خطبة عن (احذروا الكهان والعرافين)
أغسطس 2, 2023خطبة عن (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ)
أغسطس 2, 2023الخطبة الأولى (أسباب مغفرة الذنوب)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (82) طه، وقال تعالى: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (3) غافر، وقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» رواه الترمذي
إخوة الإسلام
المسلم يحرص على رضا الله سبحانه وتعالى في كلّ أموره، وذلك بفعل ما أمره الله به، واجتناب ما نهاه الله عنه، وقد يقع من المسلم شيء من الذنوب والمعاصي، وإذا حصل من الإنسان شيء من ذلك فعليه المبادرة بالاستغفار والتوبة إلى الله عما وقع فيه، وقد بيّن القرآن الكريم حال المسلم إذا وقعت منه الذنوب والمعاصي، فقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر: 53.
ومن المعلوم أن الذنوب كبائر وصغائر، فإذا كانت المعصية التي وقع فيها العبد كبيرة من الكبائر، كالرّدة، والزّنا، والرّبا، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين وقذف المحصنات، وقتل النّفس، وأكل مال اليتيم، فيجب عليه وجوباً عينياً أنْ يتوب منها، والتوبة تتحقق بأمور ثلاثة: أن يقلع عن المعصية فوراً، وأن يعزم على عدم العودة إليها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يجد في قلبه ندماً على ما قصر فيه، فيستغفر الله على ما كان، فإذا فعل ذلك غفر الله تعالى له كما وعد، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} الشورى:25، وإذا كانت المعصية متعلقة بحقّ من حقوق الناس: كأن يأخذ مال أحدٍ، بغير حق، فيجب عليه أن يعيد الحقّوق إلى أصحابها. وأمّا إذا كانت المعصية دون الكبائر؛ فإن الله تعالى جعل لها أسباباً كثيرة للمغفرة، رحمةً منه وفضلاً، ولو شاء لما عفا عن شيء، قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} الشورى:30،
ومن هذه الأسباب: السبب الأول: (الدعاء مع الرجاء): فإن الدعاء مأمور به العبد، وموعود عليه بالإجابة، كما قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُونِي أَستَجِب لَكُم) غافر:60، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ »، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ. كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ
مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ». وفي سنن الترمذي: (عَنْ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ».
السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار: فلو عظمت الذنوب، وبلغت العنان، وتاب العبد ورجع إلى ربه، قبل الله توبته، قال اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} آل عمران (135، 136)، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} النساء (110)، وقال اللَّه تعالى: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} هود (61)، وفي سنن أبي داود وغيره: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ». وفي صحيح مسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً..)
السبب الثالث من أسباب المغفرة: التوحيد: وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة. قال الله تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) النساء: 48، وفي صحيح البخاري: (عَنْ عُبَادَةَ – رضي الله عنه – عَنْ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ»، وفي الصحيحين: (عن عتبان – رضي الله عنه – وفيه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: «فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ»، وفي الحديث المتقدم ذكره: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» رواه الترمذي، فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض، (وهو ملؤها، أو ما يقارب ملؤها) خطايا، لقيه الله بقرابها مغفرة، ولكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار، بل يخرج منها، ثم يدخل الجنة. فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه، وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت، أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكلية. فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه، أخرجت منه كل ما سوى الله محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة وخشية ورجاء وتوكلا. وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر وربما قلبتها حسنات، فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم، فلو وضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا، لقلبها حسنات. وفي مسند أحمد: (عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ حَاضِرٌ يُصَدِّقُهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « هَلْ فِيكُمْ غَرِيبٌ ». يَعْنِى أَهْلَ الْكِتَابِ فَقُلْنَا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَمَرَ بِغَلْقِ الْبَابِ وَقَالَ « ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ وَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ». فَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا سَاعَةً ثُمَّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ ثُمَّ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ بَعَثْتَنِي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَأَمَرْتَنِي بِهَا وَوَعَدْتَنِي عَلَيْهَا الْجَنَّةَ وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ». ثُمَّ قَالَ « أَبْشِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ »
ومن مكفرات الذنوب: الإخلاص: فإخلاص العمل لله تعالى تُغفر به جميع الذنوب، وتُضاعف به الحسنات: ففي صحيح البخاري: (أن الْبَرَاءَ – رضي الله عنه – يَقُولُ أَتَى النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ وَأُسْلِمُ . قَالَ « أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ » . فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ ، فَقُتِلَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرًا »، وفي مسند أحمد: (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ – رضي الله عنه -، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ، فَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ يُعَلِّمُهُ الْإِسْلَامَ وَهُوَ فِي مَسِيرِهِ، فَدَخَلَ خُفُّ بَعِيرِهِ فِي جُحْرِ يَرْبُوعٍ، فَوَقَصَهُ بَعِيرُهُ، فَمَاتَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرًا» قَالَهَا حَمَّادٌ ثَلَاثًا) وفي لفظ: عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا بَرَزْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِذَا رَاكِبٌ يُوضِعُ نَحْوَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «كَأَنَّ هَذَا الرَّاكِبَ إِيَّاكُمْ يُرِيدُ» قَالَ: فَانْتَهَى الرَّجُلُ إِلَيْنَا، فَسَلَّمَ، فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟» قَالَ: مِنْ أَهْلِي وَوَلَدِي وَعَشِيرَتِي، قَالَ: «فَأَيْنَ تُرِيدُ؟» قَالَ: أُرِيدُ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «فَقَدْ أَصَبْتَهُ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ»، قَالَ: قَدْ أَقْرَرْتُ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ بَعِيرَهُ دَخَلَتْ يَدُهُ فِي شَبَكَةِ جُرْذَانٍ، فَهَوَى بَعِيرُهُ وَهَوَى الرَّجُلُ، فَوَقَعَ عَلَى هَامَتِهِ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيَّ بِالرَّجُلِ» قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةُ فَأَقْعَدَاهُ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ، قُبِضَ الرَّجُلُ. قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُمَا رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «أَمَا رَأَيْتُمَا إِعْرَاضِي عَنِ الرَّجُلِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ مَلَكَيْنِ يَدُسَّانِ فِي فِيهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مَاتَ جَائِعًا» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «هَذَا وَاللهِ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ – عز وجل -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الانعام: 82)، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «دُونَكُمْ أَخَاكُمْ» قَالَ: فَاحْتَمَلْنَاهُ إِلَى الْمَاءِ، فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ ، وَكَفَّنَّاهُ، وَحَمَلْنَاهُ إِلَى الْقَبْرِ، قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – حَتَّى جَلَسَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، قَالَ: فَقَالَ: «أَلْحِدُوا وَلَا تَشُقُّوا، فَإِنَّ اللَّحْدَ لَنَا، وَالشَّقَّ لِغَيْرِنَا»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أسباب مغفرة الذنوب)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن أسباب مُكفِّرات الذنوب : الإيمان والعمل الصالح قال اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} العنكبوت: 7، وقال اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} محمد: 2، وقال اللَّه تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} الحج: 50، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ »، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الصَّلاَةُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ».
ومن مكفرات الذنوب : الصبر: قال اللَّه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} هود : 11، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ »، وفي الصحيحين: (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ – رضى الله عنه – قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا . قَالَ « أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ » . قَالَ لَكَ أَجْرَانِ قَالَ « نَعَمْ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا »
الدعاء