خطبة عن (عمر بن الخطاب أميرا للمؤمنين)
مارس 27, 2016خطبة عن ( الصحابي: عمر بن الخطاب)
مارس 27, 2016الخطبة الأولى (عمر بن الخطاب مهاجرا إلى الله ورسوله)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في صحيح البخاري : ( عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى حَمْزَةُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ – يَعْنِى اللَّبَنَ – حَتَّى أَنْظُرُ إِلَى الرِّىِّ يَجْرِى فِى ظُفُرِى أَوْ فِى أَظْفَارِى ، ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ » . فَقَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ قَالَ « الْعِلْمَ »
إخوة الإسلام
اسلم عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ، وبإسلامه انتقل من الضلال إلى الهدى ، ومن الظلام إلى النور ، ومن الكفر إلى الإيمان ، فكان إسلامه فتحا جديدا للإسلام ، وتمضي الأيام ، ويأذن الرسول الكريم لأصحابه بالهجرة من مكة إلى المدينة ، عسى أن يجدوا فيها تربة إيمانية خصبة ، تنبت فيها شجرة الإسلام ، وعسى أن يجدوا في المدينة قلوبا طاهرة ، وعقولا متفتحة ، تكون مؤهلة لاستقبال نور الإيمان ، ويهاجر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الواحد تلو الآخر في ظلام الليل ، خوفا من بطش الكفار ، تاركين أموالهم ، وأولادهم ، وديارهم ، في سبيل الله ،ويقرر عمر كغيره من الصحابة أن يهاجر ، ولكن ، هل يهاجر سرا كما فعل أصحابه ؟ ،كلا ، فهذه ليست من صفات عمر ، فهو لا يخاف إلا الله ، أخرج ابن عساكر عن علي قال( ما علمت أحداً هاجر إلا متخفياً. إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، و انتضى في يده أسهماً، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعاً، ثم صلى ركعتين عند المقام، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة، فقال: شاهت الوجوه. من أراد أن تثكله أمه، أو ييتم ولده، أو ترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي، فما تبعه أحد منهم”. ويصل عمر إلى المدينة ،وتمضي الأيام وهو وأصحابه في شوق للقاء الرسول الكريم ، ويهاجر المصطفى وصاحبه أبو بكر ، ويؤسس هناك دولة الاسلام ، وتنزل فيها الآيات بالشرائع والأحكام ، ولقد منح الله عمر ابن الخطاب فطنة وعقلا زكيا وبصيرة شفافة ، وروحا طاهرة ، فكان القرآن ينزل من السماء موافقا لرأي عمر ،ففي صحيح البخاري ومسلم : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ رَبِّى فِى ثَلاَثٍ ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ . فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فِى الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ )، وبعد أن نزل قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) (النساء: 43). قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فأنزل الله قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة 90 ، 91). فقال عمر: انتهينا يا رب انتهينا يا رب. وفي أسارى بدر، فبعد أن أسرهم المسلمون استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فيهم، فقال أبوبكر رضي الله عنه: يا رسول الله، قومك وأهلك استبقهم، واستأن بهم، لعل الله أن يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار، وقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، كذبوك وأخرجوك، قدمهم نضرب أعناقهم، فإن هؤلاء أئمة الكفر، فنزلت: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (الأنفال 67 ، 68). ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ » وكما كان عمر رضي الله عنه قويا في جسمه ، قويا في إيمانه ، قويا في بصيرته ، كان رضي الله عنه قويا وصريحا في عرض آرائه ، فها هو في صلح الحديبية ، يرى في شروط الصلح اجحافا وإذلالا للمسلمين ، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرض عليه رأيه ،فقد روى البخاري وغيره (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَيْتُ نَبِىَّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْتُ أَلَسْتَ نَبِىَّ اللَّهِ حَقًّا قَالَ « بَلَى » . قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ « بَلَى » . قُلْتُ فَلِمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ فِى دِينِنَا إِذًا قَالَ « إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهْوَ نَاصِرِى » . قُلْتُ أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِى الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ قَالَ « بَلَى ، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ » . قَالَ قُلْتُ لاَ . قَالَ « فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ » . قَالَ فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِىَّ اللَّهِ حَقًّا قَالَ بَلَى . قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ بَلَى . قُلْتُ فَلِمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ فِى دِينِنَا إِذًا قَالَ أَيُّهَا الرَّجُلُ ، إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَلَيْسَ يَعْصِى رَبَّهُ وَهْوَ نَاصِرُهُ ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ . قُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِى الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ قَالَ بَلَى ، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ )
وها هو رضي الله عنه يقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يصلي على رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ، روى البخاري (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – أَنَّهُ قَالَ لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ دُعِىَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لِيُصَلِّىَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَثَبْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُصَلِّى عَلَى ابْنِ أُبَىٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا قَالَ أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَقَالَ « أَخِّرْ عَنِّى يَا عُمَرُ » . فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ « إِنِّى خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّى إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا » . قَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَمْكُثْ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ ( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا ) إِلَى قَوْلِهِ ( وَهُمْ فَاسِقُونَ ) قَالَ فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ )، وكما عرف عمر بصراحته ، عرف أيضا بهيبته ، فكان يهابه الجميع ، حتى أمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري في صحيحه (اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ ، قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، وَرَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَضْحَكُ ، فَقَالَ عُمَرُ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِى كُنَّ عِنْدِى ، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ » . قَالَ عُمَرُ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ . ثُمَّ قَالَ أَىْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ ، أَتَهَبْنَنِى وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قُلْنَ نَعَمْ ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ » . هكذا كان عمر رضي الله عنه تخافه الإنس والجن ، لأنه رجل قوي بالله ، قوي في الله ، ولكن ،هل قويا في حب الدنيا؟ ، هل كان عمر يركن إلى شهواتها ؟ هل كان يحب العجب والفخر ؟ لا أحسب رجلا تربى في المدرسة المحمدية ، ورأى بعينه حياة خير البرية ، ثم تميل نفسه إلى الدنيا وشهواتها ، روى البخاري ومسلم في صحيحه ( فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ فَجَلَسْتُ فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِهِ فَنَظَرْتُ بِبَصَرِى فِى خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِى نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ – قَالَ – فَابْتَدَرَتْ عَيْنَاىَ قَالَ « مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ». قُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَمَا لِى لاَ أَبْكِى وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لاَ أَرَى فِيهَا إِلاَّ مَا أَرَى وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِى الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ. فَقَالَ « يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا ». قُلْتُ بَلَى ) ، وفي رواية (قال « أَوَفِى شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا » . فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي )، لقد عرف عمر حقيقة الدنيا ، فعزفت عنها نفسه ، فاستحق أن يكون في منازل الشهداء ، ومع أهل القصور والغرف في جنات النعيم ، وفي البخاري ومسلم (سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذْ قَالَ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى فِى الْجَنَّةِ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ فَقَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا » . فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ)
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (عمر بن الخطاب ومناقبه وفضائله )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولقد أحب عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا ملأ قلبه ، وكشف عن مدى هذا الحب يوما ، فقال كما في البخاري (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِى . فَقَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ » . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى . فَقَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « الآنَ يَا عُمَرُ » ،لذلك لا نعجب ، إذا رأينا صاحب هذا الحب أن لا تقله وتحمله قدماه عنما فقد حبيبه ، بل ويصيح غير مصدق ما سمع ، فقد روى البخاري (بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ اجْلِسْ يَا عُمَرُ ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ . فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَّا بَعْدُ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَىٌّ لاَ يَمُوتُ ، قَالَ اللَّهُ ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) إِلَى قَوْلِهِ ( الشَّاكِرِينَ ) وَقَالَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلاَّ يَتْلُوهَا . فَأَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلاَهَا فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِى رِجْلاَىَ ، وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلاَهَا أَنَّ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ مَاتَ) ، ولما شرع المسلمون في اختيار خليفة لهم ، لم يرغب في الإمارة بل قدم من يراه خيرا منه ، وهكذا هم المؤمنون ، ليسوا أصحاب مناصب ، ولا يرغبون في الإمارة ، ولذك لما أراد أبو بكر أن يبايع عمر على الخلافة ، سارع عمر بمبايعته ،كما في البخاري وغيره (فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلاَّ أَنِّى قَدْ هَيَّأْتُ كَلاَمًا قَدْ أَعْجَبَنِى خَشِيتُ أَنْ لاَ يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِى كَلاَمِهِ نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ . فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لاَ وَاللَّهِ لاَ نَفْعَلُ ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لاَ ، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا ، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ . فَقَالَ عُمَرُ بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – . فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ ونستكمل الحديث عن أمير المؤمنين عمر في لقاء قادم إن شاء الله الدعاء