خطبة عن قوله تعالى ( فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ )
فبراير 16, 2023خطبة عن التواضع وحديث (إِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا)
فبراير 19, 2023الخطبة الأولى ( أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ وحِزْبُهُ الْخَاسِرُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ البقرة 257،، وقال الله تعالى : ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 98 – 100]، وقال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76]، وقال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50]، وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ﴾ [النساء: 119 – 121]، وقال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 173 – 175].
أيها المسلمون
إن المتأمل والمتدبر لآيات الله تعالى يتبين له أن الله تعالى قد بيَّن للناس : أنَّ له أولياءَ من الناس ،وللشيطان أولياء، فقال الله تعالى مبينًا أولياءَ الرحمن: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يونس 62، 63، ، وبين أولياء الشيطان فقال الله تعالى :﴿ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ﴾ [النساء: 119 – 121] ، وحديثنا اليوم -إن شاء الله- عن (أولياء الشيطان وحزبه الخاسرين) ،فأولياء الشيطان هم الكفار والمشركون والملحدون ،وهم أعداء الملة والدين ،وهم المكذبون برسالة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ،ومنكرون للقرآن الكريم ،وهم العاصون لله – عزَّ وجلَّ – والمخالفون لكتابه ولسُنة نبيِّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهم المغرورون بتزيين الشيطان ووعْده لهم، يقول الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن، فهو يحب الله، وإن كان يبعض القرآن فهو يبغض الله ورسوله، وقال أيضا: الذكر ينبت الايمان في القلب، كما ينبت الماء البقل، والغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل، وإن كان الرجل خبيرا بحقائق الايمان الباطنة، فارقا بين الأحوال الرحمانية، والأحوال الشيطانية، فيكون قد قذف الله في قلبه من نوره، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (28) الحديد ،وقال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (52) الشورى، فهذا من المؤمنين الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم كما في سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ».
أيها المسلمون
ولأَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ وحِزْبه علامات وصفات يعرفون بها ، فمن أهم صفات : ( أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ وحِزْبُهُ ) : أن يكونوا شركاء للشيطان في أفعاله القبيحة ، فيقومون بتطبيق ما أمرهم به ،من سلوكيات قذرة ،وأقوال بذيئة فاحشة ،ونظرات خائفة، فلذا يذمهم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب فيقول: «اتَّخَذُوا الشَّيْطانَ لأَمَرِهِمْ مِلاَكاً، واتَّخَذَهُمْ لَهُ أشْراكاً، فَباضَ وَفَرَّخَ في صُدُورِهِمْ، ودَبَّ ودَرَجَ في حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأعْيُنِهِمْ، ونَطَقَ بِألْسِنَتِهِمْ، فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الخَطَلَ، فِعْلَ، مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيِطانُ في سُلْطانِهِ، وَنَطَقَ بِالباطِلِ عَلى لِسانِهِ». ، ومن صفات أولياء الشيطان وحزبه : أنهم من أهل الترف الباطل: فقد اتصف أتباع الشيطان بالترف الباطل المذموم ،الذي يبعد صاحبه عن الله تعالى ،وهو لا يشعر بقباحة ما يفعل لما أصابه من الشيطان ،بل تحول هذا المترف إلى شيطان من شياطين الإنس ،ومن صفات أولياء الشيطان وحزبه : أنهم ممن ابتعدوا عن العقل والبصيرة : فقد اتصف أتباع الشيطان باتباع الهوى ،والابتعاد عن العقل والبصيرة ،والانكباب على الدنيا، ونسيان ذكر الله تعالى ، ومن صفات أولياء الشيطان وحزبه : أنهم من المجادلين والمتكبرين : فقد اتصف أتباع الشيطان بأنهم يجادلون بجهل ومكابرة ،كما في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ).(الحج: 3) ، وأنهم من أهل الفحشاء والمنكر ،فهم يروجون للفحشاء ،ويأمرون بالمنكر ،كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (النور: 21).
ومن صفات أولياء الشيطان وحزبه : أنهم يقتلون المؤمنين بغير حق ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (21) :(22) آل عمران، وقال الله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (93)النساء ،
ومن صفات أولياء الشيطان أنهم يحاربون الله ورسوله ، ويسعون في الأرض فسادا ، قال الله تعالى : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (33) ،(34) المائدة ، ومن صفات أولياء الشيطان وحزبه : أنهم يأكلون الربا ، ويتعاملون به، قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة (275) ،(276) ، ومن صفاتهم أيضا : أنهم يأكلون أموال الناس بالباطل ، قال الله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (160) ،(161) النساء ،
أيها المسلمون
ومن صفات حزب الشيطان وأوليائه : الكبر والغرور : ففي مسند أحمد وغيره : (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِى صُوَرِ النَّاسِ يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصِّغَارِ حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْناً فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ بُولَسُ فَتَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ » ، وفي سنن أبي داود وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – قَالَ هَنَّادٌ – قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ». وفي (الصحيحين) : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ . وَقَالَتِ الْجَنَّةُ مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ . قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي . وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابٌ أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي . وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا)
ومن صفات حزب الشيطان وأوليائه : النفاق ، والمنافقون :هم من يقولون أمام الناس بخلاف ما تبطنه قلوبهم وصدورهم ، ومن صفات حزب الشيطان وأوليائه : الساكتون عن الحق والكذابون ، والبخلاء وأصحاب الفواحش والكبائر ، وقساة القلوب والظالمون ، وأصحاب النميمة والغيبة وشاهدوا الزور، والغشاشون وسليطة اللسان والخائنون والمخادعون والأفاقون من البشر ،والزناة ، والسارقون ،وقاطعي صلة الرحم ، ومانعي الخير عن الناس ، وعلى الإجمال : فهم الذي يفسدون في الأرض ولا يصلحون .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ وحِزْبُهُ الْخَاسِرُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى : ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً﴾ ، فدعوةَ اللهِ تعالى لنا أن نتخذَ الشيطان عدواً ، ليس المرادُ منها لعنَه باللسانِ وبغضَه بالقلبِ مع طاعتِه فيما يأمرُ، واتباعِ خطواتِه والاغترارِ بوعودِه ،والاسترسالِ مع وساوسِه وأكاذيبِه، بل المراد بهذه الدعوةِ بغضُه بالقلوبِ ،ولعنُه بلعنةِ الله ،ومخالفةُ أمرِه بالجوارحِ، والإعراضِ عن تزيينِه وتضليلِه وزخرفتِه، فإن هذا من أجلِّ القرباتِ وأفضلِ الطاعاتِ، قال ابن القيم رحمه الله: ” والأمر باتخاذِه عدوًّا تنبيهٌ على استفراغِ الوسعِ في محاربته ومجاهدته ،كأنه عدوٌّ لا يفتر – ولا يَقْصُر – عن محاربةِ العبد على عدد الأنفاسِ ” ،
وكلَّ من أطاعَ الشيطانَ في معصيةِ الله تعالى فقد اتخذه وليًّا، قال الله تعالى في سورة مريم في قصةِ دعوةِ إبراهيم لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً﴾ مريم 44، 45، ، قال ابن القيم رحمه الله: ” فكلُّ راكبٍ وماشٍ في معصيٍة الله فهو من جندِ إبليسَ” ،فاحذروا أيها المؤمنون الدعاوى الكاذبةَ، فكم هم الذين يدَّعُون عداوةَ الشيطانِ وبغضَه ، وهم من أخلصِ أحبائِه وأخصِّ أوليائه.
أيها المسلمون
وإنَّ من أعظمِ الأسلحة التي تنجِّي العبدَ من غوائلِ الشيطان وشرِّه وعداوتِه: الإخلاصَ لله تعالى، فإن أهل الإخلاص محفوظون بحفظِ الله تعالى، قال تعالى مخاطباً إبليس لما أخذَ على نفسه الميثاقَ في إضلالِ بني آدم: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ الاسراء 65، ، فمن تحقَّق بهذه الصفاتِ من الإيمانِ باللهِ تعالى، والتوكُّلِ عليه والإخلاصِ له، فقد أغلقَ على عدوِّه الشيطان الأبوابَ ، والإخلاصُ الذي يعصمُ العبدَ من كيدِ الشيطانِ ومكرِه، هو أن يصرفَ العبدُ العبادةَ للهِ وحده لا شريك له، فلا يعبدُ إلا اللهَ، ولا يحبُّ إلا اللهَ، ولا يعظِّم إلا اللهَ، ولا يذبح إلا للهِ، ولا يدعو غيرَ الله، ولا ينذر لغير الله، ولا يتحاكم لغيرِ شرعِه، فمن وقع في شيءٍ من ذلك فقد وقعَ في بعضِ شعبِ الكفرِ أو الشركِ، ويكون بذلك ممن اتخذ الشيطانَ ولياً من دونِ الله،
ومن وسائلِ ردِّ كيدِ عدوكم وإفسادِ سعيه في إضلالِكم الاستعاذةَ بالله العظيمِ، ذي الوجه الكريم والسلطانِ العظيمِ من الشيطانِ الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ فصلت 36، ، وذكرُ اللهِ تعالى من أعظمِ أسبابِ دفعِ تسلطِ الشياطينِ، فإن الشيطان يخنِسُ عند ذكرِ الله تعالى، ويتضاءلُ ويضمحِلُّ، بل يهرب وينهزمُ، فذِكر الله تعالى أثقلُ شيءٍ على عدوِّه، فهو الحرزُ المتين والحصن الحصين الذي يحفظُ به العبدُ نفسَه من الشيطانِ الرجيمِ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِىَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ »، ألا فكونوا من حزب الرحمن وأوليائه المفلحين ، ولا تكونوا من حزب الشيطان وأوليائه الخاسرين
الدعاء