خطبة عن حديث (مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السَّلاَطِينِ افْتُتِنَ)
نوفمبر 9, 2019خطبة عن حديث (الصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ)
نوفمبر 16, 2019الخطبة الأولى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (26) فصلت
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ،وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك ، ولقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (26) فصلت ، يقول الطبري في تفسيرها : أي : قالوا للذين يطيعونهم من أوليائهم من المشركين: لا تسمعوا لقارئ هذا القرآن إذا قرأه, ولا تصغوا له, ولا تتبعوا ما فيه فتعملوا به. ( وَالْغَوْا فِيهِ ) يقول: الغطوا بالباطل من القول إذا سمعتم قارئه يقرؤه كَيْما لا تسمعوه, ولا تفهموا ما فيه. ( لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) يقول: لعلكم بفعلكم ذلك تصدون من أراد استماعه عن استماعه, فلا يسمعه, وإذا لم يسمعه ولم يفهمه لم يتبعه, فتغلبون بذلك من فعلكم محمدا. وقال البقاعي في تفسيره : “وهذا يدل على أنهم عارفون بأن من سمعه ولا هوى عنده مال إليه..، وقد فضحوا أنفسهم بهذا فضيحة لا مثيل لها؛ وذلك (لأنه تحداهم).. أن يأتوا بشيء من مثله ليعدوا غالبين فلم يجدوا شيئاً.. إلا الصفير والتصفيق ونحوه من اللغو في معارضة ما عَلَى من أعلى ذُرَى الكلام إلى حيث لا مَطْمَع ولا مُرَام!”.. ويقول ابن عاشور : وهذا من شأن دعاة الضلال والباطل أن يكُمُّوا أفواه الناطقين بالحق والحجة ، بما يستطيعون من تخويف وتسويل ، وترهيب وترغيب ولا يَدعوا الناس يتجادلون بالحجة ويتراجعون بالأدلة لأنهم يوقنون أن حجة خصومهم أنهَضُ ، فهم يسترونها ويدافعونها لا بمثلها ولكن بأساليب من البهتان والتضليل ، فإذا أعيتهم الحِيَل ورأوا بوارق الحق تخفق خَشُوا أن يعُمَّ نورُها الناسَ الذين فيهم بقية من خير ورشد عدلوا إلى لغو الكلام ونفخوا في أبواق اللغو والجعجعة لعلهم يغلبون بذلك على حجج الحق ويغمرون الكلام القول الصالح باللغو ، وكذلك شأن هؤلاء . ويقول السعدى : { لَعَلَّكُمْ } إن فعلتم ذلك { تَغْلِبُونَ } وهذه شهادة من الأعداء، وأوضح الحق، ما شهدت به الأعداء، فإنهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق إلا في حال الإعراض عنه والتواصي بذلك، ومفهوم كلامهم، أنهم إن لم يلغوا فيه، بل استمعوا إليه، وألقوا أذهانهم، أنهم لا يغلبون، فإن الحق، غالب غير مغلوب، يعرف هذا، أصحاب الحق وأعداؤه. وفي الوسيط لطنطاوي : ولا شك أن قولهم هذا دليل واضح على خوفهم من تأثير القرآن في القلوب ، هذا التأثير الذى حمل كثيرا منهم عند سماعه على الدخول في الإِسلام ونبذ الكفر والكافرين ، كما يدل على أنهم لعجزهم عن معارضته ، وعن الإِتيان بسورة من مثله ، لجأوا إلى تلك الأساليب السخيفة ، لصرف الناس عن سماع القرآن الكريم ، وقال الخطابي: ولهذا أسلم جبير بن مطعم لما سمع قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- للطور حتى انتهى إلى قوله (تعالى): “إِنّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ” [الطور:7]، قال: (خشيت أن يدركني العذاب)، وفي لفظ: (كاد قلبي يطير)؛ فأسلم، وفي أثر آخر أن عمر – رضي الله عنه- لما سمع سورة طه أسلم، وغير ذلك، وقال سيد قطب في تفسيره : “كفار قريش هم أعرف الناس بأن هذا الأداء القرآني معجز.. معجز؛ سواء كانوا يؤمنون بهذا الدين عقيدة أو لا يؤمنون، فالتحدي في هذا الجانب قائم على أسس موضوعية يستوي أمامها المؤمنون والجاحدون، وكما كان كبراء قريش يجدون من هذا القرآن في جاهليتهم ما لا قبل لهم بدفعه عن أنفسهم وهم جاحدون كارهون؛ كذلك يجد اليوم وغداً كل جاهلي جاحد كاره ما وجد الجاهليون الأولون، ويبقى وراء ذلك السر المعجز في هذا الكتاب الفريد..، ذلك السلطان الذي له على الفطرة متى خلي بينها وبينه لحظة، وحتى الذين رانت على قلوبهم الحُجُب.. تنتفض قلوبهم تحت وطأة هذا السلطان وهم يستمعون إلى هذا القرآن..، إنه قاهر غَلاَّب بذلك السلطان الغَلاَّب، ..، وما يزال كبراء اليوم يحاولون أن يصرفوا القلوب عن هذا القرآن..، غير أن هذا القرآن يظل غَلاَّباً، وما إن تعرض الآية منه حتى تستولي على الحس الداخلي للسامعين”.
أيها المسلمون
وإن لهؤلاء الكفار والمعاندين في كل زمان ومكان وسائل للصد عن دين الإسلام ،ومحاربته ، وإن لهؤلاء طرقاً في محاولة إطفاء ذلك النور ،الذي يريد الله أن يتمه، ويريد هؤلاء القوم أن يطمسوه، ومن الأساليب التي اتخذوها في مواجهة الحق: أولا : إثارة الشكوك والشبهات، وإطلاق التهم على أهل الإسلام المخلصين، والدعاة الصالحين ، إنهم يشككون في مقاصد الصالحين، إنهم يطلقون عليهم التهم الباطلة ، قال الله تعالى : (وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) الحجر:6، وقال الله تعالى : (وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ) ص:4. وكفار اليوم أيضا ينعتون المسلمين بالتطرف والإرهاب، والوحشية والتشدد والأصولية، ونحو ذلك، وتنطلق ماكيناتهم الإعلامية في تزوير الحقائق، وتشويه سُمعة أهل الإسلام، كما انطلقت ماكينة قريش الإعلامية ، فروى الإمام أحمد (عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ عَبَّادٍ مِنْ بَنِى الدِّيلِ وَكَانَ جَاهِلِيًّا قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَهُوَ يَقُولُ : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا ». وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَوَرَاءَهُ رَجُلٌ وَضِيءُ الْوَجْهِ أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ. يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَذَكَرُوا لِي نَسَبَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالُوا لِي هَذَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ. ثانيا : ومن الأساليب التي اتخذوها في مواجهة الحق: الضغط على الشخص من خلال أقاربه: فروى البخاري في التاريخ، والبيهقي من حديث عقيل بن أبي طالب قال: “جاءت قريش إلى أبي طالب -إلى عم النبي عليه الصلاة والسلام-، فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا -ومسجدنا-؛ فانهه عنا، فقال: يا عقيل، ائتني بمحمد، فانطلق إليه، فاستخرجته من كنس -يعني بيت صغير- فجاء به في الظهيرة في شدة الحر، فلما أتاهم” أي النبي عليه الصلاة والسلام إلى عمه أبي طالب، وفي المجلس رؤساء قريش، قال أبو طالب: إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء، فقال: (ترون هذه الشمس؟) قالوا: نعم، قال: (فما أنا بأقدر على أن أرد ذلك منكم على أن تشعلوا منها شعلة) لا أستطيع أن أدع الحق، ولا إعلان الحق كما أنكم لا تستطيعون الإتيان بشعلة من الشمس، ولو جئتم بشعلة من الشمس ما تركت هذا، فكان عليه الصلاة والسلام يرفض السكوت عن الحق، وهذا من أهم أسباب المواجهة، فمن أهم الوسائل عدم التنازل عن الحق، عدم التنازل عن قوله، عدم التنازل عن إبلاغه، عدم التنازل عن بيانه، عدم التنازل عن توضيحه، لا تراجع، لا مساومات في المبادئ ، ثالثا : ومن الأساليب التي اتخذوها في مواجهة الحق: التهديد والوعيد، روى البخاري : (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ لأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ . فَبَلَغَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « لَوْ فَعَلَهُ لأَخَذَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأساليب التي اتخذوها في مواجهة الحق: التشويش على الدعوة ، قال الله تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) فصلت:26 ، أي : شوشوا، إذا سمعتم القرآن ،ارفعوا أصواتكم بالصياح، شوشوا عليه؛ لئلا يسمعه آخرون، ولئلا تسمعوه أنتم، وروى البخاري في صحيحه : (فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاَةِ وَلاَ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ ، ثُمَّ بَدَا لأَبِى بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ ، وَبَرَزَ فَكَانَ يُصَلِّى فِيهِ ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالُوا لَهُ إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ ، وَأَعْلَنَ الصَّلاَةَ وَالْقِرَاءَةَ ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا ، فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ ، وَإِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ ، فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِى بَكْرٍ الاِسْتِعْلاَنَ) خامسا : ومن الأساليب التي اتخذوها في مواجهة الحق: أسلوب الاغراءات : فقد عتبة بن ربيعة للنبي عليه الصلاة والسلام يقول: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً ،جمعنا لك من أموالنا ،حتى تكون أكثرنا مالاً، وأغروه بالمنصب ، فقال: وإن كنت تريد به شرفاً ،سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وأغروه بالملك ، فقال: وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وأغروه بالعناية الطبية الفائقة ، فقال: وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك؛ طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه،
أيها المسلمون
ولقد كان القرآن ينزل على قلب النبي صلى الله وعليه وسلم وقلوب الصحابة غَضًّا طريًّا، تتشرب القرآن ومعانيه، يأخذونه مأخذ التنفيذ والتطبيق، وكان من نهج الصحابة رضوان الله عليهم ، أنهم لا يزيدون على حفظ عشر آيات حتى يعرفوا معانيها وحقها، ويفهموا ما فيها من الحلال والحرام، ولا يتجاوزونها إلى غيرها حتى يُتِمُّوها عملاً وفهماً. والقرآن العظيم له لذة في القلوب وبهجة في الأرواح ونور في الضمير، حتى إن عثمان بن عفان رضى الله عنه قال: “لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله”. وقال الوليد بن المغيرة أحد سادة قريش :”سمعتُ منه كلاماً ليس من كلام الجنّ ولا من كلام الإنس، واللهِ إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لَمُثْمِر، وإن أسفله لْمُغْدِق، وإنه ليعلو ولا يُعْلَى عليه.”. وهذه شهادة كافر تأثر بالقرآن، فما بال القلوب قد تَيَبَّسَتْ فلم تستشعر لذة القرآن؟! ، حتى إن الكثير من المسلمين اليوم، إلا من رحم الله، لا يجاوز القرآن حناجرهم، فبقدر إقبالهم على المصاحف يرتلون القرآن في رمضان ويختمونه كثيراً، إلا أنها قراءةٌ خاوية، خلت من التدبر والتأمل، فلم يعد لها ثمرةٌ في حياتهم وسلوكياتهم، وميزان أخلاقهم، فذهب عن القراءة قيمتها؛ لأنها لم تغير نفس صاحبها، والله رب العالمين ينعى على الذين لا يتدبرون القرآن، ولا يتفهمون معانيه، قائلاً: “أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أم على قلوب أقفالها”؟!فالقرآن كتاب حياة، تَنَزَّل للعمل به، والاستسلام لأحكامه، وتشريعاته، وحدوده ،والوقوف على مواعظه ،وإجرائها على القلوب، حتى تستقيم على ما يحبه الله، وينهض بالحياة، ويقيم الحضارة الإنسانية في ميدان الوجود؛ حتى يصير كُلٌّ منا تطبيقًاً حيًّا لتعاليم القرآن، ودعوةً نابضةً للإسلام العظيم
الدعاء