خطبة عن (عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ)
يناير 29, 2020خطبة عن حرمة زواج المثلية وعمل قوم لوط وحديث (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ)
فبراير 1, 2020الخطبة الأولى : أمة ورسالة، أيها العرب (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (10) الأنبياء ، وقال الله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (44) الزخرف
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم -إن شاء الله – موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (10) الأنبياء / وقول الله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (44) الزخرف ، لقد امتن الله تعالى على العرب بنعمة هي من أجل وأعظم النعم ، إنها رسالة الإسلام ، فنقل الإسلام العرب من الوهدة إلى القمة ومن الفقر إلى الغنى ، ومن العسر إلى اليسر ، ومن الضيق إلى السعة ، ومن الجهل إلى العلم ، ومن التخلف إلى التقدم ، ومن الضعف إلى القوة ، ومن الذل إلى العز.، ومن الصحراء إلى الجنان ، ومن التمر الناشف إلى رغد العيش المتعدد والمتنوع. ، فهل فكر العرب في يوم من الأيام أن يتغلبوا على الفرس ويحكموهم؟ ، وهل دار في خلد العرب أن يعزوا أو يذل العجم؟ ، وهل خطر على بال العرب لحظة من اللحظات أن يهزموا الروم؟ ، وهل حَلُم العرب في يوم من الأيام أن يصبحوا سادة العالم كله؟ فأي من العرب جال في خاطره أن تكون أمة العرب هي سيدة الأمم؟ ، ألم يصنع الإسلام لهم كل ذلك؟ ، ألم يمكنهم الإسلام من كل ما هو مستحيل في نظرهم ، ولم يجل في خاطرهم رمشة عين؟ ، لقد صنع الإسلام بهم هذا المستحيل ، لأنهم آمنوا بالله ، وجاهدوا مع رسوله ، ونصروا دين الله ، وسمعوا لله ورسوله خير سماع ،وانتهوا وزجروا أنفسهم عن كل ما هو سبب في سخط الباري عليهم. ، وهذا الذي حدا بالفاروق عمر بن الخطاب ، عبقري هذه الأمة، أن يقول : ” نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله ” ، وهذا الأمر ذاته هو الذي أنطق الإمام مالك إمام دار الهجرة مقولته الشهيرة وذهبت مثلا : ” لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها” . والمعنى: لن يصلح شأنكم أيها المسلمون العرب ، ولن يعود لكم عزكم ومجدكم ، ولن تعودوا لسؤددكم ومكانتكم الأصيلة بين الأمم ، إلا بعودتكم لإسلامكم ، والتزامكم نهج ربكم ، واقتفائكم سنة نبيكم ، والوقوف إلى جانب قضايا أمتكم ، والسهر على مصالح الأمة الإسلامية ، والتزام خط ونهج المؤمنين، قال الله تعالى : {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 115]. ، وجاء في موطإ الإمام مالك : (عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ».
أيها المسلمون
إن العرب يحتلون مكانة لها ذكر بين الأمم ، ويقطنون في موقع جغرافي مميز، ومواطنهم مواطن الحضارة، والأنبياء والرسالات السماوية. وكبرى النعم التي امتن الله بها على العرب إنما هي نعمة الإسلام ، فقال الله تعالى : {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44]. وقال الله سبحانه أيضا : {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10]. ، فهذه نعمة جليلة حسد العربَ عليها أهل الكتاب، وقد بين ذلك رب العزة في كتابه فقال الله سبحانه : {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109]. كما ذكر الله سبحانه عن اليهود بأنهم كانوا يذكرون مجيء نبي قد قرب زمانه للعرب في يثرب، وكانوا يذكرون ذلك كثيرا للأوس والخزرج ،وأنهم سيؤمنون به ،وسيقتلون هؤلاء العرب قتل إرم وعاد ،قال الله تعالى : {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].
فعلينا أن نعرف معشر المسلمين والعرب ، أن مكانتنا المرموقة وعزنا ومجدنا إنما هو من الله سبحانه، ما دمنا قد التزمنا نهجه وسبله ، ونصرنا دينه، قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]. ، وقال جل شأنه: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: 160]. ، وقال جل وعز: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 25، 26]. فبين الله سبحانه للفئة المؤمنة برسوله ومن نصروه وعزروه وأيدوه أنه الناصر لهم ، والحافظ لبيضتهم ، والمؤيد والذائد عنهم وهو سبحانه فقال جل شأنه: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [الأنفال: 26]. ،فأبان لهم أنه سبحانه الناصر والمعز للعرب ، وأنهم لو تولوا ولم ينصروا رسوله سينصره هو سبحانه، فهيأ له كل أسباب النصر والتمكين، فرسوله ودينه ليس بحاجة لأحد كي ينصره وينشر دينه ويعلي شأنه فقال عز من قائل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 38 – 40]. فالعرب إن حافظوا على هذه الأمانة الجليلة وهي أمانة الدين والإسلام ، والتزموا نهجه ودربه ، واقتفوا آثاره ، وآثروا ما عند الله على ما في دنياهم من متع وشهوات ولذائذ ، ووقفوا مع الإسلام وقضاياه ، وذادوا عن حياضه ، فإن الله تعالى سيبقي رايتهم مرفوعة ، ومكانتهم ومهابتهم بين الأمم محفوظة، سيبقون هم الأعلى والأعز، وسيمكنون حتى يكونوا سادة الأمم وقادتها. وإن هم تولوا ، فسينزع ذلك من أيديهم ، ويعطيها ويمنحها لمن يستحقها من سواهم من الأمم ، قال الله تعالى : {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : أمة ورسالة، أيها العرب (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]. ، فيا أمة الإسلام ، إن هذا الإنذار والخطاب والتهديد الموجود في هذه الآية ، ليس موجه للصحابة على وجه الخصوص ، بل هو عام ، لكل المسلمين والعرب في الأزمان ولكل الأقوام، فلنفيئ إلى ديننا ، وإلى التمسك بشريعتنا، قبل أن يفوت الأوان ، ويأت الله بقوم آخرين يحبهم ويحبونه ، فإن الله سبحانه وتعالى ناصر لدينه ،حتما لا شك في ذلك ولاريب ، فالفائزون من كان لهم يد في هذا النصر ،حتى يكونوا من المنصورين بإذن الله في الدنيا، والناجين في الآخرة ، نسأل الله تعالى أن نكون كذلك ، ونعوذ به أن نكون ممن يستبدلنا الله بقوم آخرين ، فإن هذه الآية ، وغيرها من آيات الكتاب العزيز ، هي دستور باق إلى يوم القيامة ،وصالح لكل الأزمان والأشخاص والأماكن بلا استثناء ولله الحمد ، فعلى الأمة أن تعتبر بمن قبلها ، وتفهم ما فيه ، وتحكم فيه في كل أمورها ، إن الله تعالى قد خاطب الصحابة رضوان الله عليهم ،ووجه إليهم إنذارا شديدا ،وهو أنهم إذا ابتعدوا عن هذا الدين الحنيف ،فإن الله قادر على أن يأتي بغيرهم ،لا يكونوا مثلهم ، فيتشرفوا بهذا الدين ، وبنصرته ، ولكنهم نصروا الله ، فنصرهم الله ، فإن أحسنتم يا معشر العرب فقد أحسنتم لأنفسكم ، وإن أسأتم فلها. فإياكم أن تفرطوا في هذه الأمانة التي أعطيتموها ،فهي ذكر لكم على الدوام. فأنتم من يحفظكم الإسلام لا الإسلام تحفظونه. الإسلام هو الذي يذود عنكم ،وحاجتكم إليه أكثر بكثير من حاجة الإسلام لكم. الاسلام هو سبب عزكم ، وهو سبب استمراريتكم ، واستمرارية لغتكم العربية وليس العكس. فإن فرطتم في الإسلام ، فحقيقة الأمر أنكم تكونون قد فرطتم في أنفسكم ومكانتكم. إن قصرتم في الذود عن الإسلام ، وقضايا أمتكم ، ففي حقكم وقضاياكم تقصرون. ومن كفر فإن الله غني عن العالمين، وصدق الله العظيم حيث قال في كتابه العزيز : {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8].، فيا معشر العرب: ذودوا عن حياضكم ،بالذود عن حياض الإسلام ، وحافظوا على أنفسكم، بالمحافظة على هذا الدين الحنيف، فبه تبنون مجدكم وسؤددكم وعزكم.
الدعاء