خطبة عن (الأرض المباركة)
نوفمبر 18, 2023خطبة عن (من مقاصد إبليس: كشف العورات)
نوفمبر 20, 2023الخطبة الأولى (أيها المؤمنون كونوا أنصار الله)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (14) الصف، وقال تعالى: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (52) آل عمران
إخوة الإسلام
لقد أمر الله تعالى المؤمنين أن يكونوا أنصار الله، وأنصار الله تعالى: هم أنصار شرعه ودينه، وهم أنصار رسله، وهم أنصار الحق، والدعاة إليه، وحماته حتى يظهر بين الناس ويلتزمونه، ونصرة الله تعالى تكون بنصرة المؤمنين في كل زمان ومكان، ونصرة الله تعالى أيضا: تكون بفعل أوامره، وبترك محارمه، فالله تعالى ليس بحاجة إلى أحد من الناس، فهو سبحانه غني عن العالمين، وليس بحاجة إليهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، وقال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) [الحج:40-41]. فنصرة الله تعالى تكون بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وإقامة الجهاد في سبيل الله، وردع المبطلين عن باطلهم، وإقامة الحدود عليهم، وفي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)، أي: احفظ دين الله باتباعه، والاستقامة عليه، يحفظك سبحانه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، ومن حفظ الله باتباع دينه حفظه الله، ومن نصر الله نصره الله، وفي مسند أحمد: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَكَّةَ عَشَرَ سِنِينَ يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بِعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَفِى الْمَوَاسِمِ بِمِنًى يَقُولُ: « مَنْ يُئْوِينِي مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ». فقيَّض الله – عز وجل – له الأوس والخزرج من أهل المدينة، فبايعوه أن يمنعوه من الأسوَدِ والأحمر إن هو هاجر إليهم، فلما هاجر إليهم بمَن معه من أصحابه، وفوا له بما عاهدوا الله عليه؛ ولهذا سماهم الله ورسوله (الأنصار)، وصار ذلك علمًا عليهم رضي الله عنهم أجمعين. فالأنصار آمنوا بالنبي- صلى الله عليه وسلم- وسمعوا منه القرآن، وأسلموا بقلوبهم وجوارحهم، وضربوا المثل الأعلى في البذل والعطاء والتضحية والفداء. وقد اختصهم الله تعالى بهذا المسمى، من بين الذين آمنوا، فقال تعالى: “وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْـمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ” التوبة (100)، وقال تعالى: “لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْـمُهَاجِرِينَ وَالْأنصار” التوبة (117)، ومدح الله الأنصار بما بذلوا وأعطوا، مثنياً على تجارتهم الرابحة مع الله، بقوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ” الأنفال (72)، وقوله جل وعلا: “وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْـمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ” الأنفال (74)، وقال تعالى مادحاً أخلاقهم: “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ” الحشر (9). وحين ذهب الناس بالغنائم والشاة والبعير، ذهب الأنصار برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في ذلك رضى لهم، وشرف انتماء بلغوا به مقام الاختصاص، بأن يكونوا دون سواهم أنصار الله وأنصار رسوله وأنصار دينه، وقد خلّد الله تعالى ذلك المقام لهم قرآناً يُتلى إلى يوم الدين. وفي مسند أحمد: (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمُ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَوْمَهُ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَىَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِى أَصَبْتَ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَاماً فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُ فِي هَذَا الْحَىِّ مِنَ الأَنْصَارِ شَيْءٌ. قَالَ « فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا إِلاَّ امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي وَمَا أَنَا. قَالَ « فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ ». قَالَ فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ الأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ. قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَىُّ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَحَمِدَ اللَّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمَّ قَالَ « يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ». قَالُوا بَلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ. قَالَ « أَلاَ تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ». قَالُوا وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ. قَالَ « أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذَّباً فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيداً فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلاً فَآسَيْنَاكَ أَوَجَدْتُمْ فِى أَنْفُسِكُم يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْماً لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلاَمِكُمْ أَفَلاَ تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ فِي رِحَالِكُمْ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءاً مِنَ الأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْباً وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْباً لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ». قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْماً وَحَظًّا. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَفَرَّقُوا).
أيها المسلمون
ونصرة الله تعالى باقية ما بقي الليل والنهار، وأنها تكون في حال القوة والضعف، والغنى والفقر، والكثرة والقلة، والعزة والذلة، ففي صحيح البخاري: (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: (بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ)، وفي صحيح مسلم: (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ).
والقرآن الكريم ومنذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة مازال يخاطب هذه الأمة في كل زمان ومكان، مازال يأمرهم قائلاً: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ) أي تسموا بهذه السمة، وداوموا واثبتوا عليها، والنداء للذين آمنوا بالأمر الإلهي “كونوا”، يقتضي ضرورة التزامهم صفات وسلوكيات وأعمال، تدل على تحقق وجودهم في الكينونة، التي أُمروا أن يكونوا عليها، سواء أن يكونوا ربانيين، أي على درجة عالية من التربية الدينية والتهذيب وكمال الأخلاق ورسوخ العلم، أو أن يكونوا قوامين بالقسط، أي قائمين بأمر العدل والحق، في أقوالهم وأفعالهم، سلوكا واعتقادا، أو أن يكونوا مع الصادقين، أي ملتزمين بالصدق، وملازمين له في كل شئون حياتهم، فهي كينونة معينة، تميزهم بصفات محددة عن سواهم، وتلزمهم درجة معينة من السلوك والاعتقاد. وفي قوله تعالى:- “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ”، اقتضى معرفة وبيان هذا المقام، وتوضيح وسائل بلوغه، وكيفية تحقيقه، وكأن لسان حال الذين آمنوا يتساءل، كيف نكون أنصار الله، فكان الجواب، في قوله تعالى:-“ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ….”، فالحواريون حالة متقدمة، وصورة مشابهة ، فالذين أمنوا يجب أن يكونوا أنصار الله، كما كان الحواريون قبلهم، فكانوا أنصار الله، وأنصارا لدينه، وأنصاراً لنبيه عيسى عليه السلام، وكذلك أنتم أيها المؤمنين، يجب أن تكونوا أنصارا لله تعالى وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم ولرسالته ودينه، وفي سلوك سبيل الله وتوحيده، وإخلاص العبادة له سبحانه وتعالى. وقد جاء بيان الكيفية التي يكون بها الذين آمنوا أنصار الله، في الآيات التي سبقت هذه الآية، حيث يقول تعالى مخاطباً الذين آمنوا على سبيل العرض والتحضيض والتحفيز، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ” الصف (10)، وقد تساءلت خواطرهم شوقاً عن تلك التجارة، التي سيكون لها هذا الثمن الكبير والفوز العظيم، والربح الذي لا يبلغه شيء، فقال تعالى:- “تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَـمُونَ” الصف (11)، وبذلك تنالون الفوز العظيم، وتنالون الفلاح في الدنيا والآخرة،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أيها المؤمنون كونوا أنصار الله)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
والنصرة قسمان: الأولى: النصرة الخاصة: وقد فاز بها الذين تبوؤوا الدار والإيمان، من الأنصار من أهل المدينة، ففي صحيح البخاري: (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَتِ الأَنْصَارُ {يَا رَسُولَ اللَّهِ} لِكُلِّ نَبِيٍّ أَتْبَاعٌ، وَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا. فَدَعَا بِهِ)، وفيه: (مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ – رضي الله عنهما – بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ مَا يُبْكِيكُمْ قَالُوا ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مِنَّا. فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ – قَالَ – فَخَرَجَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ – قَالَ – فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ «أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَقَدْ قَضَوُا الَّذِى عَلَيْهِمْ، وَبَقِىَ الَّذِى لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ»،
أما النصرة الثانية: فهي النصرة العامة: وهم جند الله وأنصاره في كل زمان ومكان، الذين امتن الله تعالى عليهم بالإيمان، واتبعوا رسوله عليه الصلاة والسلام، وهم ينصرون إخوانهم من المؤمنين، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ»، وفي سنن النسائي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ )، وفي مسند أحمد: (أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَقُولاَنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِماً عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِماً فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ».
كما تنقَسِمُ النُّصْرةُ إلى قِسمَينِ: الأوَّلُ: نُصرةٌ محمودةٌ، وهي نُصرةُ الحَقِّ، كالقِتالِ لإعلاءِ كَلِمةِ اللَّهِ، ونُصرةِ المظلومينَ والضُّعَفاءِ. الثَّاني: نُصرةٌ مذمومةٌ، وهي نُصرةُ الباطِلِ ونُصرةُ الظَّالمِ، كالقِتالِ للعَصَبيَّةِ بلا قَصدِ نَصرِ مَن معه الحَقُّ.
الدعاء