خطبة عن ( فضل دُعاء المسْلمِ لأخيهِ المسْلمِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ )
سبتمبر 18, 2022خطبة عن ( إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ )
سبتمبر 20, 2022الخطبة الأولى ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (35) :(43) الطور
إخوة الإسلام
هذه الآيات الكريمات من كتاب الله العزيز تستنكر على الكافرين كفرهم، وتستنطق فيهم الفطرة السليمة، والعقل المفكر، وتسألهم: أخُلِق هؤلاء المشركون على هذه الكيفية البديعة، والهيئة القويمة، من غير أن يكون هناك خالق لهم؟ أم هم الذين خلقوا أنفسهم بدون احتياج لخالق؟ أم هم الذين قاموا بخلق السموات والأرض؟، لا لا لا، إن شيئا من ذلك لم يحدث، فإنهم لم يُخْلَقُوا من غير شيء، وإنما الذى خلقهم بقدرته – هو الله وحده ، كما خلق – سبحانه – السموات والأرض بقدرته – أيضا – وهم يعترفون بذلك، كما في قوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله ) الزخرف (87) ، قوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله) لقمان (25)، وبهذا يتعيَّن أن الله سبحانه هو الذي خلقهم، وهو وحده الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح إلا له. وقوله تعالى: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 36]، أي: أهُمْ خَلَقوا السَّمواتِ والأرضَ؟! وَهَذا إنكارٌ عَلَيهِم في شِركِهِم بِاللهِ وَهُم يَعلَمونَ أنَّهُ الخالِقُ وَحْدَه، لا شَريكَ لَهُ، وبرَغْمِ عِلْمِهم إلَّا أنهم ليسوا على يقيٍن من أمْرِهم، وإنما هم يَخبِطون خَبْطَ عَشواءَ، فهم مع اعترافِهم بأنَّ اللهَ تعالى هو الذي خلقهم، إلَّا أنَّ هذا الاعترافَ صار كالعَدَمِ؛ لأنهم لم يعمَلوا بمُوجِبِه، من إخلاصِ العبادةِ له تعالى والإيمانِ بالحَقِّ الذي جاءهم به رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن عندِ خالِقِهم. {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ} [الطور: 37]، أي: أَهُمْ يَتَصَرَّفونَ في المُلكِ، وَبيَدِهِم مَفاتيحُ الخَزائِنِ؟! {أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 37]، أي: أم هُم المُحاسِبونَ لِلخَلائِقِ؟! بَل اللَّهُ عزَّ وجلَّ هو المالِكُ المُتَصَرِّفُ الفَعَّالُ لِما يُريدُ. وفي صحيح البخاري: (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ- رضي الله عنه – قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ) (كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ) أي: قاربَ قَلبي أن يخرُجَ من مكانِه؛ لِما تضمَّنَتْه الآياتُ من بليغِ الحُجَّةِ. فلله در العرب ،فما أبلغ عباراتهم.. هكذا يصور جبير أحاسيسه حين سمع قوارع سورة الطور، حيث يقول: (كاد قلبي أن يطير)، قال هذا وهو مشرك، وفي لحظة عداوة تستعر إثر إعياء القتال في غزوة بدر، وقد جاء يريد تسليمه أسرى الحرب، ففي خضم هذه الحالة يبعد أن يتأثر المرء بكلام خصمه، لكن سكينة القرآن هزّته حتى كاد قلبه أن يطير.. فالعقل إذا صفا، وتحرر من قيود التقليد والتبعية ،سلَّم قياده للأدلة العقلية الصحيحة التي تخاطبه، واستجاب لما تدعو إليه من الحقيقة التي قد تغيبها بيئة الباطل، أو التقليد للآباء أو المعظَّمين. وفي هذه الآيات الكريمات عُني القرآن الكريم بعرض الأدلة العقلية التي تدعو ذوي الألباب إلى التوحيد والإيمان، وإثبات البعث والحساب، والتصديق بالقرآن، ومن أُنزل عليه القرآن العظيم. وأنه لا بد للمخلوق من خالق، وللمحدَث من محدِث، وللمصنوع من صانع. فالإنسان مخلوق لا خالق، وموجود لا موجِد، فمن خلقه وأوجده هو من يستحق عبادته دون شريك. ولعل سائلا يسأل: لماذا عند هذه الآيات ظهر الأثر جليًا على قلب أبي عدي – رضي الله عنه- وقد سمع قبلها الكثير من آيات القرآن؟ ، فما معنى هذه الآيات التي طيرت قلبه وصدعته؟، قال الخطابي: كأنه انزعج عند سماع هذه الآية لفهمه معناها ومعرفته بما تضمنته، ففهم الحجة فاستدركها بلطيف طبعه، وذلك من قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ﴾ وذلك لا يجوز فلا بد لهم من خالق، وإذا أنكروا الخالق فهم الخالقون لأنفسهم ،وذلك في الفساد والبطلان أشد؛ لأن ما لا وجود له كيف يخلق، وإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقًا. ثم قال: ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ أي: إن جاز لهم أن يدعوا خلق أنفسهم فليدعوا خلق السماوات والأرض، وذلك لا يمكنهم، فقامت الحجة. ثم قال: ﴿ بَل لا يُوقِنُونَ ﴾ فذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان وهو عدم اليقين الذي هو موهبة من الله ولا يحصل إلا بتوفيقه؛ فلهذا انزعج جبير حتى كاد قلبه يطير، ومال إلى الإسلام واسلم بعد ذلك.
أيها المسلمون
إن من أعظم الحقائق وأجلاها في الفطر السليمة، والعقول المتدبرة، حقيقة وجود الله سبحانه وتعالى، فهذه الحقيقة التي اتفقت العقول على الاعتراف بها – وإن أنكرتها بعض الألسن ظلما وعلوا، فهي من الوضوح بمكان لا تنال منه الشبهات ، وبمنزلة لا يرتقي إليها الشك .ففي كل شيء له آية … تدل على أنه الواحد، وقد تنوعت دلائل وجود الله سبحانه ابتداء من ضمير الإنسان وفطرته، إلى كل ذرة من ذرات الكون، فالكل شاهد ومقر بأن لهذا الكون ربا ومدبرا وإلها وخالقا. وأولى هذه الدلائل دليل الفطرة، ونعني به ما فطر الله عليه النفس البشرية من الإيمان به سبحانه ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا ،فقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) الروم، وفي الصحيحين: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ،كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ )، وهذا الدليل (الفطرة السليمة) باق في النفس الإنسانية بقاء الإنسان نفسه في هذا الكون، وإن غطته الشبهات، ونالت منه الشهوات، إلا أنه سرعان ما يظهر في حالات الصفاء وانكشاف الأقنعة. فكم هي رائعة إستدلالات القرآن ،وكم هي متينة أسئلته واستجوابه! .. فلو أنّ في أحد منهم روحاً تبحث عن الحقّ وتطلبه لأذعنت أمام هذه الأسئلة واستسلمت لها.
أيها المسلمون
فالإيمانَ بوجودِ خالقٍ لهذا الكونِ قضيةٌ ضروريةٌ لا مساغَ للعقلِ في إنكارِها، فهي ليستْ قضيةً نظريةً تحتاجُ إلى دليلٍ وبُرهانٍ، ذلك لأنَّ دلالةَ الأثرِ على المؤثِّرِ يدرِكُها العقلُ بداهةً، والعقلُ لا يمكنُ أن يتصوّر أثراً من غيرِ مؤثِّرٍ، أيَّ أثرٍ، ولو كانَ أثراً تافهاً، فكيف بهـذا الكون العظيم؟! ولذلك لم يناقشِ القرآن الكريم هـذه القضية حتى حينما أوردَ إنكارَ فرعونَ لربِّ العالمين، يوم أن قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ *} [الشعراء: 23] {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] {يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [القصص: 36 ـ 37] فكان موسى عليه السلام لا يعيرُ اهتماماً لهذه الانكارات، وتعاملَ مع فرعونَ على أساسِ أنَّه مؤمنٌ بوجودِ الخالقِ، فتراه يقولُ له مثلاً: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاَءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّك يافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا *} [الإسراء: 102].
فالقرآن الكريمُ تناول قضيةَ الخَلْقِ والتدبير تناولاً فريداً، وعُني بتوجيه العقولِ إلى النظرِ في افاقِ الكونِ وآيات اللهِ الكثيرة، وأهابَ بالعقلِ أنْ يستيقظَ من سُباته، ليتفكَّرَ في ملكوتِ السماواتِ والأرضِ، وما أودعَ فيها من الآيات، هذا الخلقَ بكلِّ ما فيه شاهدٌ على وجودِ خالقه العليِّ القدير سبحانه، وهذا يدركُه راعي الإبل، فيقول: البعرةُ تدلُّ على البعيرِ، والأثرُ يدلُّ على المسير، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ فِجاجٍ، أفلا يدلُّ ذلك على العليمِ الخبيرِ. وهذا الإمام أبو حنيفة رحمه الله يعرِضُ له بعضُ الزنادقة المنكرين للخالق، فيقول لهم: ما تقولون في رجلٍ يقولُ لكم: رأيتُ سفينةً مشحونةً بالأحمالِ، مملوءةً من الأنفال، قد احتوشتها في لُجَّةِ البحرِ أمواجٌ متلاطمة، ورياحٌ مختلفة، وهي مِنْ بينها تجري مستويةً، ليس لها ملاّحٌ يجريها، ولا متعهِّدٌ يدفعُها، هل يجوزُ ذلك في العقل؟ قالوا: هـذا شيءٌ لا يقبلُه العقلُ. فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله! إذا لم يجزْ في العقلِ سفينةٌ تجري في البحرِ مستويةً من غيرِ متعهِّدٍ ولا مُجْرٍ، فكيف يجوزُ قيامُ هـذه الدنيا على اختلافِ أحوالها، وتغيُّرِ أعمالها، وسَعَةِ أطرافها، وتباين أكنافها، من غير صانعٍ ولا حافظٍ؟! فبكوا جميعاً، وقالوا: صدقتَ وتابوا. هـذا القانون الذي سلّمت به العقول، وانقادت له، هو الذي تشير إليه الآية الكريمة: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} وهو دليلٌ يرغمُ العقلاءَ على التسليم بأنَّ هناك خالقاً معبوداً، إلاّ أنَّ الآيةَ صاغته صياغةً بليغةً مؤثّرةً، فلا تكادُ الآية تمسُّ السمعَ حتى تزلزلَ النفسَ وتهزَّها. فمعرفةَ الخالق سبحانه، والإقرارَ بوجودِه تبارك وتعالى وربوبيته أمرٌ بدهي مغروسٌ في نفوس الناس وفطرهم ، إذ لو تُرِكَ الإنسانُ في مكانٍ خالٍ لا يوجدُ فيه أحدٌ، بعيداً عن كل المؤثّرات الخارجية، وعن كلِّ الشوائب العقدية، لاستطاعَ بفطرته أن يعرفَ أنَّ لهذا الكونِ خالقاً مدبِّراً ومتصرِّفاً، ثم بفطرته يتوجَّه لمحبةِ خالقِهِ. ومن هنا نعلمُ أنَّ مَنْ أنكرَ وجودَ الخالقَ جلَّ جلاله من الملحدين، إنّما أُتوا من انحرافِ فطرهم، ومن تأثيرِ الشياطين عليهم، وتلاعبهم بهم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أجل أهميّةِ الفطرةِ في دلالةِ الناسِ على ربّهم، وتعريفهم به، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبحَ أو أمسى يقرِّرُ أنه يُصْبِحُ ويُمْسِي على هـذه الفطرةِ فطرةِ الإسلامِ، وأنّها لم تتأثَّرْ بالمؤثِّرات والعوارض الخارجية، من نزعات الشياطينِ ووساوسهم، فقد روى الامام أحمد في مسنده : (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى « أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلاَمِ وَعَلَى كَلِمَةِ الإِخْلاَصِ وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ».فهذه الفطرةُ التي فطرَ الله عليها عبادَه لها صلةٌ وارتباطٌ وثيقُ بالعهدِ الذي أخذه سبحانه وتعالى على بني آدم، وهم في عالم الذَّرِّ، كما أشار الله بقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدم مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ *أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الاعراف :172 ـ 173]. فهـذا العهدُ والميثاقُ الذي أخذه الله جل جلاله على الناس، مضمونُه الاعترافُ والإقرارُ بربوبيته، وأشهدَهم على أنفسِهم فشهدوا. فمنَ الناس مَنْ حافظ على ذلك العهد، وقام بمقتضاه ولازِمه، من عبادة ربه وحده لا شريك له، وتوحيده. وصَدّقَ رسلَ اللهِ، وآمن بهم، وبما جاؤوا به. ومن الناس من تغيَّرتْ فطرتُه وانحرفت، واجتالته الشياطين، فنسيَ ما شهدَ عليه، وما جُبِلَ عليه، من الإقرار بربوبية الله عز وجل، فوقع في الكفر والإلحاد، مع أنَّ الله سبحانه لم يتركْ عبادَه سدًى، بل أرسل لهم الرسلَ، وأنزل معهم الكتبَ، ليذكّروا الناس بهـذا الإشهاد. وهذا العهد والميثاق. وهناك أيضا دليل الآفاق: قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آياتنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت :53]. فقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آياتنَا فِي الآفَاقِ} أي: علامات وحدانيتنا وقدرتنا، وقوله (في الآفاق) يعني أقطار السماوات والأرض: من الشمس، والقمر، والنجوم، والليل، والنهار، والرياح، والأمطار، والرعد، والبرق، والصواعق، والنبات، وغير ذلك مما فيها من عجائب خلق الله.
الدعاء