خطبة عن (وقفات مع الحاج)
يونيو 23, 2023خطبة عن بر الوالدين (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)
يوليو 1, 2023الخطبة الأولى ( أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا ،عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في صحيح الأدب المفرد للبخاري وصححه الألباني : عن عبيد الكندي قال :(سَمِعْتُ عليًّا يقولُ لابنِ الكَوَّاءِ : هل تَدْرِي ما قال الأولُ ؟ : « أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا ،عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا ،وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا ،عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا ».
إخوة الاسلام
موعدنا اليوم – إن شاء الله- مع هذا الأدب الكريم ، والذي يرشدنا فيه الامام علي رضي الله عنه إلى الاعتدال في الحب والبغض ،وعدم مجاوزة الحد ،فلا افراط ولا تفريط ،فالمقصود من الحديث النهي عن المبالغة والإفراط الشديد في الحب، وليس المراد أن يكون المرء منقبضاً حذراً من أخيه ،سيء الظن به، بل الأصل في المسلم سلامة الصدر ،وإحسان الظن بإخوانه المسلمين ،وإخلاص المحبة ،وصفاء الود لهم، ولكن اندفاع العواطف ،حباً وبغضاً ،إذا جاوز الحد فهو مذموم، ولا شك أن القصد والاعتدال في الأمور مما يوافق الشرع، ومن أسباب طمأنينة النفس ،وانشراح الصدر، وقال الشيخ الالباني -رحمه الله: من فقه هذا الحديث أن الإنسان يجب عليه أن يكون وسطًا في كل شيء ، قال الله تعالى :{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143]، فخير الأمور الوسط ، وحُب التناهي غلط، فعلى المسلم أن يكون وسطًا في الحب وفي البغض، ولا ينبغي للمسلم أن يكون حبه مبالغًا فيه ،خشية أن ينقلب يومًا ما إلى ضده، والعكس بالعكس ، فلا يكون بغضه شديدًا لاحتمال أن يصير هذا البغيض يومًا ما حبيبًا، فأصلُ هذا الحديث وغايته واضحٌ جدًّا ،وهو الاعتدال في الخير وفي الشر، في قصة الرهط الذين جاؤوا إلى أزواج النّبي -صلى الله عليه وسلم- خير شاهد ودليل ، ففي صحيح البخاري : (أن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ :جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ . قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ :« أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي »، فهذا هو الاعتدال في العبادة، والحب في الله عبادة والبغض في الله عبادة، ولكن لا يجوز المغالاة في ذلك خشية أن ينقلب الأمر إلى نقيضه ومن جاوز حد الشيء وصل إلى نقيضه ، وقال العلامة ابن الأثير ـ رحمه الله ـ في (النهاية) : (أحبب حبيبك هونا ما ” أي حباً مقتصداً لا إفراط فيه وإضافة (ما) إليه [ أي لهون ] تفيد التقليل : يعني لا تسرف في الحب والبغض ، فعسى أن يصير الحبيب بغيضاً ، والبغيض حبيباً ، فلا تكون قد أسرفت في الحب فتندم ، ولا في البغض فتستحي منه إذا أحببته ) ، وقال العلامة ابن العربي المالكي ـ رحمه الله ـ : (معناه أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن فقد يعود الحبيب بغيضاً وعكسه فإذا أمكنته من نفسك حال الحب ثم عاد بغيضاً كان لمعالم مضارك أجدر لما اطلع منك حال الحب بما أفضيت إليه من الأسرار ،وقال عمر رضي الله عنه : ( لا يكن حبك كلفاً ولا يكن بغضك تلفاً ) [ فقلت : كيف ذاك ؟ قال : (إذا أحببت كَلِفْتَ كلـف الصبي، وإذا أبَغضت أحببَتَ لصاحبك التِّلف) ،وقال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ : (أحبوا هوناً وأبغضوا هوناً فقد أفرط قوم في حب قوم فهلكوا ،وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا) ،وقال محمد بن الحنفية : (ليس بحكيم من لا يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً ؛ حتى يجعل الله له فرجاً أو مخرجاً )
أيها المسلمون
فقد يتعامل إنسانٌ مع آخر في أمرٍ مَا، وتتشابك علاقاتُهم وأمورهم وأحوالهم؛ بل أموالهم، وهو في كلِّ موقف أو حديث يظن أنه قد ألَمَّ بحال صاحبِه وخُلُقه وصفاته، وما يَخرج منه، وما يؤثِّر فيه، وما يستعمله من أساليب، مع طول مُلازمة ومعاشرة، وفي موقفٍ من المواقف، أو لفتة من اللفتات، أو حديث، أو كلمة عابرة، يدرك أنَّه لم يكن يعرف صاحبه – كما ظن قبلُ – حقَّ المعرفة؛ بل ربَّما لم يكن يعرفه أَلْبَتَّة ،وأشد ما يَجد الإنسان من ذلك من قرابته، فهم يتعايشون معًا الزمنَ الطويل، ويظُنُّ أحدُهم أنَّ صاحبه لن يَخذلَه، أو يُخرج له مكنونًا من الأخلاق يحذره، ويظلُّ يُسكِتُ هاجسَ نفسه أنَّ صاحبَه لن يُخرج له هذا الخُلُقَ المحذور، وهذه الخُلَّة المخوفة، حتى إذا نَسِيَ ذلك، وسكت الهاجس، خرج الخُلُق المحذور في أفحشِ صُورة وأقبحها، فيكون ذلك أشدَّ على النفس من حزَّة السكين، أو طعنة السيف ،وذلك أنَّ شدة القُرْبِ، أيًّا كان القرب، وليس الأمرُ مُقتصرًا على قرابة النسب – تَحمل الإنسانَ على تغيُّر الأخلاق بصُور متعددة تأثرًا وتأثيرًا، ولكن ما نقصده هنا أنَّ كثرة الاختلاط والمباشرة تُبدي ما كان مَخفيًّا في النفوس ، فالمرءُ قد يتزيَّن لصاحبه يومًا وأيامًا، أو شهرًا وشهرين، أو سَنَةً وسنتين، أمَّا إذا قَارَبَه وصاحبه كالصَّديق لصديقه، والزوج لزوجه، والأخ لأخيه، فإنه يصعُب مع طول المدة ألاَّ يُظهِر خُلُقه الحقيقي، مع ما جُبِلَ عليه الناس الآن من لبس الأقنعة الخادعة، التي يزيفون بها حقائق دواخلهم، وشيئًا فشيئًا لا يتحمَّل استدامةَ القناع الجميل فوق وجهه المثقل، وسُرعان ما يذوب القناع؛ ليكشف عن الوجه الحقيقي، وغالبُ الناس يكون على هذه الصورة، إلاَّ مَن رحم الله. وأفذاذُ البشر وصالحوهم مَن إذا عاشرتَه، وجدته خيرًا مما ظننت، ولَعَمْري إنَّهم لقلة من قليل، ولعلك قد سَمِعت أو قرأت قصةَ ابنة سعيد بن المسيب؛ إذ رُوِي أنَّه زوَّجها أحدَ تلامذته الفُقراء ، قال التلميذ في كلامه عنها: “فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظهم لكتاب الله، وأعرفهم بحق زوج…”، فكانت خيرًا مما كان يظن.
فالقُرْب يُظهر ما كان مَخفيًّا بالبُعد، وأظن أن قيسًا لو تزوج ليلى لانكَسَر شوقُه، ولخفَتَ وَجْدُهُ، ولكنها لبُعدها وبَيْنِها، كانت في قلبه كالمثال ، فإنْ كان علم منها خُلُقًا، أو حادثها شيئًا، أو سرق منها نظراتٍ، فقد أضاف خيالُه عليها شكلاً يكاد يصل إلى حَدِّ الأسطورة، أو المثال المطلق الكامل للبشر، حتى إنَّه كان ليُغشى عليه؛ إذ يسمع مناديًا يُنادي في الطريق: (يا ليلى) كما جاء في كتب الأدب.
والعبد الصالح يظلُّ مُشتاقًا لربه – سبحانه – ولله المثلُ الأعلى – حتى بعد دخوله الجنة؛ لأنَّه لا إحاطةَ به – سبحانه – ولا إدراكَ إلاَّ بقدر الرُّؤية والنظر، كما ثَبَتَ أنَّ المؤمنين يرون ربَّهم في الجنة، وبهذا كانت هذه النظرة لوجه الرب – سبحانه – هي أعلى النعيم، وشفاء السقيم، ومَنْهل الظَّامئين من المؤمنين ، وبهذا كانت مَحبة الله – عزَّ وجلَّ – ومَحبة رسوله هي أعلى المحبات وأرفعها، ولا تُدانيها مَحبة أخرى من المحبات، ولم يَكشفِ الله – عزَّ وجلَّ – عن تَمام صفاته، وعن ذاته للناس؛ لاستحالة ذلك على هؤلاء البشر الضِّعاف، فالأمرُ فوق العقل والقدرة، فأظهر لهم – فقط – ما تناسبه قدراتُهم؛ حفظًا لهم وصيانة، والعبد إذا زاد في شيء إلى حد الإفراط والغُلُوِّ المذموم، انقلبتِ الحالُ في كثير من الأحيان إلى ضِدِّه، ألاَ ترى الإنسان إذا زادت فرحتُه بكى!
أيها المسلمون
وأفضل ما يُمدَح به العباد العقلُ، وأعقلُ الناس وأحزَمُهم من تأتمر مشاعرُه بأمره، ولا تنبو عن رَبطه وقيده، والذي يرى أحوالَ الناس اليومَ على ما هُم عليه من البُعد عن التديُّن، والبعد عن التخلُّق بأخلاق الإسلام في الجملة – يرى بُعدَهم عن العقل والحكمة، فتجد البعضَ إذا أبغض، أفرط، حتى لا يَجد لمن يُبغضه حسنة واحدة، وإذا أحبَّ، غالى، حتَّى ما يتحمل عن مَحبوبه كلمة من ثلب أو نقد ، ومن المؤسف أن ترى بعضَ الإخوان يتباغضون ويتتاركون، بعد أنْ كان الواحدُ منهم لا يتحمَّل مُفارقة إخوانه، مُستعدًّا لبذلِ النفسِ، والمال، والولد، والوقت من أجل أخيه، فكيف انقلبَ الحالُ إلى ضِدِّه، وكيف صار المحبوب مُبغضًا في طرفة عين، وأي شيء قد يجعل الإنسان يتحوَّل مثل هذا التحوُّل؟ ، إنه الإفراط في الحب والبغض ، فإذا كان العبد يُريد أنْ يتخلقَ بآدابِ السَّلف وأخلاقهم، فليعلمْ أنَّ الأمرَ ليس كاللباس يلبسه الإنسان، فيتغير شكلُه سريعًا، ولكن لا بُدَّ أن يتدرج في ذلك، ويضع منها في قلبه شيئًا بعد شيء، خُلُقًا بعد خلق، ويُديم ذلك الخلق ويُعالجه، ويُروِّض نفسه عليه، وهكذا حتى يستوثق من نفسه، ويتثبت من خُلقه، وعلى مثل ذلك سار السَّلف، ويسير العقلاءُ، حتى لا يُفاجِئ صاحبَه، أو يفاجئ نفسه التي بين جنبيه بتصرُّف أو سلوك عجيب عليه، غريب عنه ، عن بُرَيْدَةَ – رضي الله عنه – قال: خرجت ذات يوم أمشي في حاجة، فإذا أنا برسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يَمشي، فظننته يريد حاجة، فجعلت أكُفُّ عنه، فلم أزل أفعل ذلك حتى رآني، فأشار إليَّ، فأتيتُه فأخذ بيدي، فانطلقنا نَمشي جميعًا، فإذا أنا برجلٍ بين أيدينا يُصلي يُكثِر الركوع والسُّجود، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (تَرى هذا يُرائي؟)، فقلت: الله ورسوله أعلم، قال: فأرسل يده وطبَّق بين يديه ثلاثَ مرَّات يرفع يديه، ويصوبهما ويقول: ((عليكم هديًا قاصدًا، عليكم هديًا قاصدًا، فإنه من يشاد هذا الدين، يَغْلِبْهُ))؛ “صحيح الجامع”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا ،عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن : « أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا ،عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا ،وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا ،عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا ». ، فالمقصود من ذلك أنَّك لا تغالي، ولا ترهق نفسَك، ولا تتحمل من الأعمال ما لا تطيقُ؛ حتى لا يحملك ذلك على الترْك ، فطريق الحق يضيع بين الغُلُوِّ والجفو؛ الغلو فيه: الإفراط والزيادة عما أمر، والجفو عنه: التقصير والنقص، وأول شِرك وقع كان سببُه الغُلُو.
وهكذا المحبة: إذا أنت أحببت إنسانًا ،وأعجبك ما عنده من أخلاق، وأحْسَسْت بحلاوة مَعشره – “وللنُّفوس أغوارٌ في انتقاء الأحباب والأصحاب” – فقد يكون لحظِّ نفسه مِنْ مَدْحٍ أو نشوةٍ وإعجاب، أو طمعًا في شيء، أو خوفًا من شيء، فإذا صفتِ المحبة فلْيَحملِ العاقل نفسه على صَونِها، وفي ظني أنَّ أكثر ما يصون المحبة الاقتصاد فيها، والهون منها ، وقد أوردوا من ذلك في كتبِ الأدب والآداب الكثيرَ، من ذلك وصيةُ عبدالله بن شداد بن الهاد لولده، كما في “أمالي القالي” : (أيْ بُنَيَّ، لا تُوَاخِ امرأً حتى تُعاشِرَه، وتتفقَّد مَواردَه ومَصادرَه، فإذا استطعت العشرة، ورضيت الخبرة، فوَاخه على إقالة العثرة، والمواساة في العُسرة، وكن كما قال المقنع الكندي:
ابْلُ الرِّجَالَ إِذَا أَرَدْتَ إِخَاءَهُمْ وَتَوَسَّمَنَّ فِعَالَهُمْ وَتَفَقَّدِ
فَإِذَا ظَفِرْتَ بِذِي اللَّبَابَةِ وَالتُّقَى فَبِهِ الْيَدَيْنِ قَرِيرَ عَيْنٍ فَاشْدُدِ
وَإِذَا رَأَيْتَ وَلاَ مَحَالَةَ زَلَّةً فَعَلَى أَخِيكَ بِفَضْلِ حِلْمِكَ فَارْدُدِ
وما أحسنَ هذا الهَدْيَ في معاملة الإخوان والأصحاب! ، ثم قال: أيْ بُنَي، إذا أحببتَ فلا تفرط، وإذا أبغضتَ فلا تشطط؛ فإنَّه قد كان يقال: “أحبِبْ حبيبَك هونًا ما؛ عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بَغيضك هونًا ما؛ عسى أن يكون حبيبك يومًا ما”. وكن كما قال هدبة بن الخشرم العذريُّ:
وَكُنْ مَعْقِلاً لِلْحِلْمِ وَاصْفَحْ عَنِ الْخَنَا فَإِنَّكَ رَاءٍ مَا حَيِيتَ وَسَامِعُ
وَأَحْبِبْ إِذَا أَحْبَبْتَ حُبًّا مُقَارِبًا فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَتَى أَنْتَ نَازِعُ
وَأَبْغِضْ إِذَا أَبْغَضْتَ بُغْضًا مُقَارِبًا فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَتَى أَنْتَ رَاجِعُ
نعم : أحْبِبْ حبيبك هونًا ما؛ عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما؛ عسى أن يكونَ حبيبَك يومًا ما، فهي كلمةٌ ستظلُّ تقطر حِكمةً ما عاش الناس، ولو ظلَّ العلماء يستخرجون منها ما انقطعوا ، فهذه العبارة الحكيمة وَصْفة صحيحة من خبير بالبشر مُجرِّب، خَبَرهم وعَلِمَ أنَّ أخلاق الناس تضطرب، وتتقلب، ولا تثبت على حال، فالخيرُ بعد التغافر، والصفح والعفو والحلم في الاقتصاد، وقد ورد عن معاوية – رضي الله عنه – قوله: “لو كان بيني وبين الناس شَعرَة، ما قطعتُها” ، وهذا دليل على الحكمة والتعقل، الذي هو ضابط الأخلاق، وإلا انفلتت كالجواد الجموح؛ لتعيث يَمينًا وشمالاً؛ لتخرج العجب العجاب.
الدعاء