خطبة عن الصلاة وقيام الليل وحديث (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ)
أكتوبر 7, 2023خطبة عن (إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفين)
أكتوبر 7, 2023الخطبة الأولى (أَبْشِرُوا بفتح قريب)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) المائدة (52)، وقال تعالى: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (13) الصف.
إخوة الإسلام
في سنن ابن ماجه ومسند أحمد: (قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا خَيْراً)، فكلمة (أَبْشِرُوا) لها وقع جميل في القلوب، فهي تزرع الأمل، وتمسح عن الإنسان غبار اليأس، وتحثه على الطاعة، وتحفزه على الخير، وتكسبه الرضا، وتفتح له أبواب التوبة، وتأخذ بيده إلى الله عز وجل.. والمتأمِّل في السيرة النبوية يجدها نبْعاً ثريَّا لكل الأخلاق العظيمة، ومن ذلك البِشْر والتفاؤل الذي كان يتحلى به نبينا صلى الله عليه وسلم، ويغرسه في أصحابه، وأمرهم بنشره بين الناس، ومن ثم ففي التبشير والبِشارة بالخير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يُكْثِر من قوله لأصحابه: “أبْشِرُوا”، “بَشِّرُوا”، “أبْشِرْ”.
فيا إخوة الإسلام (ابشروا بفتح قريب): فنحن الآن بحول الله وقوته ومشيئته، نعيش لحظات وأيام حاسمة في عمر الأمة، فالأحداث تُثبت أن الله سبحانه وتعالى يُدبر لدينه ولدعوته ولأوليائِه أمراً، قال تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾ الأحزاب (38)، فبالصبر والثبات تنكشف الكُربات، وتهون الأزمات، ونتجاوز العقبات. وكأنَّ بشائر النصر لاحت، وروائح التمكين فاحت، فكبروا ربكم ومجّدوه وقدّسوه، وانتظروا وعد الله الحق الذى لا يُخلَف، بنصر المؤمنين ،وهلاك الطغاة الظالمين، والله غالب على أمره، قال تعالى: ﴿وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ الكهف (98) .
نعم .. فيجب علينا في ظلال المحنة أن نستشعر معية الله لعباده وأوليائه، فالكون كونه، والأمر أمره، وإليه يُرجع الأمر كله، وحينما يستفرغ العباد وسعهم، ويبذلون جهودهم، لا يبقى إلا أن ينتظر المؤمنون العاملون الفرج، ويستبشرون بوعد ربهم القدير، في نصر أوليائه والتمكين لدينه،
ابشروا بفتح قريب: تتسع به دائرة الإسلام، ويحصل به الرزق الواسع، فهذا جزاء المؤمنين المجاهدين، فقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعودة الخلافة الراشدة، على منهاج النبوة؛ بعد هذا الحكم الجبري، ففي مسند أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ». ثُمَّ سَكَتَ)، فهذا الحديث يبين أن الخلافة قادمة قريبا بإذن الله عز وجل، فالحكم الجبري أوشك أن يرتحل مدبرا؛ والخلافة الراشدة على منهاج النبوة قد تجلت تباشير فجرها وهي مقبلة؛ ولن يتمكن الحاقدون أن يمنعوا إقامتها رغم عظم كيدهم.
ابشروا بفتح قريب، واقامة دولة الاسلام: إنها الدولة التي سينعم رعاياها بعدل الإسلام، وحسن رعايته، لأنه سيطبق كما طبق في عهد الخلفاء الراشدين، وستحمل نور الإسلام لتحطّم بفتوحاتها الحواجز المادية، ولتنقذ البشرية جمعاء من النظم الوضعية الحالية: (الرأسمالية والاشتراكية والعلمانية واللبرالية وغيرها)؛ وليظهر دين الله على الدين كله؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} التوبة (33)، وفي مسند أحمد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، إلا أدخَله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلامَ، وذلًّا يُذِلُّ الله به الكفر). فابشروا بفتح قريب: فإننا نؤمن أن وعد ربنا منجز لا محالة؛ ونصدق أن بشرى رسولنا صلى الله عليه وسلم قادمة بإذن الله قريبا، فهي ليست خيالا أو حلما أو مستحيلا كما يروج بعضهم أو يزعمون. ولقد تكفل الله عز وجل بتأييد هذا الدين ونصرة العاملين المخلصين لإقامة دولته، لتعود أمتنا كما أرادها الله عز وجل خير أمة أخرجت للناس، وهي لا تعتمد على الإمكانات المادية فحسب بل هي تعتمد أساسا على تأييد الله ونصره.
ابشروا بفتح قريب: مع البذل، وأمّلُوا، مع استفراغ الوُسع، وتيقَّنوا، مع إخلاص الجُهد ومواصلة السعيّ – أن الله سينصر رُسله والذين آمنوا؛ بعز عزيز أو بذل ذليل. فرغم كيّد الكائدين، تجد المؤمن الصادق يوقن أن الله بما يعملون مُحيط، وأن للكون ملك يُدبر أمره، إله عظيم له الخلق والأمر، لا يقع في مُلّكه إلا ما يُريد. وهذا وعد الله الحق، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ (51) (غافر).
أبشروا بفتح قريب: وأملوا ما يسركم، وأحسنوا الظن بمولاكم، فقد وعد سبحانه، ووعده الحق، قال تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) المجادلة (21)، وقضى عز سلطانه وقضاؤه الصدق: (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) ابراهيم (13). فتيقنوا من فرجه القريب؛ وبنصر أوليائه، والتمكين لدينه، وما علينا إلا مواصلة الجهد، والثبات على الحق، وانتظار الفرج، مع نزول بأس الله الذي لا يُرد عن القوم المجرمين (وَكَأنَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) الكهف (98). إنه الأمل الذي يسيطر على المؤمنين، واليقين الذى يملأ قلوبهم، والبشر الذى يحيونه في ظلال معية الله لهم. لأن الإيمان واليأس لا يجتمعان في قلب المؤمن أبدا، مصداقاً لقوله تعالى: (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (87) يوسف
أيها المسلمون
يقول الإمام ابن القيم: (فمَن ظنَّ بأن الله تعالى لا ينصرُ رسولَه، ولا يُتِمُّ أمرَه، ولا يؤيِّده، ويؤيدُ حزبه، ويُعليهم، ويُظفرهم بأعدائه، ويُظهرهم عليهم، وأنه لا ينصرُ دينه وكتابه، وأنه يُديل الشركَ على التوحيدِ، والباطلَ على الحقِّ إدالة مستقرة يضمحِلّ معها التوحيد والحق اضمحلالاً لا يقوم بعده أبداً، فقد ظنَّ بالله ظن السَّوْءِ، ونسبه إلى خلاف ما يليقُ بكماله وجلاله، وصفاته ونعوته، فإنَّ حمدَه وعزَّته، وحِكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يَذِلَّ حزبُه وجندُه، وأن تكون النصرةُ المستقرة، والظفرُ الدائم لأعدائه المشركين به، العادلين به، فَمن ظنَّ به ذلك، فما عرفه، ولا عرف أسماءَه، ولا عرف صفاتِه وكماله)
هذا وعد الله عز وجل وسنته التي لا تتخلف في نصرة عباده المؤمنين وقد جاء ذلك في كتابه العزيز في مواطن كثير منها قوله سبحانه:﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: ٤٧] وقوله عز وجل:(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (171): (173) الصافات، وقوله تعالى:﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٨] ، وقوله تعالى:﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: ٨١]، فهذه وعود ربانية بأن البقاء للحق، وأن إدالة الباطل عليه مؤقتة للابتلاء. فهل بعد هذه الوعود الربانية من عذر لأحد من المؤمنين في أن يشك في وعد الله، أو أن يظن ظن السوء، ويدخل عليه اليأس والإحباط ؟.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أَبْشِرُوا بفتح قريب)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
لقد اقتضت إرادة الله وحكمته أن هذا الدين لا ينصر إلا بجهد البشر وتضحياتهم وبلائهم ولو أراد سبحانه لانتصر من أعدائه بدون هذه الإبتلاءات ، قال سبحانه: ﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٤]، والله عليم حكيم عزيز رحيم. فوعد الله بالنصر لأوليائه مرهون بتحقق شروطه من الإيمان الصادق، والإخلاص، والإتباع، واجتماع الكلمة، والاستعانة بالله وحده، فإذا تحقق ذلك فإن وعد الله حق ولا يتخلف.
ومن الأدلة على قرب عودة الاسلام والفتح القريب: ما نراه اليوم من صعود لدين الإسلام على ضعف واستضعاف أهله، وعودة فئام من الناس إلى دينهم، وعلى المستوى العالمي يدخل في دين الله عز وجل أفواج وأفواج من الكفار من ديار الغرب والشرق، حتى انتشر الرعب ببلاد الكفار، وخافوا من اكتساح الإسلام لديارهم، فأعلنوا حربهم على الإسلام وأهله، وضيقوا عليهم في رزقهم وفي أديانهم.
أبشروا بفتح قريب: ولا تهنوا ولا تحزنوا ،وكونوا مع الله يكن الله معكم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ (الإسراء: 128)، واعلموا أن الصراع قائم ومستمر بين الحق والباطل، وبين النافع والضار، وسالك الطريق وناكبه، وبين صاحب الحق وغاصبه، وبين المخلصين الغيورين، واﻷدعياء المزيفين، ولنعلم يقينا أن الله معنا، فلا نحزن، وأن الله سيهدينا ونستحق وعده، قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة:21)، واعلموا أن الباطل يريد شرا، وليس معه الله، ونحن نريد خيرا، والله معنا، فهل تظنوا أن الله بقدرته يترك أولياءه. فالله يريد لنا أن نتحرر، ونتجرد له بالكلية، ولا نتعلق إلا به سبحانه، ففي غزوة بدر، خرج المسلمون للعير، وكان النفير، وفي أُحد، خرج المسلمون وفي بعض نفوسهم لعاعات من الدنيا، فأرادهم الله خلصاء متجردين.
أبشروا بفتح قريب: واعلموا أن نصر الله متحقق في الثبات والصمود والاستمرار، ونصرالله في أن تكون حياتك في سبيل الله ونصر دين الله، فلنعد للقرآن نتلوه ونتعرف عليه، ونتامل فيه ونفهم مقاصده ونطبق تعاليمه، ففيه السكينة وتطييب الجراح، وفيه اليقين في نصر الله، وفيه التسرية، وفيه الثقة، وفيه كل شيء تريده، فالله برحمته يدافع عنا، فأي شرف وأي كرامة أن يدافع عنا الله، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ (الحج: 38) ولا تخف، قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (يونس:60).
الدعاء