خطبة عن حال الموحدين من أهل الكبائر ( إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ)
أكتوبر 16, 2021خطبة عن لقاء مع الجن ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ)
أكتوبر 23, 2021الخطبة الأولى ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (22) الملك
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله الكريم ، نتلوها ، ونتدبرها ، ونفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل -إن شاء الله- بما جاء فيها .فقد جاء في تفسيرها في التفسير الميسر : المعنى : أفمن يمشي منكَّسًا على وجهه لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب، أشد استقامة على الطريق وأهدى، أَمَّن يمشي مستويًا منتصب القامة سالمًا على طريق واضح لا اعوجاج فيه؟ وهذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن. ويقول السعدى :أي الرجلين أهدى؟ من كان تائها في الضلال، غارقًا في الكفر قد انتكس قلبه، فصار الحق عنده باطلًا، والباطل حقًا؟ ومن كان عالمًا بالحق، مؤثرًا له، عاملًا به، يمشي على الصراط المستقيم في أقواله وأعماله وجميع أحواله؟ فبمجرد النظر إلى حال هذين الرجلين، يعلم الفرق بينهما، والمهتدي من الضال منهما، والأحوال أكبر شاهد من الأقوال. وقال الجمل : هذا مثل للمؤمن والكافر ، حيث شبه – سبحانه – المؤمن في تمسكه بالدين الحق ، ومشيه على منهاجه ، بمن يمشى في الطريق المعتدل ، الذى ليس فيه ما يتعثر به . وشبه الكافر في ركوبه ومشيه على الدين الباطل ، بمن يمشى في الطريق الذى فيه حفر وارتفاع وانخفاض ، فيتعثر ويسقط على وجهه ، وكلما تخلص من عثرة وقع في أخرى .
أيها المسلمون
وحقا ما قال ربنا ، فلا يستوي أبداً عند الله ، ولا عند الناس من كان مهتديا مع من كان غارقاً في الضلال، فالعمل والسعي في الدنيا مختلف، والجزاء يوم القيامة مختلف عند الله ، فهذا جزاؤه الجنة ، وذاك جزاؤه النار. وقد كان الكفار مع ما هم فيه من الضلال يتهمون النبي ومن معه بالضلال؛ ويزعمون لأنفسهم أنهم أهدى سبيلا! كما يُصنع اليوم بأمثالهم مع الدعاة إلى الله وفي كل زمان، فالآية الكريمة تصور لهم واقع حالهم وحال المؤمنين في مشهد حي يجسم حقيقة الحال ، فالذي يمشي مكبا على وجهه : إما أن يكون هو الذي يمشي على وجهه فعلا لا على رجليه. وإما أن يكون هو الذي يعثر في طريقه فينكب على وجهه، ثم ينهض ليعثر من جديد! ، فأين هذا من حال الذي يمشي مستقيما سويا في طريق لا عوج فيه ولا عثرات. إن الحال الأولى : هي حال الشقي المنكود الضال عن طريق الله، المحروم من هداه ،والحال الثانية : هي حال السعيد المهتدي إلى الله المتمتع بهداه. وهكذا تبين لنا الآية الكريمة أنه لن يستوي عند اللّه الإيمان والكفر، والخير والشر، والهدى والضلال ،كما لا يستوي العمى والبصر، والظلمة والنور، والظل والحرور، والحياة والموت ، فقال الله تعالى : (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (19) :(22) فاطر، فالإيمان نور، نور في القلب ونور في الجوارح، ونور في الحواس، نور يكشف حقائق الأشياء والقيم والأحداث وما بينها من ارتباطات ونسب وأبعاد. فالمؤمن ينظر بهذا النور ، نور اللّه، فيرى تلك الحقائق، ويتعامل معها، ولا يخبط في طريقه ولا يتعثر في خطواته! ،والإيمان بصر، يرى. يرى رؤية حقيقية صادقة غير مهزوزة ولا مخلخلة، ويمضي بصاحبه في الطريق على نور وعلى ثقة وفي اطمئنان. الإيمان ظل ظليل تستروحه النفس ويرتاح له القلب، ظل من هاجرة الشك والقلق والحيرة في التيه المظلم بلا دليل! والإيمان حياة. حياة في القلوب والمشاعر. حياة في القصد والاتجاه. كما أنه حركة بانية. مثمرة. قاصدة. لا خمود فيها ولا همود. ولا عبث فيها ولا ضياع. وأما الكفر فهو عمى. عمى في طبيعة القلب. وعمى عن رؤية دلائل الحق. وعمى عن رؤية حقيقة الوجود. وحقيقة الارتباطات فيه. وحقيقة القيم والأشخاص والأحداث والأشياء. الكفر ظلمة أو ظلمات. فعند ما يبعد الناس عن نور الإيمان يقعون في ظلمات من شتى الأنواع والأشكال. ظلمات تعز فيها الرؤية الصحيحة لشيء من الأشياء. الكفر هاجرة. حرور. تلفح القلب فيه لوافح الحيرة والقلق وعدم الاستقرار على هدف، وعدم الاطمئنان إلى نشأة أو مصير. ثم تنتهي إلى حر جهنم ولفحة العذاب هناك! ،والكفر موت. موت في الضمير. وانقطاع عن مصدر الحياة الأصيل. وانفصال عن الطريق الواصل.
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (22) الملك ، فالصراطَ المستقيمَ هو: الطريقُ الواضحُ الذي لا اعوجاج فيه، فقد روى الامام أحمد في مسنده : (عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ »، وفيه أيضا : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَخَطَّ خَطًّا هَكَذَا أَمَامَهُ فَقَالَ : «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». وَخَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَخَطَّيْنِ عَنْ شِمَالِهِ قَالَ «هَذِهِ سُبُلُ الشَّيْطَانِ» . ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الأَوْسَطِ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [الأنعام: 153]، فهناك سُبل على جنبتي الصراط تفرِّقُ عنه، ولكل سبيل منها شيطانٌ يدعو إليها؛ فيزين الانحرافَ عن الصراط المستقيم – كما هو شأنُ عامة أهل الأهواء والبدع في تزيين باطلهم ، وفي هذا بيانُ أهمية التزام الحقِّ والهدي النبوي، وأن لا يغترَّ المسلمُ بالدعاوى إلى أيِّ طريقٍ منها – وإنْ زخرفهَا أهلُها بالدعاوى الحسنة – ما دام أنها لم توافق الهدي النبويَّ؛ وذلك لأنَّ صراطَ الله هو الصراطُ المستقيمُ الذي لا أقصر منه، ولا ينجي غيرُه، فمن هُدِيَ في هذه الدار إلى صراط اللهِ المستقيم الذي أرسلَ به رسلَه، وأنزل به كتبَه، هُديَ هناك إلى الصراط المستقيمِ، الموصل إلى جنته ودارِ ثوابه، وعلى قَدْرِ ثُبوتِ قَدَمِ العبد على هذا الصراط الذي نصبه اللهُ لعباده في هذه الدار، يكونُ ثبوتُ قدمِه على الصراط المنصوبِ على متن جهنم، وعلى قَدْرِ سيْرِه على هذا الصراط، يكون سيرُه على ذاك الصراط. فمنهم مَن يمُرُّ كالبرق، ومنهم مَن يمُرُّ كالطرْفِ، ومنهم مَن يمُرُّ كالريح، ومنهم مَن يمُرُّ كشدِّ الركاب، ومنهم مَن يسعى سعيًا، ومنهم مَن يمشي مشيًا، ومنهم مَن يحبو حبوًا، ومنهم المخدوش المسَلَّم، ومنهم المُكردس في النار.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن الإسلام يحترم الآخر الذي لا يعتدى ولا يبغي، ويقدر بني البشر جميعا بحكم الإنسانية والآدمية، وهو في الوقت نفسه يحرم الظلم والاستعباد والاستبداد والطغيان، ويأمر أهله صراحة برد العدوان، والجهاد والنزال لكل كافر مجرم سفاك للدماء. والمؤمن الحقيقي موصول بالله الخالق، يستمد قوته من قوته، ونصره وتأييده من خالقه ورازقه ومدبر أمره، المؤمن الحقيقي هو الذي يتخذ من الأسباب ما يدفع به كيد الأعداء، وشر الأشرار، وفجر الفجار، لا مسكنة ولا مذلة ولا مهانة ولا انكسار أمام باطل ، هذا هو الاسلام ،أما الكفر فمئات الآيات التي بينت بجلاء ووضوح طبيعة الكفر ونفسيته ومقاصده ، قال الله تعالى : (.. وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) (2) ،(3) إبراهيم ،وقال الله تعالى : (اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (9) ،(10) التوبة ،وإن المتأمل في أحوال العالم اليوم ، يتبين له أن العالم مصيره في الظاهر بين يدي الكفار، يتلاعبون بالشعوب المسكينة، ويدمرون الأمم الفارغة التافهة، ويعبثون بأرضه وسمائه وفضائه، ويلوثون ماءه وهواءه، لا خلق من دين أو ضمير يردع أو يكف، ولا مسحة من عاطفة تمنع أو تعف، قتلوا حفظة القران من الأطفال الأبرياء بلا رحمة ولا شفقة، وسحقوا الحرية والكرامة ، يفرحون ويمرحون ويغنون ويرقصون على أشلاء صغار المسلمين، والعداوة ظاهرة، والبربرية واضحة، والجريمة أركانها متكاملة، ألا فلعنة الله على الكفر والكافرين، والفسدة والمفسدين ، الذين يعيثون في الأرض فسادا ولا يصلحون .وحقا ما قال ربنا : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (22) الملك
الدعاء