خطبة عن (من وصايا الآباء والأمهات للبنات
أكتوبر 7, 2017خطبة عن ( يَابَنِي آدَمَ : هذا نداء التكريم والتشريف)
أكتوبر 14, 2017الخطبة الأولى ( أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) (9)العنكبوت، وقال تعالى على لسان نبيه يوسف : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (101) يوسف ،وقال تعالى على لسان نبيه إبراهيم : ( رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (83) الشعراء ، وقال تعالى : ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (19) النمل ، وقال تعالى : ( وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) (84) ،(85) المائدة، وقال تعالى : ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (196) الاعراف، وقال تعالى : ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (84) ،(85) الانعام ، وقال تعالى : ( يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (114) آل عمران، وفي مسند أحمد ، من دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ )
إخوة الإسلام
﴿ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ : هذا الدعاء الذي ورد في كتاب الله العزيز ، على ألسنة الأنبياء، والأصفياء ، والأولياء ، فقد جاء للعلماء والمفسرين في كتب التفسير العديد والعديد من المعاني : فقال ابن عباس: ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ أي بأهل الجنة ،وقال بعضهم : ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ أي اجعلني مع الصالحين في الدنيا والآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند الاحتضار: ((اللَّهُمّ في الرفيق الأعلى))، قالها ثلاثاً ، وقال آخرون : ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ : أي الحقني بهم في العمل والأسوة ،لأنال بعدها الجزاء ، فليس المراد : الحقني بهم في الجزاء ، إنما في العمل . وقال آخرون : ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ أي بالنبيين من قبلي في الدرجة.
أيها المسلمون
﴿ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ : إنه دعاء جامع لكل خصال الخير في الدنيا والآخرة ، فَمِن نِعَم الله الكُبْرى أن تكون مع المؤمنين، وأن تكون مع الصالحين، وفي مُجْتمع المؤمنين والإنسان مهما كان صفاؤُهُ فقد تنْحرف نفْسُهُ إذا خالط المُنْحَرِفين ؛ ولذلك فالمؤمن يدعو الله ألا يجعله في الدنيا ولا في الآخرة مع المفسدين ، والظالمين، ولكنه يلح في الدعاء والرجاء قائلا: ﴿ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ ، ومن الملاحظ أن لفظ الصالحين لفظ يعم ويشمل جميع الصالحين من الأنبياء والصديقين والشهداء ، فيكون المسلم بذلك قد سأل الله الهداية والتوفيق إلى أعمال هؤلاء في الدنيا وبلوغ درجات هؤلاء في الدار الآخرة قال تعالى : ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) النساء 69 ، وعلى العبد إذا سأل الله هذه المسألة ، وتلك الدرجة والمنزلة، أن يجتهد في العمل الصالح ، حتى يوفقه الله للالتحاق بالرفيق الأعلى إذا قبضه ؛ فإن الله تعالى قد اشترط لذلك المقام العلي ،أن يلزم العبد نفسه طاعة الله ورسوله ؛ كما في قوله تعالى : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ) النساء 69-70
أيها المسلمون
وسلوك سبيل الصالحين والتحلّي بحِلْيتهم وسماتهم، هو باب النجاة والفوز يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله سبحانه وتعالى بقلب سليم. وسبيل الصالحين هو طريق ذات الشوكة، ولذلك فهو يحتاج إلى جهاد وسعي ومثابرة، فالجنّة حُفّت بالمكاره، والنار حُفّت بالشهوات ، ومقام الصالحين من المقامات العالية، الّتي ألح الأنبياء والأولياء في طلبها ،وسؤالها من الله تعالى، فبلّغهم سبحانه ذلك، قال تعالى: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (85) ،(86) الأنبياء ، وقال تعالى: ﴿ وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ (74) ،(75) الأنبياء ، وقال تعالى: ﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الانعام (85) ،وقال تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ العنكبوت (27) ، وهذا نبيّ الله إبراهيم عليه السلام يسأل ربّه أن يهب له الولد الصالح: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الصافات (100) ، وعن نبيّ الله سليمان عليه السلام يُخبر اللهُ سبحانه: ﴿.. وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ النمل (19)، ويذكر القرآن قوماً أسلموا من النصارى، وسألوا الله تعالى أن يُدخلهم مع القوم الصالحين ، فقال تعالى :﴿ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ﴾ المائدة (84) ، فما أجمل دعاء الأنبياء ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ ، والذي تتحقق فيه معاني العبودية والخضوع والتذلل للخالق المتفضل والمنعم ،مع شهود الفضل لله والاعتراف بنعمائه ، وارجاع كل النعم إليه ،وشهود حاجة العبد الدائمة إلى توفيق الله ورحمته ومحبته وولايته.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولكن لكي نلتحق بركب الصالحين من الأنبياء والأولياء ،علينا أن نقتدي بهم ،ونسلك سبيلهم ، الّذي أوضحه الله جلَّ جلاله في محكم كتابه العزيز: ﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ آل عمران (114) ، فالعبد يجتهد أن يرافق الصالحين في الدنيا، فإن الرحمة والسلامة، والهدى تحوطهم حتى ينال صحبتهم، ومنازلهم ومقاماتهم في الآخرة، وإن لم يعمل بعملهم، ففي الصحيحين : (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ – رضى الله عنه جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ »، وسبيل الصالحين هو الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر والأمر بالمعروف والخير، والنهي عن كل ما نهى عنه الله تعالى من منكر وسوء، فإذا فعلنا ذلك بلغنا الله منازل الصالحين ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ فَقَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الصَّلاَةِ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ ». فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا أَعْدَدْتَ لَهَا » قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ». فَمَا رَأَيْتُ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا.
الدعاء