خطبة عن الإعتصام بالله (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
فبراير 8, 2020خطبة عن الجهر بالحق (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ)
فبراير 15, 2020الخطبة الأولى ( إياك والكسل )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين البخاري ومسلم: (أن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ :كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ :« اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ )
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم -إن شاء الله تعالى – عن داء عضال، ومرض فتاك، من اتصف به أقعده عن العمل لدنياه وأخراه، فصار عالة على غيره، معتمداً على الآخرين، لا يُسدي لأحد معروفاً ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ذلكم هو داء : (الكسل) ، وما أدراك ما الكسل؛ إنه مرض خطير، إذا فشا في أمة تخلفت ،وتقاعست، وأصبحت في ذيل الأمم، ومن اتصف بهذا الوصف الشنيع من الأفراد خسر دنياه وأخراه ، فإن أسوأ ما يصاب به الإنسان هو الخمول والكسل ،وعدم القدرة على النجاح والعمل والإنتاج ، فالكسول هو : من يترك الأمور على ما هي عليه ، دون اهتمام بتنفيذ الأعمال أو المحافظة عليها، وعلى هذا ، فالكسل يعتبر عدواً للنجاح؛ لأنه يؤدي إلى التراخي وانعدام الرغبة في العمل، وبسببه تواجههم صعوبة في تحدي الصعاب ،وتحقيق الأهداف، فتتعطل مسيرة النجاح والتقدم والإنتاج والعمل ، ومن أقوال الحكماء (من تعود الكسل ، ومال إلى الراحة فقد الراحة )، وقيل: (إن أردت ألا تتعب فاتعب حتى لا تتعب)، ولقد ذم الله تعالى الكسل، فقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ } [التوبة: ٣٨] ، بل وعد الله سبحانه وتعالى الكسل من صفات المنافقين، فقال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى) النساء (142) ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ».، فالإنسان في هذه الحياة إذا ركن إلى الراحة والدعة والخمول والكسل هان على نفسه ، وعلى الآخرين، فالكسل حلقات متتالية، فمن كسل عن شيء ،جره ذلك إلى الكسل عن آخر ،وثالث ورابع ، حتى يلتحق بالأموات وهو يمشي على الأرض، ولربما تكاسل عن أسباب المعاش، فلجأ إلى سؤال الناس فكان دنيئا ،
أيها المسلمون
وللكسل مظاهر عديدة ،وصور كثيرة، في أمور الدين وأمور الحياة، ومن صوره وأشكاله: أولا : التثاقل في أداء الفرائض والواجبات: فالكسول يتثاقل عن أداء ما افترضه الله عليه، ويترك ما أوجبه الله عليه من فرائض وواجبات، ويتخلى عن وظيفته التي من أجلها خلقه الله وهي عبادة الله وحده ، فمن الكسل أن يقدم المرء هواه على طاعة مولاه، وأن يُؤْثِرَ الراحة على العبادة، وأن يستسلم لوساوس الشيطان ويقعَ في شِرَاكِه ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ » ،ثانيا : ومن مظاهر الكسل : ترك السنن والنوافل : فمن الكسل في الطاعة والعبادة؛ أن يتكاسل العبد في السنن والنوافل، والسنن والنوافل فضل من الله، وكرم من الله، ورحمة من الله، بها ينجبر ما قد يكون من نقص في الفرائض، وبها تكثر الحسنات ،وترفع الدرجات ، وتمحى السيئات، ويكون العبد محبوبا إلى الله، قريبا من الله، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه البخاري : (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ،) ، ثالثا : ومن مظاهر الكسل : التخلي عن الوظيفة والعمل: فالوظيفة أمانة ،والمخلّ بها مذنب وآثم، والمُجدّ فيها مُثاب ومأجور، وفي البخاري ومسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » ، فكيفَ لعاقل أن يتكاسل في وظيفة تقلدها ومسؤولية تولاها وعمل أنيط به، فيَجني على نفسه وعلى أمّته، ويُحمّل نفسَه أوزارَ الناس ذوي الحقوق الذين ضيع حقوقهم بكسله وتفريطه. رابعا : ومن مظاهر الكسل : البطالة والتسول والاتكال على الغير: فمن الكسل أن يرضى المرء لنفسه بالبطالة وترْكِ العمل، يَعتمدُ على غيره في قوته وقوت عياله، يَمدّ يديه متسولا في الطرقات وعلى أبواب المساجد. ومشكلة البطالة ليست فيمن لم يجد عملاً يعمله في فترة معينة وهو يَجدّ ويجتهد في البحث عن العمل، ولكن المشكلة فيمن يرضى بالبطالة، ويرفض العمل، ويخلد للراحة والكسل، ويتكبّر على كل عمل حلال عُرض عليه، ويرضى لنفسه أن يكون عالة على غيره، ثِقلا على مجتمعه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إياك والكسل )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن داء الكسل وصوره ومظاهره في حياتنا :فمن مظاهر الكسل : التكاسل في الدراسة والتعلم: فيتكاسل الطلبة والتلاميذ في دراستهم، بانشغالهم باللهو واللعب وتضييع الوقت فيما لا ينفع على مَدار السنة، حتى إذا حان وقت الامتحان لم يجدوا وسيلة للنجاح إلا الغش والتحايل، وبئست الشهادة التي تنال بالغش، ولا خير في الغش لصاحبه ولا لأهله ولا لوطنه ولا لأمته؛ لأنه ينتج إنسانا فاشلا يُسنَدُ إليه ما لا يجيده ولا يتقنه من الأمور.
أيها المسلمون
وبعد أن تعرفنا على داء الكسل ،وبعض مظاهره ،فهل من علاج لهذا الداء ؟،فنقول العلاج: أولا : استعذ بالله تعالى؛ ليحميك الله من هذا الداء العضال، فهو سبحانه مُعيذ من استعاذ به، مجير من استجار به، ناصر لمن احتمى به واعتمد عليه، ففي الصحيحين : (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ » . ثانيا : لعلاج الكسل : استعن بالله تعالى؛ فهو سبحانه معينٌ من استعان به، وهو ولي العون والتوفيق، ونحن الفقراء إلى الله، وفي حاجة إلى عونه وتوفيقه في كل وقت وحين، في أمور الحياة وفي أمور الدين. وقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه – وهي وصية لنا جميعا – أن نسأل الله تعالى العونَ على طاعته وعبادته، ففي مسند أحمد وصححه الألباني : (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْماً ثُمَّ قَالَ: « يَا مُعَاذُ إِنِّي لأُحِبُّكَ ». فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ. قَالَ « أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ » ،ثالثا : ومن علاج داء الكسل : ضرورة الصبر والمصابرة في كل عمل صالح نافع؛ فالإصلاحُ والتغيير وتقديمُ النفع للآخرين يحتاج إلى صبر ومصابرة، يحتاج إلى إرادة قوية وهمة عالية، وهكذا كان أفضل المُصْلِحين وهم أنبياء الله ورُسله، وهم قدوتنا في الصبر والمصابرة والهمة العالية ومحبة الخير للناس أجمعين، رابعا : اعلم أن عمرك في نقصان؛ لا يحتمل أن تضيعه في الكسل والخمول، عمرُك ينقص في كل وقت وحين. كل يوم يمضي وكل ليلة وكل شهر وكل سنة وكل لحظة إلا وينقص بها عمر هذا الإنسان، وهو في غفلة وسهو، يقول الحسن البصري رحمه: ابن آدم؛ إنما أنت أيام مجموعة، كلما مضى يوم مضى بعضك، فلماذا تضيع هذه الأيام فيما لا ينفع؟ لماذا تضيعها في كسل وخمول ؟،
الدعاء