خطبة عن (هم الدنيا والآخرة) مختصرة 2
سبتمبر 28, 2024خطبة عن (من سُبل وأسباب النجاة) مختصرة2
سبتمبر 29, 2024الخطبة الأولى (أحسن الظن بالله)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «قَالَ اللَّهُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وفي رواية لأحمد: (إِنْ ظَنَّ بِي خَيْراً فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ».
إخوة الإسلام
حسن الظن: هو ترجيح جانب الخير على جانب الشَّر، وأما حسن الظن بالله: فهو أن يحسن العبد ظنه بربه، فيظن أنه سبحانه جواد كريم، وأنه غفور ورحيم، وأنه يتوب على عباده إذا تابوا إليه، وأن فضله علينا عظيم، والمسلم يحسن ظنه بربه، مع الجد في العمل الصالح، والتوبة الصادقة، ومن ظن بالله خيرا أفاض الله عليه جزيل خيراته، وجميل كراماته، ومن عامل الله باليقين أدهشه الله في عطائه، بما يفوق خياله، وفي سنن أبي داود: (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ»، فالمسلم لا يحسن الظن بالرب، ويقيم على المعاصي، بل يحسن ظنه بربه مع العمل الصالح، أما إحسان الظن بالله مع الإقدام على المعاصي، فهذا غرور،
ومما يرسخ حسن الظن قوله صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». رواه مسلم
والسؤال: كيف نستشعر حسن الظن بالله؟، والجواب: بأن يستشعر المؤمن أن الله تعالى فارجٌ للهم، وكاشفٌ للغم، فمتى أحسن العبد ظنه بربه، فتح الله عليه من بركاته من حيث لا يحتسب، فأحسن ظنك بالله، وعلِّق رجاءك به، وإياك وسوء الظن بالله، فإنه من المهلكات، قال تعالى: (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) الفتح: (6)،
أيها المسلمون
وهناك بعض الأحوال يتوجب عليه فيها حسن الظن بالله، ومنها: عند الموت: ففي صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ «لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». وفي سنن الترمذي: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ «كَيْفَ تَجِدُكَ». قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ»،
ومن الأحوال التي يتوجب فيها حسن الظن بالله: عند الشدائد والكرب: فإنَّ الثلاثة الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لم يُكشف عنهم ما بهم من كرب وضيق إلا بعدما أحسنوا الظن بربهم، قال تعالى: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:118]. فلما أحسنوا الظن بالله رزقهم الله إياه، فالعبد المؤمن يوقن أن الله ينجيه عِنْدَ الشَّدَائِدِ، وإن كان في أحرج الحالات وأصعبها، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ، فَادْعُوا اللَّهَ – تَعَالَى – بِهَا، لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ». فَدَعَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا عَمِلَ مِنْ صَالِحَاتٍ، فَفَرَّجَ اللَّهُ – تَعَالَى عَنْهُمْ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أحسن الظن بالله)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ويتوجب على الانسان حسن الظن بالله: عند ضيق العيش: ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ». فإنزالها بالله: أن توقن وتظن أن الله تعالى يفرِّجُ عنك ويزيلها. وفي مسند أحمد: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «بَيْنَمَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَهُ فِي السَّلَفِ الْخَالِي لاَ يَقْدِرَانِ عَلَى شَيْءٍ فَجَاءَ الرَّجُلُ مِنْ سَفَرِهِ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ جَائِعاً قَدْ أَصَابَتْهُ مَسْغَبَةٌ شَدِيدَةٌ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ أَعِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ نَعَمْ أَبْشِرْ أَتَاكَ رِزْقُ اللَّهِ. فَاسْتَحَثَّهَا فَقَالَ وَيْحَكِ ابْتَغِي إِنْ كَانَ عِنْدَكِ شَيْءٌ. قَالَتْ نَعَمْ هُنَيَّةً نَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ. حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيْهِ الطَّوَى قَالَ وَيْحَكِ قَوْمِي فَابْتَغِي إِنْ كَانَ عِنْدَكِ خُبْزٌ فَأْتِينِي بِهِ فَإِنِّي قَدْ بَلَغْتُ وَجَهِدْتُ. فَقَالَتْ نَعَمِ الآنَ يَنْضُجُ التَنُّورُ فَلاَ تَعْجَلْ. فَلَمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا سَاعَةً وَتَحَيَّنَتْ أَيْضاً أَنْ يَقُولَ لَهَا قَالَتْ هِيَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهَا لَوْ قُمْتُ فَنَظَرْتُ إِلَى تَنُّورِي. فَقَامَتْ فَنَظَرَتْ فَوَجَدَتْ تَنُّورَهَا مَلآنَ جُنُوبَ الْغَنَمِ وَرَحْيَيْهَا تَطْحَنَانِ فَقَامَتْ إِلَى الرَّحَى فَنَفَضَتْهَا وَأَخْرَجَتْ مَا فِي تَنُّورِهَا مِنْ جُنُوبِ الْغَنَمِ». قَالَ «لَوْ أَخَذَتْ مَا فِي رَحْيَيْهَا وَلَمْ تَنْفُضْهَا لَطَحَنَتْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
ويتوجب على الانسان حسن الظن بالله: عند غلبة الدَّين: ففي صحيح البخاري: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ يَا بُنَىِّ، إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا فَقَالَ يَا بُنَيِّ بِعْ مَالَنَا فَاقْضِ دَيْنِي ..قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ يَا بُنَيِّ، إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلاَيَ ..قُلْتُ يَا أَبَتِ مَنْ مَوْلاَكَ قَالَ اللَّهُ. قَالَ فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلاَّ قُلْتُ يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ، اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ. فَيَقْضِيهِ)
ويتوجب على الانسان حسن الظن بالله: عند الدعاء: ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ».
ويتوجب على الانسان حسن الظن بالله: عند التوبة: ففي صحيح مسلم: (فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ… وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ».
الدعاء