خطبة عن (الوفاء في حياة الرسول)
أبريل 17, 2024خطبة عن (أهل البلاء)
أبريل 17, 2024الخطبة الأولى (أهل الأعراف) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (46)، (47) الأعراف
إخوة الإسلام
“الأعراف” مكان بين الجنة والنار، وهو سور مرتفع، يطلِّع منه أصحاب الأعراف على أهل الجنة، وعلى أهل النَّار، وأرجح الأقوال في أهل الأعراف أنهم أقوام استوت حسناتهم وسيئاتهم. فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فوقفوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما يشاء، ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته). وسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، فقَالَ: (هُمْ آخِرُ مَنْ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعِبَادِ، فَإِذَا فرغ ربُّ العالمين من الفصل بَيْنَ الْعِبَادِ قَالَ: أَنْتُمْ قَوْمٌ أَخْرَجَتْكُمْ حَسَنَاتُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَلَمْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَأَنْتُمْ عُتَقَائِي، فَارْعَوْا مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتُمْ). هَذَا مُرْسَلٌ حسنٌ.
فالأعراف مكان يوقف به قوم من أهل الجنّة قبل دخولهم إياها، وذلك ضرب من العقاب الخفيف لهم، فالله تعالى جعل الدّاخلين إلى الجنّة متفاوتين، قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (10) الحديد
وحالة أصحاب الأعراف هذه تبين لنا أهمية حرص المسلم على كسب الحسنات، لتكون حسناته أكثر من سيئاته، حتى لا يقف هذا الموقف مع أصحاب الأعراف، لا هو في الجنة، ولا هو في النار، قال ابن حجر: (فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه، فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا السيئة التي يسخط عليه بها)، وقال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (114)، (115) هود، وقال الله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (47) الانبياء، وقال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (7)، (8) الزلزلة، وفي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ» فالحسنة الواحدة عند الله تعالى لها مقدار عظيم يوم القيامة، فأهل الأعراف كانوا بحاجة إلى حسنة واحدة، ليكونوا من أهل الجنة ابتداء، بدل أن يقفوا خائفين طامعين، لقد كانوا بحاجة إلى تسبيحة واحدة، إلى تهليله أو تحميدة، أو أمر بمعروف نهي عن منكر، لقد كانوا بحاجة إلى رد السلام كاملا، لقد كان أحدهم بحاجة أن يتبسم في وجه أخيه، ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلاَلِ لَكَ صَدَقَةٌ وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أهل الأعراف)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فما أحوجنا إلى حسنة واحدة، تثقل بها موازيننا، وتكون سببا في دخول الجنة، والنجاة من النار، فالحسنات يوم القيامة لها ثمرات متعددة، ومنها: الأمن يوم الفزع الأكبر؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) الانبياء (101): (103)، فكما أحسنوا العمل في الدنيا أحسن الله مآلهم وثوابهم، فنجاهم من العذاب، وحَصَل لهم جزيل الثواب،
ومن ثمرات الحسنات يوم القيامة: الثبات على الصراط: فيوم القيامة يُنصب الصراط على متن جهنم، ثم يمر الناس عليه، فماذا تصنع الحسنات بأهلها عند مرورهم على الصراط؟. ففي السلسلة الصحيحة للألباني: (ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ)،
ومن ثمرات الحسنات يوم القيامة: ثقل الميزان فيوم القيامة يضع الله الميزان له كفتان، كفة توضع فيها الحسنات، وكفة توضع فيها السيئات، قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ) (6): (11) القارعة،
ومن ثمرات الحسنات يوم القيامة: أخذ الكتاب باليمين، يوم تنشر صحف الأعمال، قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا) (7): (12) الانشقاق،
ومن ثمرات الحسنات يوم القيامة دخول الجنات؛ فيا صاحب الحسنات ابذل المزيد، وجاهد نفسك، لتفوز بتلك الكرامات من الرب الكريم، قال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين (26).
الدعاء