خطبة عن ( زيارة القبور )
مارس 28, 2016خطبة عن ( محبة أولياء الله الصالحين)
مارس 28, 2016الخطبة الأولى (أولياء الله والكرامات)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) (40) النمل
إخوة الإسلام
إن العلماء قد قسموا ما يقع من خوارق العادات إلي أربعة أقسام : أولا : ما كانت على يد نبي يتحدى بها قومه فهي (معجزة ) ، ثانيا : ما كانت على يد عبد ظاهر الصلاح ، فهي ( كرامة )، ثالثا : ما كانت على عبد مستور الحال فهي ( معونة ) ، رابعا : ما كانت على يد فاسق فهي ( استدراج ) ، لذلك قال أحد العارفين : (إذا رأيت الرجل يمشي على الماء ، وخالف عمله الكتاب والسنة ، فلا تشهد له بالولاية ، وذلك فاسق أستدرجه الشيطان) ، ومن هذا نعلم ، ( أن خوارق العادات قد تقع من الموحد والمثلث ، والمؤمن وغير المؤمن ، وحدوثها ليس دليلا على صلاح فاعلها ، ومن الخطإ الاستدلال بها على ولاية شخص ما أو كرامته أو صلاحه ) ، ومن هذا نعلم أيضا أنه : ( لا حسن الإيمان يقتضي وقوع خارق ، ولا وقوع خارق دليل على حسن الإيمان )
أيها المسلمون
إنَّ من أصول أهل السنة والجماعة الإيمانَ بكرامات الأولياء وإثباتَها والتصديقَ بها واعتقادَ أنَّها حق، وذلك “باتفاق أئمة أهل الإسلام والسنة والجماعة، وقد دلَّ عليها القرآن في غير موضع، والأحاديث الصحيحة، والآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين وغيرهم ، وإنكار الكرامة، جفاء وتفريط، ورفعها فوق قدرها، غلو وإفراط (وخيار الأمور أوساطها، لا تفريطها ولا إفراطها) ، فعقيدة أهل السنة والجماعة : (التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات ومن ذلك: 1- ما ثبت في البخاري (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – أَنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فِى لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ، وَإِذَا نُورٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا حَتَّى تَفَرَّقَا ، فَتَفَرَّقَ النُّورُ مَعَهُمَا .) ، 2- وقصة أبي بكر الصديق مع أضيافه الثلاثة -وهي مخرجة في الصحيحين- (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ كَأَنَّ هَذِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَدَعَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا فَجَعَلُوا لاَ يَرْفَعُونَ لُقْمَةً إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا ، فَقَالَ يَا أُخْتَ بَنِى فِرَاسٍ مَا هَذَا فَقَالَتْ وَقُرَّةِ عَيْنِى إِنَّهَا الآنَ لأَكْثَرُ قَبْلَ أَنْ نَأْكُلَ فَأَكَلُوا وَبَعَثَ بِهَا إِلَى النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فَذَكَرَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا ) ، وفي الصحيحين (أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ بَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ فِى مِرْبَدِهِ إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ فَقَرَأَ ثُمَّ جَالَتْ أُخْرَى فَقَرَأَ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا قَالَ أُسَيْدٌ فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِى فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ عَرَجَتْ فِى الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا – قَالَ – فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَمَا أَنَا الْبَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ أَقْرَأُ فِى مِرْبَدِى إِذْ جَالَتْ فَرَسِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اقْرَإِ ابْنَ حُضَيْرٍ ». قَالَ فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اقْرَإِ ابْنَ حُضَيْرٍ ». قَالَ فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اقْرَإِ ابْنَ حُضَيْرٍ ». قَالَ فَانْصَرَفْتُ. وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ عَرَجَتْ فِى الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ ». 4- وفي البخاري في قصة أسر المشركين لخُبيب الأنصاري رضي الله عنه، وسياقها طويل، وفيها تقول ابنة الحارث بن عامر الذي لبث خبيب عندهم أسيراً: (قَالَتْ فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِى وَجْهِى فَقَالَ تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ . وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِى يَدِهِ ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِى الْحَدِيدِ ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا )
أيها المسلمون
هكذا تبين لنا أن هناك أولياء للرحمن وهم أهل الإيمان والتقوى ، وأولياء للشيطان وهم أهل الضلال والفجور ، ومن الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس ، أنهم يحكمون على ولاية فلان من الناس ، بما يقع على يديه من خوارق العادات ، وإن كان عمله يخالف الشرع والدين ، وهذا يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما في مسند البزار :(كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَطَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ فِي هَذَا الدِّينِ وَأَلْيَنِهِ ، قَالَ : أَلْيَنُهُ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَشَدُّهُ يَا أَخَا الْعَالِيَةِ الأَمَانَةُ ، إِنَّهُ لاَ دِينَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ وَلاَ صَلاةَ لَهُ وَلاَ زَكَاةَ لَهُ ) ، ويقول الإمام الغزالي (رحمه الله ): في كتابه ( ركائز الإيمان ): ( إن خوارق العادات قد تقع للموحد والمثلث ، بل قد تقع للمؤمن والمعطل ، ومن ثم ، فإن الاستدلال بها على كرامة شخص ما خطأ بالغ ) ، ويقول : ( فلا حسن الإيمان يقتضي وقوع خارق ، ولا وقوع خارق دليل على حسن الإيمان )
إخوة الإسلام
وجاء في كتاب (الفرقان بين أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان) ، لابن تيمية : (يقول عن أولياء الشيطان : ( فمنهم من يأتيه الشيطان بطعام وفواكه ليست في زمانها ، ومنهم من يطير به الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو إلى الحج عشية عرفة ثم يعيده فلا يحج ؟؟؟، ومنهم من يستغيث بمخلوق حي أو ميت مسلم أو مشرك فيتصور له الشيطان بصورته ، ويقضي له بعض حاجاته ، فيظن أنه ولي ، ولا يعلم أنه شيطان يضله ، ومنهم من يرى عرشه في الهواء أو على الماء ، وفوقه نور ، ويسمع من يخاطبه ( أنا ربك) ، ومنهم من يخاطبه الشيطان في صورة طير أو شجر أو حجر ، ويقول له : ( هنيئا لك يا ولي الله ) وغيره ، وغيره ،وهذه الأحوال الشيطانية تحصل لمن خرج عن الكتاب والسنة ، يقول سبحانه : (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الانعام 121 ،
أيها المسلمون
إن الرجل لو طار في الهواء ، أو مشى على الماء ، فلا تغتروا به ، حتى تنظروا متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ) » ، وقال (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ » ،ويقول ابن عباس رضي الله عنهما : (تكفل الله لمن قرأ كتابه ، وعمل بما فيه ، ألا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ، ثم قرأ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )
أيها الموحدون
واعلموا أن فتنة المسيح الدجال هي فتنة خوارق العادات ، فسوف يجري الله على يديه بعض خوارق العادات ، ويدعي بها أنه الرب المعبود ، فمن فتن بخوارق العادات ، فقد أصابته فتنته ، وكفر بعد إيمانه ، وخاب وخسر ، ومن لم يفتن بخوارق العادات ، وعلم أنها تقع من البار والفاجر ، علم أن المسيح الدجال كاذب في دعواه ، وأن الله سبحانه وتعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى (11) ،، وأنه سبحانه (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الانعام (103) ، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك « بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا »
الدعاء