خطبة حول حديث (أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ)
فبراير 19, 2022خطبة حول قوله تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)
فبراير 26, 2022الخطبة الأولى ( الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) (3) ابراهيم
إخوة الإسلام
القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك ، وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) (3) ابراهيم ، قال العلماء في تفسيرها : أي : الذين يختارون الحياة الدنيا ومتاعها ومعاصي الله فيها ، على طاعة الله ، وما يقرِّبهم إلى رضاه ، من الأعمال النافعة في الآخرة ، ويمنعون من أراد الإيمان بالله واتّباعَ رسوله على ما جاء به من عند الله ، من الإيمان به ،واتباعه ، ويلتمسون لسَبِيل الله وهي دينه الذي ابتعث به رسوله تحريفًا وتبديلا بالكذب والزّور ، فهؤلاءِ هم الكافِرونَ ،الذين يختارونَ الحياةَ الدُّنيا الفانيةَ، ويَترُكونَ الآخِرةَ الباقيةَ، ويَصْرِفونَ النَّاسَ عن اتِّباعِ دِينِ اللهِ، ويُريدونَه طَريقًا مُعوَجًّا؛ ليُوافِقَ أهواءَهم، فأولئك في ضلالٍ بعيدٍ عن الحقِّ ،وكُلُّ مَن آثرَ الدُّنيا وزهرَتَها، واستحَبَّ البقاءَ في نعيمِها على النَّعيمِ في الآخرةِ، وصَدَّ عن سبيلِ اللهِ فهو داخِلٌ في هذه الآيةِ، وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في سنن الترمذي وغيره : (إنَّما أخافُ على أُمَّتي الأئمةَ المضلِّينَ) ،وما أكثَرَهم في هذه الأزمانِ، ويقول الإمام محمد متولي الشعراوي في تفسيره للآية الكريمة: أن الآية لا تمنع الإنسان من حب الدنيا ،لكنها تتحدث عن أن تستحبها على الآخرة ،فهذا هو الأمر المذموم، أما إذا أحببت الدنيا لأنها تُعينك على تكاليف دينك ،وجعلتها مزرعة للآخرة ،فهذا أمر مطلوب ،لأنك تفعل فيها ما يجعلك تسعد في آخرتك، فهذا طلب للدنيا من أجل الآخرة، أما في هذه الآية ، فلا نجد هؤلاء الذين يستحبون الحياة من أجل أن يجعلوها مزرعة للآخرة ،بل هم يستحبون الحياة من أجل التمتع فيها. وأوضح الشعراوي أن قوله تعالى: «وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ» أي أنهم لم يكتفوا بحب الدنيا على الآخرة فقط ،ولم يكتفوا بالسير في طريق الشهوات والملذات ،بل تمادوا في الغى ، وصدوا غيرهم عن سبيل الله ،كأنهم ضلّوا في أنفسهم ،ولم يكتفوا بذلك ،بل يحاولون إضلال غيرهم ويصدونهم عن الهداية. وأضاف الشعراوي : أن قوله تعالى «وَيَبْغُونَهَا عِوَجا» أي يبغون شريعة الله مُعوجة ، لتحقق لهم نزواتهم، مشيرا إلى أن في هذه الآية نجد ثلاث مراتب للضلال: استحباب الحياة الدنيا على الآخرة، والصد عن سبيل الله، وتشويه المنهج كي يُكرهوا الناس فيه. وبين الشعراوي : أن الله تعالى ختم الآية الكريمة بوصف هؤلاء: «أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ» أي أن أصحاب المرتبة في الضلال هم من استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ،والذين توغلوا في الضلال أكثر فهم الذين يصدون عن سبيل الله، أما الذين توغلوا أكثر فأكثر فهم الذين يُشوهون في منهج الله لتنفير الناس منه ،أو ليحقق لهم نزواتهم وهكذا ساروا إلى أبعد منطقة في الضلال.
أيها المسلمون
إن هذه الحياة الدنيا بما تحتويه من فتن ومال وشهوات ، لهي عائق من المعوقات التي تعوق المسلم عن فعل الصالحات والطاعات، فهي تشغل المسلم بما جبلت عليه عن القيام بهذه الإعمال ،أو الإكثار منها، فزينة المال والحرص عليه، وعلى جمعه وتحصيله يمنع الإنسان عن فعل كثير من الخيرات من إنفاق وصدقة، وكذلك زينة الولد فهي مجبنة مبخلة، وكذلك المرأة فهي من متاع الحياة الدنيا، فالحاصل أن الدنيا تعوق عن العمل الصالح وتصد عنه، فهي رأس الفتنة، وباب كل شر، فالخير له مفاتيح ،والشر له مفاتيح، والدنيا مفتاح من مفاتيح الخير، وهي مفتاح عظيم من مفاتيح الشر؛ بما جبلت عليه من الشهوات والملذات،والمتأمل في سير الناس في هذه الحياة الدنيا يجد انغماس الناس في ملذاتها وشهواتها، رغم ما ورد في القرآن الكريم من التحذير من الاغترار بها وبمتاعها الزائل، قال سبحانه وتعالى: ﴿لَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: 33]. والمذموم في ذلك هو متاع الدنيا وشهواتها المحرمة، وليس المقصود ذات الدنيا فهي دار لعمل الخير كما هي دار لعمل الشر، كما اقتضت حكمة الله ذلك، والمذموم من الدنيا الركون إليها وإلى متاعها الزائل، وما فيها من شهوات ومضلات الفتن. وكثير من المسلمين اليوم يُزهد في الدنيا، ويحذر منها، وأنها سبب كل شر، ورأس كل خطيئة، وهو صحيح، لكن هذا لا يعنى العزوف عنها وعن عمارتها، والاستخلاف فيها، والسعي وفق منهج الحق تبارك وتعالى، ولعل هذا أحد أسباب تخلف المسلمين في الريادة والقيادة للعالم، وعزوف كثير من المسلمين عن تقديم كل ما يخدم الإنسان من تقدم وتطور، على عكس ما كان عليه سلف هذه الأمة ، فالأصل هو عمارة هذا الحياة بكل جوانبها، وجعلها مزرعة نحصد ثمارها الطيبة في الحياة الأبدية، في جنات عدن التي خرجنا منها.
أيها المسلمون
فالمراد بحب الدنيا هو التعلق بها وبشهواتها وبما فيها من المتاع، وتفضيلها على الآخرة كما قال سبحانه وتعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾ [القيامة: 20]. هذا الحب يغمر القلب فلا يوجد فيه مكان للآخرة أو يقل فيه مكان الآخرة، فالدنيا مقدمة على الآخرة بحيث تصير أكبر الهم، وأعظم ما يبلغه. والمراد بحب الدنيا المذموم أن يرضى بالحياة الدنيا ويستحبها على الآخرة، فلا يسعى ولا يعمل لما بعد الموت، فيتعلق القلب بالدنيا وبمتاعها وشهواتها. والمقصود بحب الدنيا الحب الذي يدفع صاحب الدنيا إلى فعل المحظورات والمنهيات، وترك القربات والطاعات، وفعل الصالحات، فالمذموم أن تكون الدنيا بالقلب لا باليد. والمقصود بحب الدنيا أن تكون الدنيا مالكة له ومتصرفة فيه، لا هو مالك الدنيا ومتصرف فيها. ولا يفهم من هذا أن المقصود من ذلك هو ترك الدنيا والسعي فيها، والإعراض الكلي عنها، والتزهيد بكل ما فيها ،فهذا الفهم غير صحيح؛ لأن المسلم مطالب شرعاً بالاستخلاف في الأرض وعمارتها، والسعي فيها بل كل ما ينفع الأمة ويخدمها، ويخدم البشرية قاطبة في سائر المجالات العلمية والصناعية النافعة. ولكن المقصود أن نجعل الدنيا مزرعة نحصد ثمارها في الآخرة، وأن يصرف المسلم الدنيا ، في طاعة الله تعالى، والعمل الصالح، وعمارتها حسب ما أمر الحق تبارك وتعالى من الاستخلاف فيها، بما ينفع الدين والدنيا.
أيها المسلمون
وقد ذكر القرآن الكريم ذلك عن الدنيا في معرض الذم، وبين أن ما فيها من زينة ومتاع ما هي إلا فتنة للناس وابتلاء لهم، فمن أخذ بما فيها من الحلال وترك المحرمات، ولم تلهه المباحات عن فعل الطاعات كان من الفائزين، ومن كانت الدنيا همه كان من الخاسرين. قال الحق تبارك وتعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران: 14].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
كما بين الله سبحانه وتعالى أن الأعمال الصالحات هي التي تبقى، وهي النفع الحقيقي، وما عداه من متاع الدنيا وزينتها زائل لا نفع فيه، قال سبحانه وتعالى في الحديث عن الدنيا: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ [الكهف: 46]. ففي هذه الآيات ردّ على الرؤساء وطلاب الدنيا الذين كانوا يفتخرون بالمال والغنى والأبناء فأخبرهم سبحانه أن ذلك مما يتزين به في الدنيا لا مما ينفع في الآخرة، وبيان أن أعمال الخير أفضل من هذه الزينة بالمال والبنين ثواباً، وأكثر عائدة ومنفعة لأهلها. والإقبال على فعل الطاعات والأعمال الصالحات، والتفرغ للعبادة خير من الاشتغال بمتاعها الزائل ، ثم أخبر سبحانه بحقيقة أخرى، يعلم فيها عباده لينتفعوا بها، وهي أن المال والبنون زينة من زين الدنيا، يتجمل بها الإنسان ساعة ثم يذهبان، فلا يجوز الاغترار بهما، بحيث يصبحان هم الإنسان في هذه الحياة فيصرفانه عن طلب سعادة الآخرة بالإيمان وصالح الأعمال. فالدنيا يتزين بها الإنسان، وهي تفنى وتزول، وإعمال الخيرات من صيام وصلاة وقيام وحج وغيرها هي التي تبقى،
الدعاء