خطبة عن حديث ( أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ )
فبراير 12, 2023خطبة عن (المعونَةُ علَى قَدْرِ المؤْنَةِ )
فبراير 13, 2023الخطبة الأولى ( إنَّهَا سَنَوَاتُ الزَّلاَزِلِ وَالآيَاتِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ – وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ – حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ»، وفي رواية: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ،وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهْوَ الْقَتْلُ، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ ،حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لاَ أَرَبَ لِي بِهِ. وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ. وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)، وفي مسند أحمد: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ». قَالَ الْهَرْجُ أَيُّمَا هَوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «الْقَتْلُ الْقَتْلُ».
إخوة الإسلام
إن الله سبحانه وتعالى عليم حكيم فيما يقضيه ويقدره، فهو سبحانه يخلق ما يشاء ويختار من الآيات والنذر، ويقدرها سبحانه تخويفا وتذكيرا لهم بقدرته وتدبيره لخلقه، وقيوميته في ملكه وملكوته، وليذكرهم بما يجب عليهم من حقه، وتحذيرا لهم من الشرك ومخالفة أمره ، وارتكاب نهيه، قال الله تعالى: ( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) الاسراء (59)، وقال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (65) الانعام، وفي صحيح البخاري: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ) قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ». فَقَالَ (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ». قَالَ (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا) فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «هَذَا أَيْسَرُ»،
وما وقع من الزلازل في هذه الأيام، في جهات كثيرة على سطح الأرض، لهو من جملة الآيات التي يخوف الله بها عباده. وليست الزلازل دليلا على غضب الله تعالى بمن حلت بهم، ولكن فيها تذكير وتخويف، فهي للمؤمنين منهم رحمة، وللكافرين عذاب، فيجب على جميع الناس من المسلمين وغيرهم، التوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والاستقامة على أمره ودينه، والحذر كل الحذر من كل ما نهى عنه، من الشرك والمعاصي، حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة، وقد قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) للناس وقد زلزلت المدينة، فخطبهم ووعظهم، وقال: (لئن عادت لا أساكنكم فيها)،
فالواجب عند الزلازل والكسوف والرياح الشديدة والفيضانات وغيرها من الآيات العظام، المسارعة بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى، والضراعة إليه، وسؤاله العافية، والإكثار من ذكره ،واستغفاره، كما قال صلى الله عليه وسلم عند الكسوف كما في سنن النسائي: « إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَإِنَّهُمَا لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الصَّلاَةِ ». وقال العلامة ابن القيم (رحمه الله): (وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه والندم)، كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: (إن ربكم يستعتبكم)، وذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك: (أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة ؟ فقالت: إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف، غار الله عز وجل في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا أهدمها عليهم قال: يا أم المؤمنين، أعذابا لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين)، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا اتُّخِذَ الْفَيْءُ دُوَلاً وَالأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا وَتُعُلِّمَ لِغَيْرِ الدِّينِ وَأَطَاعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَأَدْنَى صَدِيقَهُ وَأَقْصَى أَبَاهُ وَظَهَرَتِ الأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَمَسْخًا وَقَذْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ»، وللأسف فمعظم -إن لم يكن كل- هذه الأمور والمخالفات والمعاصي قد وقعت، وأصبحت – للأسف- أمرا مألوفا عند سكان أهل الأرض.
أيها المسلمون
وسوف تسمعون (عقب حدوث هذه الزلازل وغيرها من الآيات) بعض الغافلين المغرورين الجاهلين يقولون: إن هذه الزلازل هي ظواهر طبيعية، ولها أسبابها المعروفة، ولا علاقة لها بأفعال الناس وأحوالهم، ومن الغريب أنه قد نطق بهذه الكلمات من كان قبلهم من المكذبين الضالين، قال الله تعالى في محكم آياته: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (94)، (95) الأعراف، وقولهم هذا جعلهم يتمادون في غيهم وفجورهم، ويستمرون في عصيانهم وفسقهم، فلم يتوبوا إلى الله ولم يستغفرونه، فكان العقاب: (فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (95) الأعراف، فنقول لمثل هؤلاء: إن الله سبحانه وتعالى بين أن هذه الزلازل كغيرها من آيات الله، يخوف الله بها عباده، ليقلعوا عن ذنوبهم، ويرجعوا إلى ربهم، وكونها تقع للأسباب معروفة، فلا يخرجها هذا عن كونها مقدرة من الله تعالى على العباد، فهو مسبب الأسباب، قال الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر:62) ، فإذا أراد الله شيئا أوجد سببه، ورتب عليه نتائجه، قال الله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) (الاسراء:16).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إنَّهَا سَنَوَاتُ الزَّلاَزِلِ وَالآيَاتِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إنه من يتأمل في مجريات حياتنا، وفي واقعنا ومعاشنا فإنه سيصاب بالرعب الرهيب والفزع الشديد بسبب ما نراه من انتهاك حرمات الله وحدوده، وتضيع وتفريط في أوامر الله تعالى وواجباته، انظروا إلى حال الناس مع أكل الربا، والمبادرة إليه، وحرصهم على المشاركة فيه، انظروا إلى انتشار الرشوة بين الناس والتي لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، انظروا إلى حال النساء من التبرج والسفور، والاختلاط والفجور، انظروا إلى هجر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعدم التواصي به، انظروا إلى قطيعة الأرحام، والفساد في كل النواحي والمجالات التي لا يمكن عدها وحصرها، ونخشى أن تنزل علينا عقوبة الله بسبب أمننا لمكر الله تعالى ، قال الله تعالى: ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (النحل:46،45) .
ألا فاعتبروا، وتوبوا إلى ربكم، واشكروه على آلائه، وتذكروا قول الله تعالى: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (65) :(68) الأنعام
الدعاء