خطبة عن (التضرع) مختصرة
يونيو 24, 2024خطبة عن (الافتقار إلى الله)
يونيو 24, 2024الخطبة الأولى (أسد الله حمزة)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في صحيح الترغيب للألباني: (عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جَائِرٍ فأمرَهُ ونَهاهُ، فَقَتَلهُ)
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (29) الفتح، وفي صحيح مسلم: (قال صلى الله عليه وسلم: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ، فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ – صلى الله عليه وسلم – فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَغْزُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ – صلى الله عليه وسلم – فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ فَما رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَناً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَأَوْا سَيِّئاً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ).
فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً، وأحسنهم خلقاً، واليوم- إن شاء الله- نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد، نقترب منهم، لنرى إيمانهم، وثباتهم، وبطولاتهم، وولاءهم لله ورسوله، لنرى البذل الذي بذلوا، والهول الذي احتملوا، والفوز الذي أحرزوا، لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسد الله، مع: (حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الهَاشِمِي القُرَشِيُّ)، فهو صحابي من صحابة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وعمُّه وأخوه من الرضاعة، ففي صحيح البخاري: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قِيلَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَلاَ تَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ قَالَ «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ»، وكان رضي الله عنه وأحدا من وزراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أسنُّ من الرسولِ بسنتين، كما أنه قريبٌ له من جهة أمه، وكان حمزة فارسًا راميًا، سيدًا من سادات قريشٍ ونبلائها؛ فكان أعزُّ فتىً في قريشٍ في الجاهليّة والإسلام، وأقواهم عزيمةً، وأكثرهم شجاعةً وجرأةً في الحقّ؛
وقد كان إسلام حمزة (رضي الله عنه) في شهر ذي الحِجّة، من السَّنة السادسة للبِعثة، في مكّة المكرّمة، وكان إسلامًا من باب الأنفة والانتصار لابن أخيه، ثُمّ شرح الله صدره للإسلام ،فقد مرّ أبو جهلٍ على النّبي -صلى الله عليه وسلم- عند الصَّفا، فتوجّه إلى الرَّسول- صلى الله عليه وسلم- بالأذى والسبّ والشَّتم، وفي بعض الرِّوايات حمل حجرًا وضرب به رأسه الشَّريف، ثُمّ انصرف عنه إلى قريشٍ في ناديها حول الكعبة، وجلس بينهم، فعندما تعرّض الرَّسول الكريم للإهانة والضّرب من قبل أبي جهل، كانت مولاة عبد الله بن جدعان شاهدةً على كُلِّ ما حدث؛ فلمّا أقبل حمزة بن عبد المُطّلب متقلدًّا قوسه، أخبرته ما كان من أمر أبي جهل وابن أخيه، فذهب حمزة غاضبًا، حتّى قام على أبي جهلٍ، وقال له: “تشتم ابن أخي وأنا على دينه”، ثُمّ ضربه بالقوس؛ فشجَّه شجّةً بالغةً، وبهذا القول لأبي جهلٍ، دخل حمزة الإسلام، ولمْ يتراجع عن كلمةٍ قالها؛ فنال المنزلة العظيمة في الدُّنيا والآخرة، فقد كان المسلمون قبل إسلامه وإسلام عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، لا يجرؤون على الظهور أمام المشركين، وإعلان إسلامهم، ولكنّهم بعد إسلامهما، خرجوا في صفَّيْن؛ صفّ يقوده عمر، وصف يقوده حمزة. ثم هاجر حمزة رضي الله عنه إلى المدينة المنورة، فآخى الرسولُ بينه وبين زيد بن حارثة. وكان أولُ لواء عقده الرسولُ صلى الله عليه وسلم هو اللواءَ الذي عقده لحمزة، وشهد حمزةُ غزوة بدر، وقَتَلَ فيها شيبة بن ربيعة مبارزةً، وقتل غيرَه كثيراً من المشركين، ولذا فقد لقب -رضي الله عنه- بأسد الله، وأسد رسوله؛ لشجاعته وبسالته التي أبداها في قتاله، وجهاده في غزوة بدر، وكان يُقاتل بسيفين، حتى يذهل الناس بقوته، وقدرته على القتال، ويدعونه بالأسد، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ – رضي الله عنه – أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ فِيهَا إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) الحج: (19)، نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ يَوْمَ بَرَزُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ)
وشارك حمزة بن عبد المطلب في غزوة أحد، وكان ينادي في الناس وهو يقاتل: أنا أسد الله ورسوله، ثم نال الشهادة بعد أن قتل من المشركين، وكان الذي قتله هو وحشي بن حرب الحبشي، غلامُ جبير بن مطعم، ففي صحيح البخاري: (وقد سئل وحشي عن قتله لحمزة فقال: (إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِىِّ بْنِ الْخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلاَيَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ، قَالَ فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ – وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ – خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ، فَلَمَّا اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ قَالَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ يَا سِبَاعُ يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ، أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ – قَالَ – وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا دَنَا مِنِّى رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وَرِكَيْهِ – قَالَ – فَكَانَ ذَاكَ الْعَهْدَ بِهِ)، وخرج الرسولُ يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي قد مُثِّل به، فلم ير منظراً كان أوجع لقلبه منه، وفي صحيح البخاري: (أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ». فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدٍ، قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا)، وفي سنن النسائي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِقَتْلَى أُحُدٍ : «زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللَّهِ إِلاَّ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ». وفي مسند أحمد: (عَنْ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي الزُّبَيْرُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ تَسْعَى حَتَّى إِذَا كَادَتْ أَنْ تُشْرِفَ عَلَى الْقَتْلَى – قَالَ – فَكَرِهَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تَرَاهُمْ فَقَالَ «الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ». قَالَ الزُّبَيْرُ فَتَوَسَّمْتُ أَنَّهَا أُمِّي صَفِيَّةُ – قَالَ – فَخَرَجْتُ أَسْعَى إِلَيْهَا فَأَدْرَكْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْقَتْلَى – قَالَ – فَلَدَمَتْ فِي صَدْرِي وَكَانَتِ امْرَأَةً جَلْدَةً قَالَتْ إِلَيْكَ لاَ أَرْضَ لَكَ. قَالَ فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَزَمَ عَلَيْكِ – قَالَ – فَوَقَفَتْ وَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ مَعَهَا فَقَالَتْ هَذَانِ ثَوْبَانِ جِئْتُ بِهِمَا لأَخِي حَمْزَةَ فَقَدْ بَلَغَنِي مَقْتَلُهُ فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا. قَالَ فَجِئْنَا بِالثَّوْبَيْنِ لِنُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ قَتِيلٌ قَدْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِحَمْزَةَ – قَالَ – فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالأَنْصَارِيُّ لاَ كَفَنَ لَهُ فَقُلْنَا لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ وَلِلأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ فَقَدَرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنَ الآخَرِ فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي طَارَ لَهُ)، ودفن حمزة وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد.
وهكذا قُتل حمزة رضيَ الله عنه ومَثَّلَ به المشركون؛ انتقامًا من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد تأثَّر لذلك كثيرًا، فوقف على حمزة، فرآه قد شُقَّ بطنُه، وقد مُثِّلَ به، فكره أن ينظر إليه، وفي المعجم الكبير للطبراني: (روى أبو هُرَيْرَة رضيَ الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقف على حمزة حيث استُشْهِدَ، فنظر إلى منظرٍ لم ينظر إلى شيءٍ قطُّ كان أوجع لقلبه منه، ونظر إليه وقد مُثِّل به فقال: (رحمة الله عليكَ، فإنَّك كنتَ – ما علمتُ – وَصُولاً للرِّحِم، فعولاً للخيرات، ولولا حزنُ مَنْ بعدكَ عليكَ؛ لسرَّني أن أترككَ حتى يحشركَ الله من أرواحٍ شتَّى، أما والله عليَّ ذلك لأمثِّلَنَّ بسبعين منهم مكانكَ)؛ فنزل جبريل – عليه السَّلام – بخواتيم النَّحل: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل:126]؛ فكفَّر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن يمينه، وأمسك عن الذي أراد، وصبر، وفي سنن البيهقي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ أَقْبَلَتْ صَفِيَّةُ تَطْلُبُهُ لاَ تَدْرِى مَا صَنَعَ فَلَقِيَتْ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ فَقَالَ عَلِىٌّ لِلزُّبَيْرِ : اذْكُرْ لأُمِّكَ فَقَالَ الزُّبَيْرُ : لاَ بَلْ أَنْتَ اذْكُرْ لِعَمَّتِكَ قَالَ فَقَالَتْ : مَا فَعَلَ حَمْزَةُ فَأَرَيَاهَا أَنَّهُمَا لاَ يَدْرِيَانِ قَالَ فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ :« إِنِّي أَخَافُ عَلَى عَقْلِهَا. فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهَا وَدَعَا لَهَا قَالَ فَاسْتَرْجَعَتْ وَبَكَتْ قَالَ ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عَلَيْهِ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقَالَ :« لَوْلاَ جَزَعُ النِّسَاءِ لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ بُطُونِ السِّبَاعِ ، وَحَوَاصِلِ الطَّيْرِ ». قَالَ : ثُمَّ أَمْرَ بِالْقَتْلَى فَجَعَلَ يُصَلِّى عَلَيْهِمْ. فَيُوضَعُ تِسْعَةٌ وَحَمْزَةُ فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِمْ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَيُرْفَعُونَ وَيُتْرَكُ حَمْزَةُ ، ثُمَّ يُجَاءَ بِتِسْعَةٍ فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِمْ سَبْعًا حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أسد الله حمزة)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وهكذا كان حمزةُ رضيَ الله عنه من شهداء أُحد؛ بل هو سيِّد الشُّهداء، ففي صحيح الترغيب للألباني: (عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جَائِرٍ فأمرَهُ ونَهاهُ ، فَقَتَلهُ)، وشهد الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام لشهداء أُحُدٍ بالجنَّة؛ ففي مسند أحمد: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجَوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْربِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ وَحُسْنَ مُنْقَلَبِهِمْ قَالُوا يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ بِمَا صَنَعَ اللَّهُ لَنَا لِئَلاَّ يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عَنِ الْحَرْبِ. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاَءِ الآيَاتِ عَلَى رَسُولِهِ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ) [آل عمران:169 ]؛وقد حَرَّم الله أجسادهم على الأرض أن تُبلِيها؛ فبعد أربعين عامًا من وقعة أُحد، أراد معاوية رضيَ الله عنه أن يجري عينه التي بأُحد؛ فكتبوا إليه: إنَّا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء؛ فكتب إليهم: انبشوهم. قال جابر: فرأيتُهم يُحملَون على أعناق الرجال؛ كأنَّهم قومٌ نيامٌ، وأصابت المَسْحَاةُ طرف رجل حمزة بن عبدالمطلب؛ فانبعث دمًا)،
فرضي الله عن أسد الله حمزة، ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، وجمعنا بهم في جنات النعيم،
الدعاء