خطبة عن (أبي يا نهر العطاء) (فضل الأب والوالد على ولده)
مارس 15, 2017خطبة عن (أهمية العلم، وخطورة الجهل)
مارس 18, 2017الخطبة الأولى ( أمي يا نبع الحنان ) ( فضل الأم والوالدة على ولدها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (24) الاسراء ،وقال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (15) لقمان
وقال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ) العنكبوت 8 ، وقال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ) الاحقاف 15 ، وفي الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ « أُمُّكَ » . قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ » . قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ » . قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أَبُوكَ » . وروى مسلم في صحيحه : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ». قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ ». وفي الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ « أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ ».
إخوة الإسلام
إن الحديث عن بر الوالدين حديث مشوق ، وفيه ذكرى للمتقين ، وتنبيه للمقصرين والغافلين . فالإحسان الي الوالدين عبادة عظيمة ، وقد قرنها الله تعالى مع عبادته ، وهذا يدل على فضلهما العظيم . فقد جعل الله للوالدين المكانة العالية ، ورفع من شأنهما، فمن الواجب علينا : برهما والإحسان إليهما ،وأن نترحم عليهما كما ربونا صغارا. وحديثي اليوم -إن شاء الله- عن فضل الأم على ولدها ، وواجبنا نحوها ، وجزاء البارين بأمهاتهم ، وعقوبة العاقين لهن ، فالأم : هذه الكلمة الصغيرة ،ذات الحروف القليلة ، ولكنّها تحتوي على أكبر معاني الحبّ والعطاء ، والحنان والتّضحية، الأم : هي الأنهار التي لا تنضب ولا تجفّ ولا تتعب، متدفّقة دائماً بالكثير من العطف الذي لا ينتهي، وهي الصّدر الحنون الذي تُلقي عليه رأسك ،وتشكو إليه همومك ومتاعبك ، الأم : هي التي تعطي ولا تنتظر أن تأخذ مقابل العطاء، وهي التي مهما حاولتَ أن تفعل وتقدّم لها ، فلن تستطيع أن تردّ جميلها عليك ، ولو بقدر ذرة صغيرة؛ فهي سبب وجودك على هذه الحياة، وهي سبب نجاحك، تُعطيك من دمها وصحّتها ، لتكبر وتنشأ صحيحاً سليماً،هي عونك في الدّنيا، وهي التي تُدخلك الجنّة، وقد روى مسلم في صحيحه : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ». قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ ». والأم : لطيفة المعشر، تتحمل الجفوة وخشونة القول، تعفو وتصفح قبل أن يُطلب منها العفو أو الصفح، حملت جنينها في بطنها تسعة أشهر، يزيدها بنموه ضعفاً، ويحمِّلها فوق ما تطيق عناء، وهي ضعيفة الجسم، واهنة القوى، تقاسي مرارة القيء والوحام، يتقاذفها تمازج من السرور والفرح، لا يحسّ به إلا الأمهات ، تحمل جنينها وهناً على وهن، تفرح بحركته، وتقلق بسكونه، ثم تأتي ساعة خروجه ،فتعاني ما تعاني من مخاضها، حتى تكاد تيأس من حياتها، ثم لا يكاد الجنين يخرج في بعض الأحايين غلاً قسراً وإرغاماً، فيمزق اللحم، أو تبقر البطن، فإذا ما أبصرته إلى جانبها نسيت آلامها، وكأن شيئاً لم يكن إذا انقضى، ثم تعلِّق آمالها عليه، فترى فيه بهجة الحياة وسرورها،
ثم تنصرف إلى خدمته في ليلها ونهارها، تغذِّيه بصحتها، وتنميه بهزالها، تخاف عليه رقة النسيم ،وطنين الذباب، وتؤْثِره على نفسها بالغذاء ،والنوم والراحة، تقاسي في إرضاعه وفطامه وتربيته ما ينسيها آلام حملها ومخاضها.
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : ( جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ ». [رواه مسلم]. فسبحان ربي الذي جعل قلب الأم آية من آياته ، وأسكن فيها معان من سره ، فهي يد لا تعرف إلا العطاء , وقلب لا يعرف إلا الحب ،والصفح والغفران , ووجه لا يعرف إلا الإقبال والابتسام , هي سهولة كل صعب , ويسر كل عسير . الأم : إنها مذيب الهم الذي يحيل حياتك إلى لطف خالص ، ومزيل الغم الذي يبعث فيك نسائم الأمل ، وينفث فيك البهجة الحياة ، إنها الترياق الذي يعالج سموم الدنيا ، ويطبب علتك . إن أيادي الأم التي طالما مدت بكل أسباب الرحمة والعطاء ، آن لك أيها الابن اليوم أن تنحني وتقبلها، وتلك الهامة التي طالما طاولت عنان السماء لتسمو بك وترقى، آن لك أن تتوجها بكل أسباب البر .
أماه .. دعيني أنظر في وجهك لأرى عقوقي وصبرك ، ودعيني أنظر في عينيك لأرى جحودي ونكراني وعظيم حلمك ، ودعيني ألمس يدك لأرى دفْ عطائك ،وروعة وصالك , ماذا أقدم لك اليوم لأقر بتقصيري وعقوقي ؟ ، وماذا اقرأ في كتابي غير جهلي ورحمتك ؟ ،وماذا أرى فيه إلا أسبابا من عطائك ،وأسبابا من جحودي ؟ أمي .. كلمة تعطر أنفاسي ،وتملأ خاطري نورا وأمنا ، أمي .. كلمة جمعت من كل شيء جماله ، ومن كل معنى جلاله , ومن كل وصل وصاله ، إنها الرحمة والرَّحِم . أمي : دعيني أنظر إليك لأرى النور الباسم بإشراق نفسك ، ودعيني أحلق في السماء بروعة إقبالك واستقبالك ، ودعيني أقبل يديك وراسك ، يا رائحة الشمس ،وعفو الظل ،وبر النور , يا باقة الحب ، يا رواء الروح ، يا أبهى عطاء الرب . فإن كانت الأم حبا ،فهي أجمله , وإن كانت الأم عطاءا فهي أفضله , وإن كانت احتواء فهي أكمله، فالأم هي الثوب الذي تلبسه ،فيمنحك الحياة بكل معانيها . إنها الكائن الضعيف الرقيق ، الذي يتحول إلى بركان ثائر ، ووحش كاسر ، إذا مس أولادها مكروه ، أو أرادهم أحد بسوء . وما أجمل قول من قال :
رِيَاضَ الشِّعْرِ جُودِي بِالْمَعَانِي *** وَبِاللَّفْظِ الْمُعَطَّرِ بِالْبَيَانِ
وَهَاتِي لِي مِنَ الأَنْوَارِ فَيْضًا *** لِيُرشِدَنِي إِلَى دُرَرِ الأَغَانِي
لَعَلِّي يَا رِيَاضَ الشِّعْرِ أَحْظَى *** بِأُغْنِيَةٍ تَدُورُ مَعَ الزَّمَانِ
تُمَجِّدُ فِي البَرَايَا “فَضْلَ أُمٍّ” *** يُقَصِّرُ دُونَ رُتْبَتِهِ لِسَانِي
أَلَيْسَ بِبِرِّهَا أَوْصَى إِلَهِي؟! *** أَلَيْسَتْ فِي الوَرَى رَمْزَ التَّفَانِي؟
وَفَضْلُ الأُمِّ يَعْلُو أَيَّ فَضْلٍ *** إِذَا أَحْصَيْتَهُ فِي كُلِّ شَانِ
أُسَائِلُ مُهْجَتِي عَنْهَا أَجَابَتْ: *** هِيَ الرَّحَمَاتُ لاَحَتْ لِلْعِيَانِ
هِيَ البَحْرُ الْمَلِيءُ بِكُلِّ غَالٍ *** نفِيسٍ غَارَ مِنْهُ الأَصْفَرَانِ
هِيَ البَدْرُ الْمُطِلُّ بِنَاظِرَيْهِ *** عَلَى الآفَاقِ يَلْمَعُ كَالْجُمَانِ
هِيَ الأَنْسَامُ رَقَّتْ فِي بَهَاءٍ *** وَزَانَتْ ثَوْبَهَا بِالأُقْحُوَانِ
هِيَ الْمَاءُ الزُّلاَلُ لِكُلِّ صَادٍ *** هِيَ الأَمَلُ الضَّحُوكُ لِكُلِّ عَانِ
أَرَاهَا نَخْلَةً بَسَقَتْ وَجَادَتْ *** وَلَمْ تَعْبَأْ بِأَغْيَارِ الزَّمَانِ
تَحَدَّتْ فِي شُمُوخٍ كُلَّ رِيحٍ *** وَآتَتْ أُكْلَهَا فِي كُلِّ آنِ
حَبَتْنِي عَطْفَهَا مُذْ كُنْتُ طِفْلاً *** وَفَاضَتْ بِالْمَحَبَّةِ وَالْحَنَانِ
وَرَغْمَ الفَقْرِ كَمْ جَادَتْ عَلَيْنَا *** يَدَاهَا بِالنَّدَى مَبْسُوطَتَانِ
وَكَمْ سَهِرَتْ تُهَدْهِدُنِي فَأَغْفُو *** عَلَى صَدْرٍ يَئِنُّ بِمَا يُعَانِي
بِجَوْفِ اللَّيْلِ كَمْ قَامَتْ تُصَلِّي *** صَلاَةَ الْخَاشِعِينَ بِلاَ تَوَانِ
تُنَاجِي رَبَّهَا وَالكَوْنُ يُصْغِي *** وَجَادَتْ بالدُّمُوعِ الْمُقْلَتَانِ
دَعَتْهُ فِي الدُّجَى يَرْعَى بَنِيهَا *** يُجَنِّبُهُمْ مَصَائِبَ كُلِّ جَانِ
وَيُرْشِدُهُمْ إِلَى سُبُلِ الْمَعَالِي *** وَيَمْنَحُهُمْ طَرِيقًا لِلْجِنَانِ
أَلاَ مَا أَعْظَمَ الشِّيَمَ العَوَالِي! *** وأَجْمِلْ بِالتَّحِيَةِ وَالتَّهَانِي!
صَبُورٌ لاَ تُزَلْزِلُهَا الدَّوَاهِي *** رَؤُومٌ قَدْ عَلَتْ فَوْقَ العَنَانِ
لَهَا مِنْ ذِي الجَلاَلِ عُهُودُ قُرْبٍ *** وَحَبْلٌ فِي الوِلاَيَةِ غَيْرُ وَانِ
تَرَاهَا حِينَ يَعْصِرُهَا حَنِينٌ *** عَلَى وَلَدٍ يَغِيبُ عَنِ الْمَكَانِ
تُكَتِّمُ حَسْرَةً بَلَغَتْ مَدَاهَا *** وَحِينَئِذٍ يَمِيدُ الْخَافِقَانِ
يَعُودُ لِوَكْرِهِ بَعْدَ اغْتِرَابٍ *** يَقُولُ لأُمِّهِ: مَاذَا دَهَانِي؟!
رَأَيْتُكِ فِي الفَضَاءِ الرَّحْبِ تَبْكِي *** نَ.. صَوْتُكِ فِي ضُلُوعِي قَدْ دَعَانِي
أَتَيْتُكِ لاَهِثًا أَرْجُو رِضَاكِ *** وَأَدْنُو رَاغِبًا فِي ذَا التَّدَانِي
لَكِ العُتْبَى إِلَى أَنْ تَسْتَرِيحِي *** فَإِنَّ رِضَاكِ مَرْقًى لِلْجِنان
أيها المسلمون
وقد أكد المصطفى صلى الله عليه وسلم المنزلة العالية للأمهات ،وفضل برهن في غير مناسبة ، ومن ذلك: ما ثبت في الصحيحين : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ « أُمُّكَ » . قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ » . قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ » . قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أَبُوكَ » ، ومنه أيضاً ، ما رواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة – واللفظ له – : ( عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِىِّ قَالَ
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَ « وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ « ارْجِعْ فَبَرَّهَا ». ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَ « وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ». قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا ». ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَ « وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ». قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ ».
أيها المسلمون
إن مقتضى البِرِّ بالأمهات مترتب على المعنى الشامل لكلمة البر، فهي كلمة جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وبر الأمهات يعني الإحسان إليهنَّ ، وتوفية حقوقهن، وطاعتهن في أغراضهن ،في الأمور المندوبة والمباحة، لا في الواجبات والمعاصي، ويكون البر بحسن المعاملة والمعاشرة، وبالصلة والإنفاق، بغير عوض مطلوب. ويدخل في ذلك إيناسهن ، وإدخال السرور على نفوسهن بالأقوال والأفعال. ولأن الأم ضعيفة بضعف الأنوثة ،ورِقَّة الحنو، وتواضع الشفقة، فقد يغتر بعض الأبناء والبنات فتحملهم نفوسهم على تقاصر قدر الأم ،والاندفاع نحو عقوقها، بخلاف ما يجدونه من المنعة عند الآباء، وفي الصحيحين : (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ ، وَمَنَعَ وَهَاتِ ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ »، فقال العلماء : لقد خصَّ الرسول صلى الله عليه وسلم الأمهات بالذكر ،وإن كان عقوق الآباء عظيماً ، وذلك لأمور منها: ـ لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء. ـ ولأن العقوق إليهن أسرع من الآباء؛ لضعف النساء وتجبر الأولاد عليهن. ـ ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات. ـ ولينبه على أن بر الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك. وفى الحديث الشريف المتقدم أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» قال «من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قل أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال أبوك..»، فلقد أكد رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) على الأم ثلاث مرات ،والأب مرة واحدة، وذلك لما تعانيه الأم من مشقة وتعب ،منذ أن تكون حاملاً ،حتى آخر يوم في حياتها ، فهي تضحى من أجل أطفالها ،وتؤثرهم على نفسها ،وتسعد لسعادتهم ،وتحزن لحزنهم ،وتنام وهى تفكر في أبنائها، وتتعب من أجلهم ،وكذلك تسهر لإراحتهم
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فضل الأم والوالدة على ولدها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد وقع التقصير منا في حق الأمهات ، حتى شاهدنا وسمعنا الكثير من يترك أمه سنوات عديده ولم يكلمها، وكيف يسيء لها بالكلام السيء ولا يرعها ولا يخدمها ، ويغلظ اليها القول ، ويعاملها بقسوة ، وهذا قطعاً مسكين ، فضيع الجنة ، و هذا من العقوق فاحذر غضب الله عليك . فالأم غالية وعزيزة ، فعلى من علم فضلها أن يبادر بكل الطرق بالإحسان اليها ويدخل عليها السرور ، ويجنبها ما يحزنها ويتعبها ، وأن يسال عنها ، ويجلب لها ما تحبه ، ألا فليتق الأولاد الله في أمهاتهم ، وليقدِّروا للأم حقَّها وبرَّها، ولينتهين أقوام عن عقوق أمهاتهم قبل أن تحل بهم عقوبة الله وقارعته، ففي الصحيحين يقول النبي « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ }، وعند الترمذي في جامعه : ( عن النبي قال: « إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِى خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلاَءُ » … وذكر منها: ( وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَبَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَبَاهُ }. وروى البخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضى الله عنهما – قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ » . قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ » . قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « الْيَمِينُ الْغَمُوسُ » ، ألا ولا يعجبنَّ أحدٌ ببره بأمه، أو يتعاظم ما يسديه لها، فبرُّها طريق إلى الجنة. فقد جاء عند البيهقي في شعب الإيمان، والبخاري في الأدب المفرد: ( أن أبا بردة بن أبي موسى الأشعري حدّث: أنه شهد ابن عمر رجلاً يمانياً يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره يقول: إني لها بعيرها المذلَّل *** إن أُذعرت ركابها لم أُذعر .. الله ربي ذو الجلال الأكبر، حملتها أكثر مما حملتني، فهل ترى جازيتها يا ابن عمر؟ قال ابن عمر: لا، ولا بزفرة واحدة!”. ولنعلم : أن عقاب الله في الدنيا قبل الآخرة لمن أغضب والديه وخاصة الأم، ففي سنن الترمذي : ( عَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ » وعقوق الوالدين من قطيعة الرحم
أيها المسلمون
ومما يعين على حفظ المكانة العظيمة للأم والاجتهاد في برها معرفة أحوال النبيين والصالحين مع أمهاتهم فإني أسوق جوانب من مواقفهم السامية والمشرفة مع أمهاتهم ، فمن ذلك: ما رواه مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اسْتَأْذَنْتُ رَبِّى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي ». وهذا نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام عندما تكلم في المهد كان من قوله: (وَبَرَّاً بِوَالِدَتِي) أي: وأمرني ربي ببر والدتي والإحسان إليها. وفي مسند أحمد : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نِمْتُ فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَذَاكَ الْبِرُّ كَذَاكَ الْبِرُّ ». وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ ). وفي الأدب المفرد للبخاري : ( كان أبو هريرة إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما بررتني كبيراً ). وقيل للتابعي الجليل الإمام الحسن البصري: ما البر؟ قال: الحب والبذل. قيل: وما العقوق؟ قال: أن تهجرهما وتحرمهما. ثم قال الحسن: النظر إلى وجه الأم عبادة، فكيف برها؟!. وعن منذر الثوري قال: كان الإمام محمد الحنفية يمشط رأس أمه. هكذا كان الأئمة والعلماء والأنبياء في الحرص الحثيث على بر أمهاتهم، فأين أولئك الذين يرفعون أصواتهم على أمهاتهم ويوبخونهن، أم أين أولئك الذين يتسببون في إدخال الحزن والقهر على أمهاتهم؟! أم أين أولئك الذين بلغت بهم شقوة أنفسهم لأن يضربوا أمهاتهم ويلحقون بهن الأذى الجسدي والنفسي؟!.
أيها المسلمون
ومن المؤسف أننا بدأنا نتبع الغرب ونترك ما أمرنا الله عز وجل من طاعة الوالدين ، وعلى وجه الخصوص الأم حيث جعلوا لها يوما واحدا ندخل عليها السرور و نقدم لها الهداية و سمي هذا اليوم بيوم (عيد الأم) ،والله قد حذرنا من مشابهة اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم ، وهل هذا ما طلبه الله و نبينا منا أن نجعل برها يوما واحدا؟!!! فواجب على كل مسلم أن يبر بوالدته ، و أن يقدم لها أطيب ما عنده ، وأن يدخل عليها السرور في كل وقت وحين ، فهذا هو المطلوب شرعا منك ، وليس من يدعي برها بعيد الأم لحظات وينتهي برها ، فهذا ظلم بحق الأم .
الدعاء