خطبة عن صلاة التطوع وحديث (صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ)
يوليو 4, 2023خطبة عن (علاج الإنسان من كيد الشَّيْطَان)
يوليو 6, 2023الخطبة الأولى (أنت مسئول)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (36) الاسراء، وقال تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (6) الاعراف، وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) (34) الاسراء، وقال الله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (8) التكاثر، وقال الله تعالى: (تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) (56) النحل، وقال تعالى: (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) (8) الأحزاب، وقال الله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (24) الصافات
إخوة الإسلام
في يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين، لميقات يوم معلوم، وتكون فيه القلوب واجفة، والأبصار شاخصة، والقلوب خاشعة، والجميع ينتظر السؤال، وعن أي شيء سيُسأل؟، وبماذا سيجيب؟،
فيا أيها الأب، وأيتها الأم، وأيها الزوج والزوجة، وأيها الأبن وأيتها الابنة، وأيها التاجر والصانع والحرفي، وأيها الأمير والحاكم والقاضي، وأيها المعلم والمدرس والمربي، وأيها العالم والمفتي والداعي، وأيها الإعلامي والصحفي، وأيها العامل والموظف، وأيها الطبيب والمعالج، اعلموا جميعا أنكم مسئولون أمام الله يوم القيامة، فما من إنسان منا إلا وقد وُكِل إليه في الدنيا أمر يدبّره ويرعاه، فكلنا راعٍ، وكلنا مطالبٌ بالإحسان فيما استرعاه الله، ومسئولٌ عنه أمام من لا تخفى عليه خافية، فإن قام بالواجب، كان أجره عظيما، وثوابه جزيلا، وحسابه عند الله يسيرا، وإن قصّر في الرّعاية، وخان الأمانة، وأضرّ بالأمة، فقد عسّر على نفسه الحساب ، وأوجب لها المقت والعذاب.
ففي هذا اليوم العصيب سيُسأل الناس جميعا: عن مشاعرهم، وعن كلماتهم, وعن أمانتهم، وعن أبنائهم، وعن أرحامهم، وعن أموالهم، وعن مجتمعاتهم، وعن ربهم ودينهم ورسولهم. فالمسئولية تتفاوت وتختلف من شخص لآخر، فتارة تكون المسئولية كبيرة وواسعة، وتارة تكون المسئولية صغيرة ومحدودة، فالأمير والحاكم والإمام تكون مسئوليته كبيرة وواسعة، تشمل جميع أفراد الأمة، وتشمل جميع شؤون المجتمع، والرجل مسئوليته في جميع ما يخصّ أهل بيته، والمرأة مسئوليتها تتعلق ببيت زوجها وعيالها، والعبد أو الخادم مسئول وراعٍ في مال سيده، والجميع سيكون مسئولا أمام الله جل وعلا عن رعيته. والجميع مسؤولون عن زلاتهم وغدراتهم، وعن أخطائهم وفجراتهم، وعن خلواتهم وجلواتهم. إنهم مسؤولون عن تجبرهم وطغيانهم، وعن بغيهم وفسادهم، وعن ظلمهم لرعاياهم ،وعن عبثهم في بلدانهم. فالمسؤولية أمانة، وعدم القيام بها حق القيام خيانة، وهي يوم القيامة خزي وندامة،
أيها المسلمون
الجميع مسؤول أمام الحق تبارك وتعالى، حتى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، كل في دائرة اختصاصه، وفي إطار مهمته، وحيز صلاحياته، قال تعالى : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (6) الاعراف، ولن يقف أحد خارج دائرة المساءلة قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الحجر (92)، (93) ، فالجميع سيسأل حتى الصادقين من عباد الله الصالحين، قال تعالى: (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) (8) الأحزاب، وسيسأل أهل الأموال عن أموالهم ونفقاتهم، والعبد مسؤول عن ضبط جوارحه واستخدامها فيما يرضي الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (36) الاسراء، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ »، وفي الصحيحين: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ».
فيا من تطاولت على أبيك، ويا من ظلمت زوجتك، ويا من اعتديت على جارك، تذكّر انك عائد إلى الله، ويا من أكلت حقوق الناس، وأكلت أموال اليتامى ظلما، وعشت بالحرام، تذكر أن هناك يوما سترجع فيه إلى الله، وتسأل عما جنته يداك، ويا من سمحت لزوجتك وأختك وابنتك ان تخرج متبرجة ومتزينة، تذكّر أنك مسئول، وستقف أمام الله تعالى، وتحاسب،
فالمسلم ينظر في أمر دنياه وآخرته، ويعلم أنَّه مخلوق للآخرة، وأنَّ الدنيا زائلة، وأنَّ الآخرة هي الباقية، فلا يُؤثر الفانية على الباقية، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: (إنَّ الدنيا قد ولات مُدبرة، وإنَّ الآخرة قد جاءت مُقبلة، ولِكلٍ منَّه بنون فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا)،
فأنت لم تُخلق في هذه الدنيا لتعمرها، وتقتصر على تحصيلها، وتنسى الآخرة، أنت خُلقت لتعمل لآخرتك، وتأخذ من دُنياك لآخرتك، هذا هو المقصود من الدنيا، فكيف يؤثر الإنسان دار الفناء، وينسى الأخرة دار البقاء،قال تعالى: (يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر (39)، (40)،
فأنت في هذه الدنيا عابر وسائرٌ، ومُسافر، تحملك الليالي والأيام إلى الآخرة، فاستعد للآخرة، استعد للقاء الله سبحانه وتعالى والسؤال، اعمل لدار البقاء، ولا تنقطع مع دار الفناء، فتنقطع بك، قال الله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي) الفجر (23): (30) .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أنت مسئول)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يجب التذكير بأن فوز الدنيا والآخرة مرتهن بالقيام بالمسؤوليات على الوجه الأكمل، وخسارة الدنيا والآخرة في التهرب من المسؤوليات، فمن شمر عن ساعد الجد، أعانه الله، ووفقه، فكان من القائمين بما أوجب الله عليهم، المفلحين في الدنيا والآخرة.
فلينتبه كل منا، وليكن مستعدا لذلك اليوم العظيم، ذلك اليوم الذي لا ندري أنكون فيه من أهل الجنة، أم نكون من أهل النار، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ».
فهل تأملت أخي عظم ما تحمل من مسؤوليات، ومهام، وأمانات؟، وهل قدرت معنى المسؤولية الحقيقة في حياتك؟، وهي الالتزام بطاعة ربك جل وعلا، وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وترك ما نهى عنه الله تعالى، وما نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، ألا ترى مما سمعت أن وقوفك سيطول في ذلك اليوم، كلما زادت مساحة مسؤولياتك، وعظم حجم أمانتك. قال تعالى: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (4): (6) المطففين .
الدعاء