خطبة عن (أقبل يا رمضان) مختصرة1
فبراير 22, 2025الخطبة الأولى (أقبل يا شهر رمضان)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (183) البقرة
إخوة الإسلام
من فضل الله ورحمته، أن جعل للخير مواسم ، يكثر فيها الأجر، ويعظم فيها الفضل، فتنشط الهمم، وتقوى العزائم، ابتغاء الأجر العظيم والثواب الجزيل، وشهر رمضان المبارك من أعظم هذه المواسم، فهو شهر الصيام، والقيام، وتلاوة القرآن، وشهر يُنادى فيه المنادي: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ولله فيه عتقاء من النار كل ليلة، فما أعظم فضل هذا الشهر، وما أجل منـزلته ومكانته، وما أعظم مِنَّة الله على العباد فيه، تلك المنة التي من تأملها عرف عِظَم فضل الله عليه، حيث أحياه ومد في عمره حتى أدرك هذا الشهر العظيم،
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر الكريم، ويبين لهم فضائله، ليحثهم على الاجتهاد في العمل الصالح، فقد روى الإمام أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ «قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ»، نعم، إنها بشرى عظيمة، فكيف لا يفرح المؤمن بشهر يفتح الله فيه أبواب الجنة؟، وكيف لا يستبشرُ المذنبُ بشهر يغلق الله فيه أبواب النار، وتغلُّ فيه الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر؟، فالمؤمنون وأصحاب العقول يعرفون لرمضان فضله، ويقدِرُونَ له قدرَه، ويجلِّونَ زمانهُ، ويعظِمونَ أيامهُ، ويَفرَحُون بِهِ، وَيُحِبُّون لقاءه، وَ “مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ”، فهو عندهم موسمٌ جليل، وليس له مثيل، فشهرُ رمضان شهرُ بركةٍ، يغشاكُمُ الله فيه برحمتِه، ويحُطُّ الخطايا، ويستجيبُ الدعاءَ، وينظرُ الله إلى تنافُسِكُم فيه، ويُباهي بِكُم ملائكتَه، فَأروا الله مِن أنفُسَكُم خيراً، فإن الشقيَّ من حُرِمَ رحمَة الله، ورحم الله عبداً سارع إلى طاعة مولاه، وغلب شهوته وخالف هواه؛ فكان له من عظيم الأجر ما تقر به عيناه، وحري بكل مسلم يقْدِر لرمضان قدْرَه، ويعرف لشهر رمضان شرفه وفضله، أن يستقبله أحسن استقبال، وأن يفرحَ بقدومه غاية الفرح، وأن يستعد له أحسن الاستعداد، وأن يُقبل عليه أفضل إقبال، وفي الصحيحين: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ»
أيها المسلمون
ومن حسن الاستعداد لشهر رمضان عقد العزم على تعميره بالطاعات وزيادة الحسنات، وهجر السيئات، وبذل الوسع في استغلال كل لحظة في رضا الله سبحانه وتعالى، وشهر رمضان فرصتك للتغيير، بأن تلتزم المساجد، وتصلي مع المسلمين، وتحضر دروس العلم، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً». وفيه أيضا: (قال صلى الله عليه وسلم: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)، ورمضان فرصة للتغيير: بأن تحافظ على صلاة الفجر في جماعة، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ فَهْوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». ورمضان فرصة للتغيير لمن كان ينام الليل كله، ففي رمضان يُروِّض المسلم نفسه على قيام الليل، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وفي الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ – رضي الله عنهما – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَكُنْ بِمِثْلِ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ». ففي شهر رمضان يتذوق المؤمن طعم قيام الليل لله، ولذة مناجاته، والبكاء بين يديه، في ذلك الوقت العظيم، الذي يتنزل الله فيه، وينادي على عباده، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ». وشهر رمضان فرصة لتغيير أخلاقنا إلى الأفضل: فمن كان قليل الصبر، سريع الغضب، يتعلم في شهر رمضان الصبر والتحمل، فيصبر على الجوع والعطش والتعب ساعات طويلة، ويتخلق بأخلاق المؤمنين، فلا يسب ولا يشتم، ففي الصحيحين: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «.. وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)، فالصبر على أذى الناس، وتحمل أخطائهم، والاحسان إليهم، من أخلاق المؤمنين، قال الله تعالى في شأن المؤمنين: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران:134، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ». وفي سنن الترمذي: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ» ، ورمضان فرصة للتغيير لمن كان يأكل الحرام، من خلال: أكل الربا أو التلاعب في البيع والشراء أو بيع المحرمات ، أو سرقة أموال الناس، فرمضان فيه فرصة ليغير حاله، وأن يدع أكل الحرام، حتى يتقبل الله منه صيامه وقيامه، ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ»، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أقبل يا شهر رمضان)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن أهل التجارة في الدنيا يحرصون على استغلال مواسم التجارة، ابتغاء كسب الأرباح، وحريٌّ بالمؤمن في تجارته مع الله أن يكون أكثر إقبالاً من أهل الدنيا على دنياهم، فالتجارة مع الله تجارة رابحه، وشهر رمضان من أعظم مواسم الربح الكبير، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وفي صحيح الأدب للبخاري: (عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى المنبر فقال: “آمين، آمين، آمين” قيل له: يا رسول الله! ما كنت تصنع هذا؟ فقال: “قال لي جبريل: رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما لم يدخله الجنة. قلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له. فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف امرئ ذُكرتَ عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين). وفي الصحيحين: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ)،
ألا فَاستَعِدُّوا لرمضان بِإِصلاحِ قُلُوبِكم وَتَنقِيَةِ سرائركمِ، وَاعقدُوا العَزمَ عَلَى التَّقَرُّبِ إِلى اللهِ وَالمُتَاجَرَةِ مَعَهُ بِأَحسَنِ مَا تَجِدُونَ، استقبل شهرك بتوبة خالصة، وعودة صادقة، ونية جازمة، ورغبة عازمة، أقبل على الطاعات، وأكثر من نوافل العبادات والصالحات، استروح روائح الجنان، وتعرض لنفحات الرحمن، وتزود بزاد التقوى والإيمان.
الدعاء