَ اللهُ تعالى بالوفاءِ بالعهدِ فقال تعالى: ﴿وَأَوفوا بِالعَهدِ إِنَّ العَهدَ كانَ مَسؤولًا﴾ [الإسراء:٣٤]. ومن أعظمِ صورِ الصدقِ: الصدقُ مع اللهِ جلَّ وعلا. ويكونُ ذلكَ بإخلاصِ النيَّةِ لهُ في القولِ والعملِ، فلا يرائي المرءُ ولا يُنافِقُ، بل يقصِدُ وجهَ اللهِ وحدَه. قالَ اللهُ تعالى: ﴿فَمِنَ النّاسِ مَن يَقولُ آمَنّا بِاللَّهِ فَإِذا أوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِن جاءَ نَصرٌ مِن رَبِّكَ لَيَقولُنَّ إِنّا كُنّا مَعَكُم أَوَلَيسَ اللَّهُ بِأَعلَمَ بِما فِي صُدورِ العالَمينَ وَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَلَيَعلَمَنَّ المُنافِقينَ﴾ [العنكبوت:١٠-١١].
والمجتمعُ الذي يسودُهُ الصدقُ، مجتمعٌ آمنٌ مطمئنٌّ، يثقُ بعضُهُ ببعضٍ، وتنتشرُ فيهِ المحبَّةُ والوئامُ. أمَّا إذا شاعَ فيهِ الكذبُ والخيانةُ، انتشرَ الغشُّ والريبةُ، وضاعتِ الحقوقُ، وفقدَ الناسُ الثقةَ في بعضِهم البعضِ.وقد سُئِلَ رسولُ اللهِ ﷺ: أيكونُ المؤمنُ جبانًا؟ قال: «نعم». قيل: أيكونُ بخيلًا؟ قال: «نعم». قيل: أيكونُ كذّابًا؟ قال: «لا» [رواه مالك في الموطأ والبيهقي في الشعب وصححه الألباني]. فدلَّ ذلكَ على أنَّ الكذبَ لا يليقُ بالمؤمنِ بحالٍ، وأنَّهُ سِمَةٌ للمنافقينَ. قالَ اللهُ تعالى: ﴿إِذا جاءَكَ المُنافِقونَ قالوا نَشهَدُ إِنَّكَ لَرَسولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعلَمُ إِنَّكَ لَرَسولُهُ وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّ المُنافِقينَ لَكاذِبونَ﴾ [المنافقون:١].
ألا فلنربِّ أنفسَنا وأبناءَنا على الصدقِ في جميعِ أحوالِنا، في البيعِ والشراءِ، في القولِ والعملِ، في السرِّ والعلنِ. فقد قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «التاجرُ الصدوقُ الأمينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم.
الخطبة الثانية (أثر الصدق في حياة المسلم)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن الصدقُ سببٌ لرضا اللهِ تعالى، ورفعةُ الدرجاتِ، وحُسنُ الخاتمةِ. قالَ اللهُ تعالى: ﴿قالَ اللَّهُ هذا يَومُ يَنفَعُ الصّادِقينَ صِدقُهُم لَهُم جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ﴾ [المائدة:١١٩]. ففي يومِ القيامةِ، حينَ تنفعُ الصِّدقَةُ الصادقةُ، ويخسرُ الكاذبونَ، لا يُنجي العبدَ إلّا صدقُهُ مع ربِّه.
ومن أثار الصدق في حياة المسلم: نشر الوفاء بالوعود، مما يقوي الروابط بين أفراد المجتمع، وينشر المودة بينهم. وكذا الارتقاء بالحياة الزوجية، واستقرار الأُسَر، فالزوج يلمس نفس المواصفات التي ذُكرت له عن زوجته، والزوجة ترى وفاء الزوج لها بوعوده، ولا يخاف أحدهما من الآخر خيانة. واكتساب احترام وثقة الناس؛ مما يساعد على نجاح الإنسان في أعماله التي يقوم بها، فالصدق ينشر السُّمعة الحسنة عن الإنسان، فيزداد إقبال الناس على منتجاته، أو خدماته التي يقدمها للآخرين. وفي الصدق الراحة النفسية؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (والصدق طمأنينة)، فيعيش الإنسان بسعادة، واطمئنان، وراحة بال بفضل الصدق، فلا يضطر الإنسان الصادق إلى التمثيل على الآخرين لاعبًا دورًا لا يناسبه، فبعض الأشخاص تكوَّنت لديهم عدة شخصيات بسبب كذبهم على أنفسهم أولًا، وعلى من يتعاملون معهم ثانيًا، مما أدى إلى حدوث اضطراب داخلي لديهم، وصراع نفسي لا ينتهي.
ومن أثار الصدق في حياة المسلم: الثبات على الاستقامة: فمن آثار الصدق تمسك الصادق بدينه عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، سلوكاً وهدياً؛ فهو التزام ثابت راسخ غير متذبذب ولا متردد، لا تغويه الشبهات، ولا تغريه الشهوات، ولا تستزله الفتن، ولا تزلزله المحن. ومن أثار الصدق في حياة المسلم: البعد عن مواطن الريب، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة، ومن آثاره أيضا: حصول البركة في البيع والشراء: ففي صحيح البخاري: (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا – أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا – فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»،
ومن آثاره أيضا: البذل والتضحية لنصرة الدين: فالصادق قد باع نفسه وماله وعمره لله، ولنصرة دين الله؛ إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، همه رضا مولاه. ومن آثاره أيضا: الهمة العالية: فالصادقون أصحاب همة عالية، وعزيمة قوية ماضية، همهم رضا ربهم، فترى الصادق قد عمر وقته بالطاعات، وشغله بالقربات، ومن آثاره أيضا: تلافي التقصير واستدراك التفريط: فالصادق قد تمر به فترة ولكنها إلى سنة، وقد يعتريه تقصير ولكنه سرعان ما يتلاقاه بتكميل، وقد يلم بذنب ولكنه سريع التيقظ والتذكر فيقلع ويندم ويرجع، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف:٢٠١]. ومن آثاره أيضا: حب الصالحين وصحبة الصادقين: فالصادق يضيق بصحبة أهل الغفلة، ولا يصبر على مخالطتهم إلا بقدر ما يبلغهم به دعوة الله وينشر الخير بينهم، فلا يصحبهم إلا لضرورة من دين أو دنيا؛ ذلك لأن (المرء على دين خليله)، والصاحب ساحب، وكل قرين بالمقارن يقتدي؛ فمجالسة الصالحين نعمة يستعين بها المرء للوصول إلى رضا رب العالمين.
الدعاء
