خطبة عن (اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ) مختصرة
مايو 17, 2022خطبة عن (الاسلام هو الدِّينُ الْقَيِّمُ) مختصرة
مايو 17, 2022الخطبة الأولى (أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في سنن ابن ماجة وصححه الألباني: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ»
إخوة الإسلام
لو كان الناس كلهم على مستوى واحد في رزقهم وإمكاناتهم لما قامت الحياة، ولتعطلت كثير من الأعمال، وقد أشار الله سبحانه إلى هذه الحكمة بقوله تعالى: ( وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً) [الزخرف:32]. فالله تعالى يعطي ويمنع بما يصلح عباده، قال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى : 27] .وهذا التفاوت والاختلاف بين أرزاق الناس ،وبين قدراتهم ،وبين ومناصبهم ، جعل الناس بعضهم يحتاج إلى البعض ، ويعمل بعضهم عند الآخر بأجر، فالغنيَّ بحاجة إلى الفقير، والفقير بحاجةٍ إلى الغنيَّ، والصانع بحاجة إلى الزارع ،والزارع بحاجة إلى الصانع ،وهكذا فإذا قام كلٌّ بحقِّه وواجِبِهِ كما ينبغي، تحققتْ السعادة والائتلاف، وأصبح المجتمع المسلم كالجسد الواحد، وهذا هدف من أهداف الاسلام ،
وهنا أوصى الاسلام وأمر ألا نتأخر في اعطاء العامل والأجير أجره، فهو لم يعمل لديك ،إلا أنه في حاجة إلى هذا المال، فمن أعظم الظلم منع الأجير أجره، أو تأخيره بدون عذر، فقد روى الامام البخاري في صحيحه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ»، وبخس الأجير والعامل أجره هو أكل لأموال الناس بالباطل، والله تعالى يقول في محكم آياته : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) (29) ،النساء ،
وليكن معلوما لنا أن إعطاء الأجير أجره له فضل عظيم، وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري ،في حديث الثلاثة الذين أَغلقَت صخرة باب المغارة التي اختبأوا بها فراراً من المطر، فقرر كل منهم أن يدعو الله بصالح عمله، قال صلى الله عليه وسلم:(وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَىَّ أَجْرِى. فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ. فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئْ بِي. فَقُلْتُ إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ. فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ)
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم :«أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ»، ففي ذلك دعوة للتحلل من حقوق الناس، فمن كان له عليك حق ، فسارع إلى إعطائه حقه، قبل أن يأتي يوم الحساب، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ »، وفي رواية : (أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ وَطُرِحَ فِي النَّارِ) ،وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَي مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ».
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم :«أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ»، فالأمْرُ بإعطائِه قبْلَ جَفافِ عَرَقِه إنَّما هو كِنايةٌ عن وُجوبِ المُبادَرةِ عَقِبَ فَراغِ العملِ إذا طلَبَ، وإنْ لم يعرَقْ ، ففي هذا مُبالغةُ في الإسراعِ بإعطائه أجره وترْكِ المُمطالَةِ؛ فإنْ فعَلَ شيئًا مِن ذلك فقدِ ارتكَبَ ظُلمًا، واللهُ تعالى ذَمَّ الظُّلمَ والظَّالمينَ في كتابِه، كما حذَّرَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم منه، ففي صحيح مسلم : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
أيها المسلمون
وإذا كان الاسلام قد أمر صاحب العمل أن يعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ،فهو أيضا أمر العامل أن يتقن عمله ،وألا يغش صاحب العمل ، فقال صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” رواه الطبراني. فإتقان العمل سمة أساسية في الشخصية المسلمة، فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة هو عمل مقبول عند الله ،يُجازى عليه ،سواء كان عملا دنيويا أم أخرويا، ففي صحيح مسلم: (عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ». ويقول الله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (105) التوبة، فالمؤمن في حياته الدنيا عندما يراعي في عمله المكلف به الإحسان والإتقان، إنما يفعل ذلك لعلمه أن الله يراقبه في عمله وفي كل أحواله، وأنه تعالى لا يرضى من المؤمن إلا أن يقوم بعمله بإتقان وإحسان.
الدعاء