خطبة حول درجات الجنة ،وحديث(فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ)
يناير 29, 2022خطبة حول حديث (جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ .وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ)
يناير 29, 2022الخطبة الأولى: أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (38) الأنعام
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ،وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه ،وموعدنا اليوم -إن شاء الله- مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ،مع قوله تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (38) الأنعام ،قال الإمام القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرءان ” إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ “أي هم جماعات مثلكم، خلقهم الله وتكفل بأرزاقهم، وعدل عليهم، فلا ينبغي أن تظلموهم، ولا تجاوزوا فيهم ما أمرتم به”. وقال الزجاج: ” إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ” أي في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص يوم القيامة ، وروى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ». وقال الإمام الطبري ” إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ “: أي “جعلها الله أجناسا مجنسة، وأصنافا مصنفة، تعرف كما تعرفون ،وتتصرف فيما سخرت له كما تتصرفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ومثبت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب “. وفي تفسير البغوي: قَالَ مُجَاهِدٌ: أَصْنَافٌ مُصَنَّفَةٌ تُعْرَفُ بِأَسْمَائِهَا يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ مِنَ الْحَيَوَانِ أُمَّةٌ، فالطير أمة، والهوام أُمَّةٌ، وَالدَّوَابُّ أُمَّةٌ، وَالسِّبَاعُ أُمَّةٌ، تُعْرَفُ بِأَسْمَائِهَا مِثْلُ بَنِي آدَمَ، يُعَرَفُونَ بِأَسْمَائِهِمْ، يُقَالُ: الْإِنْسُ وَالنَّاسُ، وعَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْلَا أَنَّ الكلاب أمة من الأمم لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ» رواه الترمذي ، وَقِيلَ : (أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) يَفْقَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وخلاصة كلام المفسرين: أن الطيور والدواب مثل بني البشر من حيث أن الله رازقهم ومحييهم ومميتهم، ومن حيث الطباع والسلوك والأخلاق، فمن الطيور من خلقه السرقة، ومنهم من طبعه الغدر، ومنهم الوفي ،ومنهم المسالم ،ومنهم الشرس، ومنهم الاستغلالي، ومنهم الوفي لزوجته، ومنهم الخائن ومنهم.. الخ. ومن المعلوم أن الحيوان لديه مشاعر وأحاسيس، يعرف الحب والمودة والرحمة ،والملكية والمنافسة ،ويجيد فنون الحرب والقتال، فهم أمم ليست ضعيفة أو غبية كما يظن البعض، بل على العكس، بعضها قادر على محاربة الإنسان والانتصار عليه رغم ضآلة أجسامها، والكل يعرف ما تسببه لنا البكتريا والفيروسات من أمراض تحصد مئات الآلاف من الأرواح، كما أن هذه الدواب ، وتلك الأمم تسبح الله تعالى ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَفِي أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ ».
أيها المسلمون
وقوله تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) فيه إشارة إلى قاعدة من أهم قواعد تصنيف صور الحياة المختلفة، وأن كل نوع من أنواع الحياة عبارة عن خلق يشبه خلق الانسان في انبثاقه عن أصل واحد، وترابطه في أمة واحدة، وأن التشابه والتماثل بين هذه الأمم والانسان ليس في السلوكيات والأخلاق والأعمال فحسب، ولكن يتعدى كذلك التشابه والتماثل في التركيب الجيني والوظيفي، فللقرآن الكريم عطاء لكل جيل ،يختلف عن عطائه للجيل السابق، وذلك لأن القرآن للعالمين، فهو لا يقتصر على أمة بعينها، وإنما هو الدين الكامل لكل البشر، ومن هنا فإنه يجب أن يكون له عطاء لكل جيل.. وإلا فلو أفرغ القرآن عطاءه الإعجازي في قرن من الزمان ، لاستقبل القرون الأخرى بلا عطاء.. وبذلك يكون قد جمد، والقرآن متجدد ولا يجمد ابدا.. وهو قادر على العطاء لكل جيل ، بما يختلف عن الجيل الذى قبله، وبنفس الآية. ، فقوله تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) (الانعام 38).يبين الله تعالى أن كل أمة من الأمم الكثيرة التي خلقها الله في هذا الكون هي أمم أمثالنا في السلوك ، وفى لغات التفاهم، وفي نظام معيشتها، وقد تعلم الانسان من محاكاة مادونه من الكائنات، فقابيل تعلم من الغراب كيف يواري سوأة أخيه. ومصصم الطائرات تعلم صناعة الطيران من دراسة الطيور والحشرات. فكل المخلوقات أمم أمثالنا أرزاقا وآجالا وأعمالا وسلوكا، وصدق الله العظيم إذ يقول : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (38) الأنعام
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية: أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويمكننا القول أن المراد بالتماثل بين الدواب والإنسان إنما هو في بعض الجوانب ، وليس المراد هو التماثل التام من كل وجه ، إذ لو وقع هذا لكان الإنسان حيوانا كسائر الحيوانات، وهو محال عقلا وشرعا، أما عقلا فمعلوم ، وأما شرعا فإن الله عز وجل قد كرم بني آدم على سائر الكائنات ،وفضلهم على كثير من خلقه ، كما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) (الاسراء 70) ، ولو قلنا بالتماثل من كل وجه لقلنا برفع التكليف عن بني آدم ، شأنهم في ذلك شأن البهائم والدواب ، وهو محال شرعا ، وإنما المراد ـوالله أعلم ـ هو التماثل والتشابه السلوكي، والخلقي ،والطبعي ،كما قال الإمام الخطابي والشوكاني والقرطبي وغيرهم.. ويدل على صحة هذا القول الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لَوْلاَ أَنَّ الْكِلاَبَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا كُلِّهَا فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ » ، فسمى النبي صلى الله عليه وسلم الكلاب أمة من الأمم ،أي في الخلق والتدبير والأفعال والأعمال والسلوكيات ،ومحال تماثل الكلب لكل الأمم من كل الوجوه.
الدعاء